الباحث القرآني

(p-٤١٣)قوله عزّ وجلّ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ والمَغارِبِ إنّا لَقادِرُونَ﴾ ﴿عَلى أنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنهم وما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ ﴿فَذَرْهم يَخُوضُوا ويَلْعَبُوا حَتّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْداثِ سِراعًا كَأنَّهم إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾ ﴿خاشِعَةً أبْصارُهم تَرْهَقُهم ذِلَّةٌ ذَلِكَ اليَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ: "فَلا أُقْسِمُ" وذَلِكَ عَلى أنْ تَكُونَ "لا" زائِدَةً، أو تَكُونُ رَدًّا لِفِعْلِ الكَفّارِ وقَوْلِهِمْ، ثُمَّ يَقَعُ الِابْتِداءُ بِالقَسَمِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: "فَلَأُقْسِمُ" دُونَ ألِفٍ مُفْرَدَةٍ. و"المَشارِقُ والمَغارِبُ" هي مَطالِعُ الشَمْسِ والقَمَرِ وسائِرِ الكَواكِبِ وحَيْثُ تَغْرُبُ لِأنَّها مُخْتَلِفَةٌ عِنْدَ التَفْضِيلِ، فَلِذَلِكَ جَمَعَ، وقَرَأ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمٍ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ: "بِرَبِّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ" عَلى الإفْرادِ، ومَتى ورَدَ "المَشْرِقُ والمَغْرِبُ عَلى الإفْرادِ فَهي عِبارَةٌ عن مَوْضِعِ الشُرُوقِ ومَوْضِعِ الغُرُوبِ بِجُمْلَتِهِ وإنْ كانَ يَتَفَصَّلُ، ومَتى ورَدَ المَشْرِقانِ والمَغْرِبانِ فَهي عِبارَةٌ عن طَرَفَيْ مَوْضِعِ الشُرُوقِ وطَرَفَيْ مَوْضِعِ الغُرُوبِ. وأقْسَمَ اللهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ بِمَخْلُوقاتِهِ عَلى إيجابِ قُدْرَتِهِ عَلى أنَّ تُبْدَلَ خَيْرًا مِن ذَلِكَ العالَمِ، وأنَّهُ لا يَسْبِقُهُ شَيْءٌ إلى إرادَتِهِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَذَرْهم يَخُوضُوا﴾ الآيَةُ وعِيدٌ، وما فِيهِ مِن مَعْنى المُهادَنَةِ فَمَنسُوخٌ بِآيَةِ السَيْفِ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أنَّهُ قَرَأ: "يُلْقُوا" بِغَيْرِ ألِفٍ، وهي قِراءَةُ أبِي جَعْفَرٍ، وابْنِ مُحَيْصِنٍ. و"يَوْمَ يُخْرَجُونَ" بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ تَعالى: "يَوْمَهُمُ"، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "يَخْرُجُونَ" بِفَتْحِ الياءِ وضَمِّ الراءِ، ورَوى أبُو بَكْرٍ عن عاصِمٍ: ضَمَّ الياءِ وفَتْحِ الراءِ. و"الأجْداثِ": القُبُورُ. و"النَصْبُ": ما نُصِبَ لِلْإنْسانِ فَهو يَقْصِدُ مُسْرِعًا إلَيْهِ مِن عِلْمٍ أو بِناءٍ أو صَنَمٍ لِأهْلِ الأصْنامِ، وقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمالُ هَذا الِاسْمِ في الأصْنامِ حَتّى قِيلَ لَها: الأنْصابُ، ويُقالُ لِشَبَكَةِ الصائِدِ: نُصُبٌ، وقالَ أبُو العالِيَةِ "إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ" مَعْناهُ: إلى غاياتٍ يَسْتَبِقُونَ، وقَرَأ جُمْهُورُ السَبْعَةِ وأبُو بَكْرٍ عن عاصِمٍ: "نَصَبَ" بِفَتْحِ النُونِ، وهي قِراءَةُ أبِي جَعْفَرٍ، ومُجاهِدٍ، وشَيْبَةَ، وابْنِ وثّابٍ، والأعْرَجِ، وقَرَأ (p-٤١٤)الحَسَنُ، وقَتادَةُ -بِخِلافٍ عنهُما-: "نُصُبٍ" بِضَمِّ النُونِ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وحَفْصٌ عن عاصِمٍ: "نُصُبٍ" بِضَمِّ النُونِ والصادِ، وهي قِراءَةُ الحَسَنِ عن أبِي العالِيَةِ، وزَيْدِ بْنِ ثابِتٍ، وأبِي رَجاءٍ. وقَرَأ مُجاهِدٍ، وأبُو عِمْرانَ الجَوْنَيُّ "نَصَبٍ" بِفَتْحِ النُونِ والصادِ. و"يُوفِضُونَ" مَعْناهُ: يُسْرِعُونَ، ومِنهُ قَوْلُ الراجِزِ: ؎ لَأنْعِتَنَّ نَعامَةً مِيفاضًا ∗∗∗ خَرْجاءَ ظَلَّتْ تَطْلُبُ الإضاضا و"خاشِعَةً" نُصِبَ عَلى الحالِ ومَعْناهُ: ذَلِيلَةً مُنْكَسِرَةً، و"تَرْهَقُهُمْ" مَعْناهُ: تَظْهَرُ عَلَيْهِمْ وتَلِحُّ وتَضِيقُ نُفُوسُهُمْ، ومِن هَذِهِ اللَفْظَةِ "المُرْهَقُ"، مِنَ السادَةِ بِحَوائِجِ الناسِ، و"المُرْهَقُ"، بِالدِينِ، "وَخُلِقَ فِيها رَهَقٌ"، أيْ: إسْراعٌ إلى الناسِ، و"سَيْفُ فُلانٍ فِيهِ رَهَقٌ"، ومِنهُ "مُراهِقَةُ الأحْلامِ"، و"إرْهاقُ الصَلاةِ" أيْ: مُزاحَمَةُ وقْتِها. تَمَّ تَفْسِيرُ [سُورَةِ المَعارِجِ] والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب