الباحث القرآني
(p-٥)قوله عزّ وجلّ:
﴿وَما أرْسَلْنا في قَرْيَةٍ مِن نَبِيٍّ إلا أخَذْنا أهْلَها بِالبَأْساءِ والضَرّاءِ لَعَلَّهم يَضَّرَّعُونَ﴾ ﴿ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَيِّئَةِ الحَسَنَةَ حَتّى عَفَوْا وقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنا الضَرّاءُ والسَرّاءُ فَأخَذْناهم بَغْتَةً وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ ﴿وَلَوْ أنَّ أهْلَ القُرى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَماءِ والأرْضِ ولَكِنْ كَذَّبُوا فَأخَذْناهم بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾
هَذِهِ الآيَةُ خَبَرُ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ أنَّهُ ما بَعَثَ نَبِيًّا في مَدِينَةٍ -وَهِيَ القَرْيَةُ- إلّا أخَذَ أهْلَها المُكَذِّبِينَ لَهُ بِالبَأْساءِ وهي المَصائِبُ في الأمْوالِ والهُمُومِ وعَوارِضِ الزَمَنِ، والضَرّاءِ وهي المَصائِبُ في البَدَنِ كالأمْراضِ ونَحْوِها، هَذا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ وكَثِيرٍ مِن أهْلِ اللُغَةِ، وحَكى عَنِ السُدِّيِّ ما يَقْتَضِي أنَّ اللَفْظَتَيْنِ تَتَداخَلانِ فَتُقالُ كُلُّ واحِدَةٍ عَلى المَعْنَيَيْنِ، و"لَعَلَّهُمْ" تَرَجٍّ بِحَسَبِ اعْتِقادِ البَشَرِ وظُنُونِهِمْ، و"يَضَّرَّعُونَ" أيْ يَنْقادُونَ إلى الإيمانِ. وهَكَذا قَوْلُهُمُ: "الحُمّى أضْرَعَتْنِي لَكَ".
ثُمَّ قالَ تَعالى أنَّهُ بَعْدَ إنْفاذِ الحُكْمِ في الأوَّلِينَ بَدَّلَ لِلْخَلْقِ مَكانَ السَيِّئَةِ -وَهِيَ البَأْساءُ والضَرّاءُ- الحَسَنَةَ -وَهِيَ السَرّاءُ والنِعْمَةُ- وهَذا بِحَسَبِ ما عِنْدَ الناسِ، وإلّا فَقَدَ يَجِيءُ الأمْرُ كَما قالَ الشاعِرُ:
؎ قَدْ يُنْعِمُ اللهُ بِالبَلْوى وإنْ عَظُمَتْ ∗∗∗ ويَبْتَلِي اللهُ بَعْضَ القَوْمِ بِالنِعَمِ
(p-٦)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا إنَّما يَصِحُّ مَعَ النَظَرِ إلى الدارِ الآخِرَةِ والجَزاءِ فِيها، والنِعْمَةُ المُطْلَقَةُ هي الَّتِي لا عُقُوبَةَ فِيها، والبَلْوى المُطْلَقَةُ هي الَّتِي لا ثَوابَ عَلَيْها.
و﴿حَتّى عَفَوْا﴾ مَعْناهُ: حَتّى كَثُرُوا، يُقالُ: عَفا النَباتُ والرِيشُ، يَعْفُو إذا كَثُرَ نَباتُهُ، ومِن هَذا المَعْنى قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ ولَكِنَّها نُعَضُّ السَيْفَ مِنها ∗∗∗ ∗∗∗ بِأسْوُقِ عافِياتِ الشَحْمِ كَوْمِ
وعَلَيْهِ قَوْلُهُ ﷺ: « "أحَفُوا الشَوارِبَ وأعْفُوا اللِحى"،» وعَفا أيْضًا في اللُغَةِ بِمَعْنى دَرَسَ وبَلى، فَقالَ بَعْضُ الناسِ: هي مِنَ الألْفاظِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ لِلضِّدَّيْنِ، وأمّا قَوْلُ زُهَيْرٍ:
؎ ................................ ∗∗∗ ∗∗∗ عَلى آثارِ مَن ذَهَبَ العَفاءُ
فَيُحْتَمَلُ ثَلاثَةُ مَعانٍ؛ الدُعاءُ بِالدَرْسِ، والإخْبارُ بِهِ، والدُعاءُ بِالنُمُوِّ والنَباتِ، كَما يُقالُ: جادَتْهُ الدِيَمُ وسَقَتْهُ العِهادُ، ولِما بَدَّلَ اللهُ حالَهم بِالخَيْرِ لُطْفًا بِهِمْ فَنَمَوْا رَأى الخَلْقَ بَعْدَ ذَلِكَ -لِلْكُفْرِ الَّذِي هم فِيهِ- أنَّ إصابَةَ الضَرّاءِ والسَرّاءِ إنَّما هي بِالِاتِّفاقِ، ولَيْسَتْ بِقَصْدٍ كَما يُخْبِرُ النَبِيُّ، واعْتَقَدُوا أنَّ ما أصابَهم مِن ذَلِكَ إنَّما هو كالِاتِّفاقِ الَّذِي كانَ لِآبائِهِمْ فَجَعَلُوهُ مِثالًا، أيْ: قَدْ أصابَ هَذا آباءَنا فَلا يَنْبَغِي لَنا أنْ نُنْكِرَهُ، فَأخْبَرَ اللهُ تَعالى أنَّهُ أخَذَ هَذِهِ الطَوائِفَ الَّتِي هَذا مُعْتَقَدُها.
(p-٧)وَقَوْلُهُ: ﴿بَغْتَةً﴾ أيْ فَجْأةً وأخْذَةَ أسَفٍ وبَطْشًا لِلشَّقاءِ السابِقِ لَهم في قَدِيمِ عِلْمِهِ. والسَرّاءُ: السُرُورُ والحَبْرَةُ، ﴿وَهم لا يَشْعُرُونَ﴾ مَعْناهُ: وهم مُكَذِّبُونَ لا يَتَحَسَّسُونَ لِشَيْءٍ مِنهُ ولا يَسْتَشْعِرُونَهُ بِاسْتِدْلالٍ وغَيْرِهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَوْ أنَّ أهْلَ القُرى آمَنُوا واتَّقَوْا﴾ الآيَةُ. المَعْنى في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهم لَوْ كانُوا مِمَّنْ سَبَقَ في عِلْمِ اللهِ أنْ يَكْتَسِبُوا الإيمانَ والطاعاتِ ويَتَّصِفُوا بِالتُقى لَتَبِعَ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللهِ ورَحْمَتِهِ وإنْعامِهِ ما ذُكِرَ مِن بَرَكاتِ المَطَرِ والنَباتِ، ولَكِنَّهم لَمّا كانُوا مِمَّنْ سَبَقَ كُفْرُهم وتَكْذِيبُهم تَبِعَ ذَلِكَ أخْذُ اللهِ لَهم بِسُوءِ ما اجْتَرَمُوهُ، وكُلٌّ مَقْدُورٌ، والثَوابُ والعِقابُ مُتَعَلِّقٌ بِكَسْبِ البَشَرِ، وبِسَبَبِهِ اسْتَنَدَتِ الأفْعالُ إلَيْهِمْ في قَوْلِهِ: ( آمَنُوا واتَّقَوْا ) وفي ( كَذَّبُوا ). وقَرَأ السِتَّةُ مِنَ القُرّاءِ السَبْعَةِ: "لَفَتَحْنا" بِخَفِيفِ التاءِ، وهي قِراءَةُ الناسِ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحْدَهُ، وعِيسى الثَقَفِيُّ، وأبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ: "لَفَتَّحْنا" بِتَشْدِيدِ التاءِ، وفَتْحُ البَرَكاتِ: إنْزالُها عَلى الناسِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنّاسِ مِن رَحْمَةٍ﴾ [فاطر: ٢]، ومِنهُ قالَتِ الصُوفِيَّةُ: الفُتُوحُ والبَرَكاتُ: النُمُوُّ والزِياداتُ، و"مِنَ السَماءِ" لِجِهَةِ المَطَرِ والرِيحِ والشَمْسِ، "والأرْضِ" لِجِهَةِ الإنْباتِ والحِفْظِ لِما يَنْبُتُ، هَذا هو الَّذِي يُدْرِكُهُ نَظَرُ البَشَرِ، ولِلَّهِ خُدّامٌ غَيْرُ ذَلِكَ لا يُحْصى عَدَدُهُمْ، وما في عِلْمِ اللهِ أكْثَرُ.
{"ayahs_start":94,"ayahs":["وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا فِی قَرۡیَةࣲ مِّن نَّبِیٍّ إِلَّاۤ أَخَذۡنَاۤ أَهۡلَهَا بِٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ لَعَلَّهُمۡ یَضَّرَّعُونَ","ثُمَّ بَدَّلۡنَا مَكَانَ ٱلسَّیِّئَةِ ٱلۡحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوا۟ وَّقَالُوا۟ قَدۡ مَسَّ ءَابَاۤءَنَا ٱلضَّرَّاۤءُ وَٱلسَّرَّاۤءُ فَأَخَذۡنَـٰهُم بَغۡتَةࣰ وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ","وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰۤ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَفَتَحۡنَا عَلَیۡهِم بَرَكَـٰتࣲ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا۟ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ"],"ayah":"وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰۤ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَفَتَحۡنَا عَلَیۡهِم بَرَكَـٰتࣲ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا۟ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق