الباحث القرآني

(p-٤٣٢)قوله عزّ وجلّ: ﴿وَأنّا مِنّا الصالِحُونَ ومِنّا دُونَ ذَلِكَ كُنّا طَرائِقَ قِدَدًا﴾ ﴿وَأنّا ظَنَنّا أنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ في الأرْضِ ولَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا﴾ ﴿وَأنّا لَمّا سَمِعْنا الهُدى آمَنّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْسًا ولا رَهَقًا﴾ ﴿وَأنّا مِنّا المُسْلِمُونَ ومِنّا القاسِطُونَ فَمَن أسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ ﴿وَأمّا القاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ هَذا كُلُّهُ مِن قَوْلِ الجِنِّ إلى آخِرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأمّا القاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾، وقَوْلُهُ تَعالى: "وَمِنّا دُونُ ذَلِكَ أيْ غَيْرُ الصالِحِينَ، كَأنَّهم قالُوا: ومِنّا قَوْمٌ أو فِرَقُةٌ دُونَ صالِحِينَ، وهى لَفْظَةٌ تَقَعُ أحْيانًا مَوْقِعَ "غَيْرَ"، و"الطَرائِقَ": السِيَرُ المُخْتَلِفَةُ، و"القِدَدُ" كَذَلِكَ هى الأشْياءُ المُخْتَلِفَةُ كَأنَّهُ قَدْ بَعَّضَها مِن بَعْضٍ وفَصَلَ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وعِكْرِمَةُ وقَتادَةُ: "طَرائِقَ قِدَدًا" أهْواءٌ مُخْتَلِفَةٌ، وقالَ غَيْرُهُمْ: فِرَقٌ مُخْتَلِفُونَ، قالَ الكُمَيْتُ: ؎ جَمَعْتُ بِالرَأْيِ مِنهم كُلَّ رافِضَةٍ ∗∗∗ إذْ هم طَرائِقُ في أهْوائِهِمْ قِدَدُ قَوْلُهُمْ: ﴿وَأنّا ظَنَنّا أنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ﴾، الظَنُّ هُنا بِمَعْنى العِلْمِ، وهَذا إخْبارٌ مِنهم عن حالِهِمْ بَعْدَ إيمانِهِمْ بِما سَمِعُوا مِن مُحَمَّدٍ ﷺ، و"الهُدى" يُرِيدُونَ بِهِ القُرْآنَ، سَمُّوهُ هُدًى مِن حَيْثُ هو سَبَبُ الهُدى، و"البَخْسُ" نَقْصُ الحَسَناتِ، والرَهَقُ الزِيادَةُ في السَيِّئاتِ، وقَرَأ الأعْمَشُ ويَحْيى بْنُ وثّابٍ: "فَلا يَخَفْ" بِالجَزْمِ دُونَ ألِفٍ. وقَسَّمَ اللهُ تَعالى بَعْدَ ذَلِكَ حالَ الناسِ في الآخِرَةِ عَلى نَحْوِ ما قَسَّمَ قائِلُ الجِنِّ فَقَوْلُهُ: ﴿وَأنّا مِنّا المُسْلِمُونَ ومِنّا القاسِطُونَ﴾، و"القاسِطُ": الظالِمُ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والناسُ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ قَوْمٌ هم قَتَلُوا ابْنَ هِنْدٍ عنوَةً ∗∗∗ ∗∗∗ عُمْرًا وهم قَسَطُوا عَلى النُعْمانِ (p-٤٣٣)والمُقْسِطُ: العادِلُ، وإنَّما هَذا التَقْسِيمُ لِيَذْكُرَ حالَ الفَرِيقَيْنِ مِنَ النَجاةِ والهَلَكَةِ، ويَرْغَبُ في الإسْلامِ مَن لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ، فالوَجْهُ أنْ يَكُونَ "فَمَن أسْلَمَ" مُخاطَبَةً مِنَ اللهِ تَعالى لِمُحَمَّدٍ ﷺ، ويُؤَيِّدُهُ ما بَعْدَهُ مِنَ الآياتِ. و"تَحَرَّوْا" مَعْناهُ: طَلَبُوا بِاجْتِهادِهِمْ، ومِنهُ قَوْلُ النَبِيِّ ﷺ: « "لا تَتَحَرَّوْا بِصَلاتِكم طُلُوعَ الشَمْسِ ولا غُرُوبَها".» وقَوْلُهُ تَعالى: (جَهَنَّمَ حَطَبًا ) نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعالى: ( وقُودُها الناسُ والحِجارَةُ ).
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب