الباحث القرآني

(p-٣٩٩)بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ تَفْسِيرُ سُورَةِ المَعارِجِ وهِيَ مَكِّيَّةٌ، لا خِلافَ بَيْنِ الرُواةِ في ذَلِكَ. قوله عزّ وجلّ: ﴿سَألَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ﴾ ﴿لِلْكافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ﴾ ﴿مِنَ اللهِ ذِي المَعارِجِ﴾ ﴿تَعْرُجُ المَلائِكَةُ والرُوحُ إلَيْهِ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ﴾ ﴿فاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا﴾ ﴿إنَّهم يَرَوْنَهُ بَعِيدًا﴾ ﴿وَنَراهُ قَرِيبًا﴾ ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَماءُ كالمُهْلِ﴾ ﴿وَتَكُونُ الجِبالُ كالعِهْنِ﴾ ﴿وَلا يَسْألُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾ قَرَأ جُمْهُورُ السَبْعَةِ: "سَألَ" بِهَمْزَةٍ مُخَفَّفَةٍ، قالُوا: والمَعْنى: دَعا داعٍ، والإشارَةُ إلى مَن قالَ مِن قُرَيْشٍ: "اللهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذابٍ ألِيمٍ"، ورُوِيَ أنَّ قائِلَ ذَلِكَ النَضِرُ بْنُ الحارِثِ، وإلى مَن قالَ: "رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا". وقالَ بَعْضُهُمْ: المَعْنى: بَحَثَ باحِثٌ واسْتَفْهَمَ مُسْتَفْهِمٌ، قالُوا: والإشارَةُ إلى قَوْلِ قُرَيْشٍ: "مَتى هَذا الوَعْدُ"؟ وما جَرى مَجْراهُ، قالَهُ الحَسَنُ وقَتادَةُ. فَأمّا مَن قالَ: المَعْنى: دَعا داعٍ فالباءُ فى قَوْلِهِ تَعالى: "بِعَذابٍ" عَلى عُرْفِها، وأمّا مَن قالَ: المَعْنى: اسْتَفْهَمَ مُسْتَفْهِمٌ فالباءُ تُوَصَّلُ تَوْصِيلَ "عن"، كَأنَّهُ تَعالى قالَ: "عن عَذابٍ"، وهَذا كَقَوْلِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدَةَ: ؎ فَإنْ تَسْألُونِي بِالنِساءِ فَإنَّنِي بَصِيرٌ بِأدْواءِ النِساءِ طَبِيبُ (p-٤٠٠)وَقَرَأ نافِعُ بْنُ عامِرٍ: "سالَ" ساكِنَةَ الألِفِ، واخْتَلَفَ القِراءَةُ فِيها، فَقالَ بَعْضُهُمْ: هي "سَألَ" المَهْمُوزَةُ إلّا أنَّها سُهِّلَتْ، كَما قالَ: ؎ ............................... ∗∗∗ لا هُناكَ المَرْتَعُ ونَحْوُ ذَلِكَ، وقالَ بَعْضُهُمْ: هي لُغَةُ مَن يَقُولُ: "سَلْتُ أسْألُ ويَتَساوَلانِ"، وهي بِلُغَةٍ مَشْهُورَةٍ حَكاها سِيبَوَيْهِ، فَتَجِيءُ الألِفُ مُنْقَلِبَةً عَنِ الواوِ الَّتِي هي عَيْنٌ كَقالَ وخافَ، وأمّا قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ سالَتْ هُذَيْلُ رَسُولَ اللهِ فاحِشَةً ∗∗∗ ضَلَّتْ هُذَيْلُ بِما سالَتْ ولَمْ تَصِبْ (p-٤٠١)فَإنَّ سِيبَوَيْهِ قالَ: هو عَلى لُغَةِ تَسْهِيلِ الهَمْزَةِ، وقالَ غَيْرُهُ: هو عَلى لُغَةِ مَن قالَ: "سَلَّتْ"، وقالَ بَعْضُهم في الآيَةِ: هى مِن "سالَ يَسِيلُ" إذا جَرى، ولَيْسَتْ مِن مَعْنى السُؤالَ، قالَ زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ وغَيْرُهُ: في جَهَنَّمَ وادٍ يُسَمّى "سائِلًا"، والأخْبارُ هُنا عنهُ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: ويُحْتَمَلُ -إنْ لَمْ يَصِحَّ أمْرُ الوادِي- أنْ يَكُونَ الإخْبارُ عن نُفُوذِ القَدَرِ بِذَلِكَ العَذابِ، فاسْتُعِيرَ لَهُ لَفْظُ السَيْلِ لِما عَهِدَ مِن نُفُوذِ السَيْلِ وتَصْمِيمِهِ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ: "سالَ سَيْلَ" بِسُكُونِ الياءِ، وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وابْنُ مَسْعُودٍ: "سالَ سالَ" مِثْلَ "قالَ"، "قالَ"، أُلْغِيَتِ الياءُ مِنَ الخَطِّ تَخْفِيفًا، والمُرادُ "سائِلٌ" إذًا سُؤالُ الكُفّارِ عَنِ العَذابِ -حَسَبَ قِراءَةِ الجَماعَةِ- إنَّما كانَ عَلى أنَّهُ كَذَبَ، فَوَصَفَهُ اللهُ تَعالى بِأنَّهُ واقِعٌ وعِيدًا لَهم. وقَوْلُهُ تَعالى: "لِلْكافِرِينَ" قالَ بَعْضُ النَحْوِيِّينَ: اللامُ تُوَصَّلُ المَعْنى تَوْصِيلَ "عَلى"، ورُوِيَ أنَّهُ في مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: قَوْلُهُ تَعالى "عَلى الكافِرِينَ"، وقالَ قَتادَةَ والحَسَنُ: المَعْنى: كَأنَّ قائِلًا قالَ: لِمَن هَذا العَذابُ الواقِعُ؟ فَقِيلَ "لِلْكافِرِينَ". و"المَعارِجِ" في اللُغَةِ: الدُرْجُ في الأجْرامِ، وهي هُنا مُسْتَعارَةٌ في الرُتَبِ والصِفاتِ الحَمِيدَةِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: "المَعارِجُ": السَماواتُ تَعْرُجُ فِيها المَلائِكَةُ مِن سَماءٍ إلى سَماءٍ، وقالَ الحَسَنُ: هي المَراقِي إلى السَماءِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَعْرُجُ المَلائِكَةُ﴾ مَعْناهُ: تَصْعَدُ، عَلى أصْلِ اللُغَةِ فى اللَفْظَةِ. و"الرُوحُ" عِنْدَ جُمْهُورِ العُلَماءِ هو جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَلامُ، خَصَّصَهُ بِالذِكْرِ تَشْرِيفًا، وقالَ مُجاهِدٌ: الرُوحُ: مَلائِكَةٌ حَفَظَةٌ لِلْمَلائِكَةِ الحافِظِينَ لِبَنِي آدَمَ، لا تَراهُمُ المَلائِكَةُ كَما لا نَرى نَحْنُ المَلائِكَةَ، وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: هو اسْمُ الجِنْسِ في أرْواحِ الحَيَوانِ. واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ﴾، فَقالَ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ وجَماعَةٌ مِنَ الحُذّاقِ: المَعْنى: تَعْرُجُ المَلائِكَةُ والرُوحُ إلَيْهِ في يَوْمٍ مِن (p-٤٠٢)أيّامِكم هَذِهِ، ومِقْدارُ المَسافَةِ -إنْ لَوْ عَرَجَها آدَمِيٌّ- خَمْسُونَ ألْفَ سَنَةٍ، وقالَهُ ابْنُ إسْحاقَ، فَمَن جَعَلَ "الرُوحَ" جِبْرِيلَ ونَوْعًا مِنَ المَلائِكَةِ قالَ: المَسافَةُ هي مِن قَعْرِ الأرْضِ السابِعَةِ إلى العَرْشِ، قالَهُ مُجاهِدٌ، ومِن جَعَلَ "الرُوحَ" جِنْسَ أرْواحِ الحَيَوانِ قالَ: المَسافَةُ مِن وجْهِ هَذِهِ الأرْضِ إلى مُنْتَهى العَرْشِ عُلُوًّا، قالَهُ وهْبُ بْن مُنَبِّهٍ، وقالَ: قَوْمٌ المَعْنى: تَعْرُجُ المَلائِكَةُ والرُوحُ إلَيْهِ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ في نَفْسِهِ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ مِن أيّامِكُمْ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا في تَعْيِينِ ذَلِكَ اليَوْمَ، فَقالَ عِكْرِمَةُ، والحَكَمُ: أرادَ اللهُ تَعالى مُدَّةَ الدُنْيا فَإنَّها خَمْسُونَ ألْفَ سَنَةٍ، لا يَدْرِي أحَدٌ ما مَضى مِنها ولا ما بَقِيَ، فالمَعْنى: تَعْرُجُ المَلائِكَةُ والرُوحُ إلَيْهِ في مُدَّةِ الدُنْيا وبَقاءِ هَذِهِ البِنْيَةِ، ويَتَمَكَّنُ -عَلى هَذا فِي- "الرُوحِ" أنْ يَكُونَ جِنْسَ أرْواحِ الحَيَوانِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُ: بَلِ اليَوْمَ المُشارِ إلَيْهِ يَوْمَ القِيامَةِ -ثُمَّ اخْتَلَفُوا- فَقالَ بَعْضُهُمْ: قَدْرُهُ في الطُولِ قَدْرَ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، وهَذا هو ظاهِرُ قَوْلِ النَبِيِّ ﷺ: « "ما مِن رَجُلٍ لا يُؤَدِّي زَكاةَ مالِهِ إلّا جَعَلَ لَهُ صَفائِحَ مِن نارِ يَوْمِ القِيامَةِ تُكْوى بِها جَبْهَتُهُ وظَهْرُهُ وجَنْباهُ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ".» وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وأبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ: بَلْ قَدْرُهُ في هَوْلِهِ وشِدَّتِهِ ورَزاياهُ لِلْكُفّارِ قَدْر خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، وهَذا كَما تَقُولُ في اليَوْمِ العَصِيبِ: إنَّهُ كَسَنَةٍ، ونَحْوُ هَذا، قالَ أبُو سَعِيدٍ: «قِيلَ يا رَسُولَ اللهِ، ما أطْوَلُ يَوْمًا مِقْدارُهُ خَمْسُونَ ألْفَ سَنَةٍ؟ فَقالَ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: "والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِيَخِفَّ عَلى المُؤْمِنِ حَتّى يَكُونَ أخَفَّ عَلَيْهِ أخَفَّ مِن صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ"،» وقالَ عِكْرِمَةُ: المَعْنى كانَ مِقْدارَ ما يَنْقَضِي فِيهِ مِنَ القَضايا والحِسابِ قَدْرَ ما يَنْقَضِي بِالعَدْلِ في خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ مِن أيّامِ الدُنْيا. وقَدْ ورَدَ في يَوْمِ القِيامَةِ أنَّهُ كَألْفِ سَنَةٍ، وهَذا يُشْبِهُ أنْ يَكُونَ في طَوائِفَ دُونَ طَوائِفَ. والعامِلُ في قَوْلِهِ تَعالى: "يَوْمَ" - عَلى قَوْلِ مَن يَقُولُ إنَّهُ يَوْمُ القِيامَةِ - قَوْلُهُ تَعالى: (p-٤٠٣)"مِن دافِعٍ"، وعَلى سائِرِ الأقْوالِ "تَعْرُجُ". وقَرَأ جُمْهُورُ القُرّاءِ: "تَعْرُجُ" بِالتاءِ مِن فَوْقٍ، وقَرَأ الكِسائِيُّ وحْدَهُ: "يُعَرِّجُ" بِالياءِ لِأنَّ التَأْنِيثَ بِالياءِ غَيْرَ حَقِيقِيٍّ، وبِالياءِ مِن تَحْتٍ قَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ لِأنَّهُ كانَ يَذْكُرُ المَلائِكَةَ، وهي قِراءَةُ الأعْمَشِ. ثُمَّ أمَرَ تَعالى نَبِيَّهُ ﷺ بِالصَبْرِ الجَمِيلِ، وهو الَّذِي لا يَلْحَقُهُ عَتَبَ مِن فَشَلِ ولا شَكَّ ولا قِلَّة رَضِيَ ولا غَيْرَ ذَلِكَ، والأمْرُ بِالصَبْرِ الجَمِيلِ مُحْكَمٌ في كُلِّ حالَةٍ، وقِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَبْلَ الأمْرِ بِالقِتالِ. وقَوْلُهُ تَعالى: "إنَّهم يَرَوْنَهُ بَعِيدًا" يَعْنِي يَوْمَ القِيامَةِ؛ لِأنَّهم يُكَذِّبُونَ بِهِ فَهو في غايَةِ البُعْدِ عِنْدَهُمْ، وإنَّهُ تَعالى يَراهُ قَرِيبًا مِن حَيْثُ هو واقِعٌ وآتٍ وكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ، وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: الضَمِيرُ في "يَرَوْنَهُ" عائِدٌ عَلى العَذابِ، وقَوْلُهُ تَعالى: "يَوْمَ" تَكُونُ نُصِبَ بِإضْمارِ فِعْلٍ عَلى البَدَلِ مِنَ الضَمِيرِ المَنصُوبِ، و"المُهْلِ": عَكِرَ الزَيْتُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُ، فَهي لِسَوادِها وانْكِدارِ أنْوارِها تُشْبِهُ ذَلِكَ، والمُهْلُ أيْضًا ما أُذِيبَ مِن فِضَّةٍ ونَحْوِها، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وغَيْرُهُ، فَتَجِيءُ لَهُ ألْوانٌ وتَمَيُّعٌ مُخْتَلَطٌ، والسَماءُ أيْضًا لِلْأهْوالِ الَّتِي تُدْرِكُها تَصِيرُ مِثْلَ ذَلِكَ، و"العِهْنُ" الصُوفُ دُونَ تَقْيِيدٍ، وقَدْ قالَ بَعْضُ اللُغَوِيِّينَ: هو الصُوفُ المَصْبُوغُ ألْوانًا، وقِيلَ المَصْبُوغُ أيُّ لَوْنٍ كانَ، وقالَ الحَسَنُ: هو الأحْمَرُ، واسْتَدَلَّ مَن قالَ إنَّهُ المَصْبُوغُ ألْوانًا بِقَوْلِ زُهَيْرٍ: ؎ كَأنَّ فُتاتَ العِهْنِ في كُلِّ مَنزِلٍ ∗∗∗ نَزَلْنَ بِهِ حَبَّ الفَنا لَمْ يُحَطِّمِ وحَبُّ الفَنا هو عِنَبُ الثَعْلَبِ، وكَذَلِكَ هو عِنْدَ طِيبِهِ وقَبْلَ تَحْطِيمِهِ ألْوانٌ، بَعْضُهُ أحْمَرُ، وبَعْضُهُ أصْفَرُ، وبَعْضُهُ أخْضَرُ؛ لِاخْتِلافِهِ في النُضْجِ، وتُشْبِهُ الجِبالَ بِهِ عَلى هَذا لِأنَّها جُدَدٌ بِيضٌ وحُمْرٌ وسُودٌ، فَيَجِيءُ التَشْبِيهُ مِن وجْهَيْنِ: أحَدُهُما في الألْوانِ، والثانِي (p-٤٠٤)وَفِي الِانْتِفاشِ، ومَن قالَ إنَّ "العِهْنَ" الصُوفُ دُونَ تَقْيِيدٍ جَعَلَ التَشْبِيهَ في الِانْتِفاشِ وتَخَلْخُلِ الأجْزاءِ فَقَطْ، قالَ الحَسَنُ: والجِبالُ يَوْمَ القِيامَةِ تَسِيرُ بِالرِياحِ ثُمَّ يَشْتَدُّ الأمْرُ بِها فَتَصِيرُ كالعِهْنِ، ثُمَّ لا يَزالُ الأمْرُ بِها فَتَصِيرُ هَباءً مُنْبَثًّا. وقَرَأ السَبْعَةُ والحَسَنُ والمَدَنِيُّونَ وطَلْحَةُ والناسُ: "وَلا يَسْألُ" عَلى بِناءِ الفِعْلِ لِلْفاعِلِ، و"الحَمِيمُ" -فِي هَذا المَوْضِعِ-: القَرِيبُ والوالِي، فالمَعْنى: ولا يَسْألُهُ نُصْرَةً ولا مَنفَعَةً لِعِلْمِهِ أنَّهُ لا يَجِدُها عِنْدَهُ، قالَ قَتادَةُ: المَعْنى: ولا يَسْألُهُ عن حالِهِ لِأنَّها ظاهِرَةٌ، قَدْ بَصَّرَ كُلُّ أحَدٍ حالَةَ الجَمِيعِ وشُغِلَ بِنَفْسِهِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ -مِن طَرِيقِ السُدِّيُّ وأبُو جَعْفَرٍ وشَيْبَةُ - بِخِلافٍ عنهُما- وأبُو حَيْوَةَ "وَلا يُسْألُ" عَلى بِناءِ الفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ، فالمَعْنى: ولا يُسْألُ إبْصارُهُ؛ لِأنَّ كُلَّ مُجْرِمٍ لَهُ سِيما يَعْرِفُ بِها، وكَذَلِكَ كَلُّ مُؤْمِنٍ لَهُ سِيما خَيْرٍ، وقِيلَ: المَعْنى: لا يُسْألُ عن أعْمالِهِ وذُنُوبِهِ لِيُؤْخَذَ بِها ولَيُّهُ ووِزْرُهُ. و"يُبَصَّرُونَهُمْ"- عَلى هَذِهِ القِراءَةِ قِيلَ: مَعْناهُ: في النارِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: في المَحْشَرِ يُبَصَّرُ المُجْرِمُ حَمِيمَهُ ثُمَّ يَفِرُّ عنهُ لِشَغْلِهِ بِنَفْسِهِ، تَقُولُ: بَصَرُ فُلانٍ بِالشَيْءِ وبَصَّرْتُهُ بِهِ: أرَيْتُهُ إيّاهُ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ إذا بَصَرَتْكَ البَيْداءَ فاسْرِي ∗∗∗ وأمّا الآنَ فاقْتَصِدِي وقَيْلِي وقَرَأ قَتادَةُ: "يُبَصِّرُونَهُمْ" بِسُكُونِ الباءِ وكَسَرَ الصادَ خَفِيفَةً، وقالَ مُجاهِدٌ: "يُبَصَّرُونَهُمْ" مَعْناهُ:يُبْصِرُ المُؤْمِنُونَ الكُفّارُ في النارِ، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: يُبْصِرُ الكُفّارُ مَن أضَلَّهم في النارِ عِبْرَةً وإشْفاقًا عَلَيْهِمْ وخِزْيًا لَهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب