الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿وَلُوطًا إذْ قالَ لِقَوْمِهِ أتَأْتُونَ الفاحِشَةَ ما سَبَقَكم بِها مِن أحَدٍ مِن العالَمِينَ﴾ ﴿إنَّكم لَتَأْتُونَ الرِجالَ شَهْوَةً مِن دُونِ النِساءِ بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ ﴿وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلا أنْ قالُوا أخْرِجُوهم مِن قَرْيَتِكم إنَّهم أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ ﴿فَأنْجَيْناهُ وأهْلَهُ إلا امْرَأتَهُ كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ﴾ ﴿وَأمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُجْرِمِينَ﴾
(p-٦٠٧)"لُوطٌ" - عَلَيْهِ السَلامُ -؛ بَعَثَهُ اللهُ تَعالى إلى أُمَّةٍ تُسَمّى "سَدُومَ"؛ ورُوِيَ أنَّهُ ابْنُ أخِي إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَلامُ -؛ ونَصْبُهُ إمّا بِـ "أرْسَلْنا"؛ اَلْمُتَقَدِّمِ في الأنْبِياءِ؛ وإمّا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ؛ تَقْدِيرُهُ: "واذْكُرْ لُوطًا"؛ واسْتِفْهامُهُ لَهم هو عَلى جِهَةِ التَوْقِيفِ؛ والتَوْبِيخِ والتَشْنِيعِ.
و"اَلْفاحِشَةَ"؛ هُنا: إتْيانُ الرِجالِ في الأدْبارِ؛ ورُوِيَ أنَّهُ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ المَعْصِيَةُ في أُمَمٍ قَبْلَهم.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وإنْ كانَ لَفْظُ الآيَةِ يَقْتَضِي هَذا؛ فَقَدَ كانَتِ الآيَةُ تَحْتَمِلُ أنْ يُرادَ بِها: "ما سَبَقَكم أحَدٌ إلى لُزُومِها؛ وتَشْهِيرِها؛ ورُوِيَ أنَّهم كانُوا يَأْتِي بَعْضُهم بَعْضًا؛ ورُوِيَ أنَّهم إنَّما كانُوا يَأْتُونَ الغُرَباءَ؛ قالَهُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ ؛ قالَ عَمْرُو بْنُ دِينارٍ: ما نَزا ذَكَرٌ عَلى ذَكَرٍ قَبْلَ قَوْمِ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَلامُ -؛ وحَكى النَقّاشُ: أنَّ إبْلِيسَ كانَ أصْلَ عَمَلِهِمْ؛ إذْ دَعاهم إلى نَفْسِهِ؛ وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: عامِلُ اللِواطِ كالزانِي؛ وقالَ مالِكٌ - رَحِمَهُ اللهُ - وغَيْرُهُ: يُرْجَمُ؛ أُحْصِنَ أو لَمْ يُحْصَنْ؛ وحَرَقَ أبُو بَكْرٍ الصِدِّيقُ - رَضِيَ اللهُ عنهُ - رَجُلًا يُسَمّى "اَلْفَجْأةُ"؛ حِينَ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَلامُ.
وقَرَأ نافِعٌ ؛ والكِسائِيُّ ؛ وحَفْصٌ عن عاصِمٍ: "إنَّكُمْ"؛ عَلى الخَبَرِ؛ كَأنَّهُ فَسَّرَ الفاحِشَةَ؛ وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ؛ وأبُو عَمْرٍو ؛ وعاصِمٌ ؛ في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُ -؛ وحَمْزَةُ: "أئِنَّكُمْ"؛ بِاسْتِفْهامٍ آخَرَ؛ وهَذا لِأنَّ الأوَّلَ اسْتِفْهامٌ عن أمْرٍ مُجْمَلٍ؛ والثانِي عن مُفَسَّرٍ؛ إلّا أنَّ حَمْزَةَ ؛ وعاصِمًا؛ قَرَآ بِهَمْزَتَيْنِ؛ ولَمْ يَهْمِزْ أبُو عَمْرٍو ؛ وابْنُ كَثِيرٍ إلّا واحِدَةً.
و"شَهْوَةً": نُصِبَ عَلى المَصْدَرِ؛ مِن قَوْلِكَ: "شَهِيتُ الشَيْءَ؛ شَهاةً"؛ والمَعْنى: تَدَعُونَ (p-٦٠٨)الغَرَضَ المَقْصُودَ بِالوَطْءِ؛ وهو ابْتِغاءُ ما كَتَبَ اللهُ تَعالى مِنَ الوَلَدِ؛ وتَنْفَرِدُونَ بِالشَهْوَةِ فَقَطْ.
وقَوْلُهُ: ﴿ "بَلْ أنْتُمْ"؛﴾ إضْرابٌ عَنِ الإخْبارِ عنهُمْ؛ أو تَقْرِيرِهِمْ عَلى المَعْصِيَةِ؛ وتَرْكٌ لِذَلِكَ؛ إلى الحُكْمِ عَلَيْهِمْ بِأنَّهم قَوْمٌ قَدْ تَجاوَزُوا الحَدَّ وارْتَكَبُوا الحَظْرَ؛ و"اَلْإسْرافُ": اَلزِّيادَةُ المُفْسِدَةُ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ "جَوابَ"؛ بِالنَصْبِ؛ وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ "جَوابُ"؛ بِالرَفْعِ؛ ولَمْ تَكُنْ مُراجَعَةُ قَوْمِهِ بِاحْتِجاجٍ مِنهُمْ؛ ولا بِمُدافَعَةٍ عَقْلِيَّةٍ؛ وإنَّما كانَتْ بِكُفْرٍ؛ وصَرامَةٍ؛ وخِذْلانٍ بَحْتٍ؛ في قَوْلِهِمْ: ﴿ "أخْرِجُوهُمْ"؛﴾ وتَعْلِيلُهُمُ الإخْراجَ بِتَطْهِيرِ المُخْرِجِينَ؛ والضَمِيرُ عائِدٌ عَلى لُوطٍ - عَلَيْهِ السَلامُ -؛ وأهْلِهِ؛ وإنْ كانَ لَمْ يَجْرِ لَهم ذِكْرٌ؛ فَإنَّ المَعْنى يَقْتَضِيهِمْ؛ ورُوِيَ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُ ابْنَتَيْهِ؛ وعَلى هَذا عُنِيَ في الضَمِيرِ هو وابْنَتاهُ؛ و﴿ "يَتَطَهَّرُونَ"؛﴾ مَعْناهُ: يَتَنَزَّهُونَ عن حالِنا؛ وعادَتِنا؛ قالَ مُجاهِدٌ: مَعْناهُ: يَتَطَهَّرُونَ عن أدْبارِ الرِجالِ؛ والنِساءِ؛ قالَ قَتادَةُ: عابُوهم بِغَيْرِ عَيْبٍ؛ وذَمُّوهم بِغَيْرِ ذَمٍّ؛ والخِلافُ في أهْلِهِ حَسْبَما تَقَدَّمَ.
واسْتَثْنى اللهُ تَعالى امْرَأةَ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَلامُ - مِنَ الناجِينَ؛ وأخْبَرَ أنَّها هَلَكَتْ؛ و"اَلْغابِرُ": اَلْباقِي؛ هَذا المَشْهُورُ في اللُغَةِ؛ ومِنهُ غُبَّرُ الحَيْضِ؛ كَما قالَ أبُو كَبِيرٍ الهُذَلِيُّ:
؎ ومُبَرَّإٍ مِن كُلِّ غُبَّرِ حَيْضَةٍ ∗∗∗ وفَسادِ مُرْضِعَةٍ وداءٍ مُغْيِلِ
و"غُبَّرُ اللَبَنِ في الضَرْعِ": بَقِيَّتُهُ؛ فَقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ في العَذابِ؛ والعِقابِ؛ أيْ: "مَعَ الباقِينَ؛ مِمَّنْ لَمْ يَنْجُ"؛ وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ ؛ مُعَمَّرٌ: ذَكَرَها اللهُ تَعالى بِأنَّها كانَتْ مِمَّنْ أسَنَّ؛ وبَقِيَ مِن عَصْرِهِ إلى عَصْرِ غَيْرِهِ؛ فَكانَتْ غابِرَةً إلى أنْ هَلَكَتْ مَعَ قَوْمِها.
(p-٦٠٩)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: فَكَأنَّ قَوْلَهُ: ﴿ "إلا امْرَأتَهُ"؛﴾ اِكْتَفى تَعالى بِهِ في أنَّها لَمْ تَنْجُ؛ ثُمَّ ابْتَدَأ وصْفَها بَعْدَ ذَلِكَ بِصِفَةٍ لا تَتَعَلَّقُ بِها النَجاةُ؛ ولا الهَلَكَةُ؛ والأوَّلُ أظْهَرُ؛ وقَدْ يَجِيءُ "اَلْغابِرُ"؛ بِمَعْنى الماضِي؛ وكَذَلِكَ حَكى أهْلُ اللُغَةِ: "غَبَرَ"؛ بِمَعْنى: "بَقِيَ"؛ وبِمَعْنى: "مَضى"؛ وأمّا قَوْلُ الأعْشى:
؎ عَضَّ بِما أبْقى المَواسِي لَهُ ∗∗∗ ∗∗∗ مِن أُمِّهِ في الزَمَنِ الغابِرِ
فالظاهِرُ أنَّهُ أرادَ الماضِي؛ وذَلِكَ بِالنِسْبَةِ إلى وقْتِ الهِجاءِ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ: "فِي الزَمَنِ الباقِي"؛ وذَلِكَ بِالنِسْبَةِ إلى الحِينِ هو غابِرٌ بَعْدَ الإبْقاءِ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يُعَلَّقَ "فِي الزَمَنِ"؛ بِـ "عَضَّ"؛ فَيَكُونَ "اَلْغابِرُ": اَلْباقِي؛ عَلى الإطْلاقِ؛ والأوَّلُ أظْهَرُ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَأمْطَرْنا عَلَيْهِمْ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ نَصٌّ عَلى إمْطارٍ؛ وتَظاهَرَتِ الآياتُ في غَيْرِ هَذِهِ السُورَةِ أنَّهُ بِحِجارَةٍ؛ ورُوِيَ أنَّ اللهَ - عَزَّ وجَلَّ - بَعَثَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَلامُ - فاقْتَلَعَها بِجَناحِهِ؛ وهي سِتُّ مُدُنٍ؛ - وقِيلَ: خَمْسٌ؛ وقِيلَ: أرْبَعٌ - فَرَفَعَها حَتّى سَمِعَ أهْلُ السَماءِ نُهاقَ الحَمِيرِ؛ وصُراخَ الدِيَكَةِ؛ ثُمَّ عَكَسَها ورَدَّ أعْلاها أسْفَلَها؛ وأرْسَلَها إلى الأرْضِ؛ وتَبِعَتْهُمُ الحِجارَةُ مَعَ هَذا؛ فَأهْلَكَتْ مَن كانَ مِنهم في سَفَرٍ؛ أو خارِجًا عَنِ البُقَعِ المَرْفُوعَةِ؛ وقالَتِ امْرَأةُ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَلامُ - حِينَ سَمِعَتِ الرَجَّةَ: واقَوْماهُ؛ والتَفَتَتْ؛ فَأصابَتْها صَخْرَةٌ؛ فَقَتَلَتْها.
{"ayahs_start":80,"ayahs":["وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦۤ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَـٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدࣲ مِّنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةࣰ مِّن دُونِ ٱلنِّسَاۤءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمࣱ مُّسۡرِفُونَ","وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦۤ إِلَّاۤ أَن قَالُوۤا۟ أَخۡرِجُوهُم مِّن قَرۡیَتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسࣱ یَتَطَهَّرُونَ","فَأَنجَیۡنَـٰهُ وَأَهۡلَهُۥۤ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَـٰبِرِینَ","وَأَمۡطَرۡنَا عَلَیۡهِم مَّطَرࣰاۖ فَٱنظُرۡ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُجۡرِمِینَ"],"ayah":"وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦۤ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَـٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدࣲ مِّنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق