الباحث القرآني
(p-٤١٥)بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ نُوحٍ
وهِيَ مَكِّيَّةٌ بِإجْماعٍ مِنَ المُتَأوِّلِينَ، قالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: « "مَن قَرَأ سُورَةَ نُوحٍ كانَ مِنَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ تُدْرِكُهم دَعْوَةُ نُوحٍ".»
قوله عزّ وجلّ:
﴿إنّا أرْسَلْنا نُوحًا إلى قَوْمِهِ أنْ أنْذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ ﴿قالَ يا قَوْمِ إنِّي لَكم نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ ﴿أنِ اعْبُدُوا اللهَ واتَّقُوهُ وأطِيعُونِ﴾ ﴿يَغْفِرْ لَكم مِن ذُنُوبِكم ويُؤَخِّرْكم إلى أجَلٍ مُسَمًّى إنَّ أجَلٍ اللهِ إذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
نُوحٌ عَلَيْهِ السَلامُ هو نُوحُ بْنُ لامَكَ، وقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ وذِكْرُ عُمْرِهِ ﷺ، وصُرِفَ "نُوحٌ" مَعَ عُجْمَتِهِ وتَعْرِيفِهِ لِخِفَّتِهِ وسُكُونِ الوَسَطِ مِن حُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْ أنْذِرْ قَوْمَكَ﴾، يُحْتَمَلُ بِأنْ تَكُونَ "أنْ" مُفَسِّرَةٌ لا مَوْضِعَ لَها مِنَ الإعْرابِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ التَقْدِيرُ: بِأنْ أنْذِرْ قَوْمَكَ، وهي -عَلى هَذا- في مَوْضِعِ نَصْبٍ عِنْدَ قَوْمٍ مِنَ النُحاةِ، وفي مَوْضِعِ خَفْضٍ عِنْدَ آخَرِينَ، وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: "إلى قَوْمِهِ أنْذِرْ قَوْمَكَ" دُونَ "أنْ"، و"العَذابُ الَّذِي تَوَعَّدُوا بِهِ" يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ عَذابَ الدُنْيا، وهو الأظْهَرُ والألْيَقُ بِما يَأْتِي بَعْدُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ عَذابَ الآخِرَةِ.
وقَرَأ جُمْهُورُ السَبْعَةِ: "أنِ اعْبُدُوا"، بِضَمِّ النُونِ مِن "أنْ" اتِّباعًا لِضَمَّةِ الباءِ وتَرْكًا لِمُراعاةِ الحائِلِ لِخِفَّةِ السُكُونِ، فَهو كَأنْ لَيْسَ ثَمَّ حائِلٌ، وقَرَأ عاصِمٌ، وحَمْزَةُ، وأبُو عَمْرٍو، وفي رِوايَةِ عَبْدِ الوارِثِ، "أنِ اعْبُدُوا" بِكَسْرِ النُونِ، وهَذا هو الأصْلُ في التِقاءِ (p-٤١٦)الساكِنَيْنِ مِن كَلِمَتَيْنِ، ويَغْفِرْ جَوابُ الأمْرِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: "مِن ذُنُوبِكُمْ" قالَ قَوْمٌ "مِن" زائِدَةٌ، وهَذا نَحْوٌ كُوفِيٌّ، وأمّا الخَلِيلُ وسِيبَوَيْهِ فَلا يَجُوزُ عِنْدَهُما زِيادَتُها في الواجِبِ، وقالَ قَوْمٌ: هي لِبَيانِ الجِنْسِ، وهَذا ضَعِيفٌ لِأنَّهُ لَيْسَ هُنا جِنْسٌ يُبَيِّنُ، وقالَ آخَرُونَ: هي بِمَعْنى "عن"، وهَذا غَيْرُ مَعْرُوفٍ في أحْكامِ "مِن"، وقالَ آخَرُونَ: هي لِابْتِداءِ الغايَةِ، وهَذا قَوْلٌ يَتَّجِهُ، كَأنَّهُ يَقُولُ: يَبْتَدِئُ الغُفْرانَ مِن هَذِهِ الذُنُوبِ العِظامِ الَّتِي لَهُمْ، وقالَ آخَرُونَ: هي لِلتَّبْعِيضِ، وهَذا عِنْدِي أبْيَنُ الأقْوالِ، وذَلِكَ أنَّهُ لَوْ قالَ: "يَغْفِرُ لَكم ذُنُوبَكُمْ" لَعَمَّ هَذا اللَفْظُ ما تَقَدَّمَ مِنَ الذُنُوبِ وما تَأخَّرَ عن إيمانِهِمْ، والإسْلامُ يَجُبُّ ما قَبْلُهُ، فَهي بَعْضٌ مِن ذُنُوبِهِمْ، فالمَعْنى: يَغْفِرُ لَكم ذُنُوبَكُمْ، وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: أرادَ: يَغْفِرُ لَكم مِن ذُنُوبِكُمُ المُهِمِّ المَوْبِقِ الكَبِيرِ؛ لِأنَّهُ أهَمُّ عَلَيْهِمْ، وبِهِ رُبَّما كانَ اليَأْسُ عَنِ اللهِ قَدْ وقَعَ لَهُمْ، وهَذا قَوْلٌ مُضَمِّنُهُ أنْ "مِن" لِلتَّبْعِيضِ، والله تَعالى المُوَفِّقُ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو: "يَغْفِرْ لَكُمْ" بِالإدْغامِ، ولا يُجِيزُ ذَلِكَ الخَلِيلُ وسِيبَوَيْهِ ؛ لِأنَّ الراءَ حَرْفٌ مُكَرَّرٌ فَإذا أُدْغِمَ في اللامِ ذَهَبَ التَكْرِيرُ واخْتَلَّ المَسْمُوعُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيُؤَخِّرْكم إلى أجَلٍ مُسَمًّى﴾ مِمّا تَعَلَّلَتِ المُعْتَزِلَةُ بِهِ في قَوْلِهِمْ: "إنَّ لِلْإنْسانِ أجَلَيْنِ"، وذَلِكَ أنَّهم قالُوا: لَوْ كانَ واحِدًا مُحَدَّدًا لَما صَحَّ التَأْخِيرُ إنْ كانَ الحَدُّ قَدْ بَلَغَ، ولا المُعاجَلَةُ إنْ كانَ الحَدُّ لَمْ يَبْلُغْ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ولَيْسَ لَهم في الآيَةِ تَعَلُّقٌ؛ لِأنَّ المَعْنى أنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَلامُ، لَمْ يَعْلَمْ هَلْ هم مِمَّنْ يُؤَخِّرُ أو مِمَّنْ يُعاجِلُ، ولا قالَ لَهم إنَّكم تُؤَخِّرُونَ عن أجْلٍ قَدْ حانَ لَكُمْ، لَكِنْ قَدْ سَبَقَ في الأزَلِ أنَّهم إمّا مِمَّنْ قَضى لَهم بِالإيمانِ والتَأْخِيرِ، وإمّا مِمَّنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالكُفْرِ والمُعاجَلَةِ، ثُمَّ تَشَدَّدَ هَذا المَعْنى ولاحَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ أجَلَ اللهِ إذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ﴾.
. وقَدْ حَكى مَكِّيٌّ القَوْلَ بِالأجَلَيْنِ ولَمْ يُقَدِّرْهُ قَدْرَهُ. وجَوابُ "لَوْ" مُقَدَّرٌ يَقْتَضِيهِ المَعْنى، كَأنَّهُ قالَ: فَما كانَ أحْزَمَكم وأسْرَعَكم إلى التَوْبَةِ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["إِنَّاۤ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦۤ أَنۡ أَنذِرۡ قَوۡمَكَ مِن قَبۡلِ أَن یَأۡتِیَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ","قَالَ یَـٰقَوۡمِ إِنِّی لَكُمۡ نَذِیرࣱ مُّبِینٌ","أَنِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِیعُونِ","یَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَیُؤَخِّرۡكُمۡ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمًّىۚ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَاۤءَ لَا یُؤَخَّرُۚ لَوۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"],"ayah":"أَنِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِیعُونِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق