الباحث القرآني

قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكم خُلَفاءَ مِن بَعْدِ عادٍ وبَوَّأكم في الأرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِها قُصُورًا وتَنْحِتُونَ الجِبالَ بُيُوتًا فاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ ولا تَعْثَوْا في الأرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ ﴿قالَ المَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَن آمَنَ مِنهم أتَعْلَمُونَ أنَّ صالِحًا مُرْسَلٌ مِن رَبِّهِ قالُوا إنّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ ﴿قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إنّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كافِرُونَ﴾ "وَبَوَّأكُمْ"؛ مَعْناهُ: مَكَّنَكُمْ؛ وهي مُسْتَعْمَلَةٌ في المَكانِ؛ وظُرُوفِهِ؛ تَقُولُ: "تَبَوَّأ فُلانٌ مَنزِلًا حَسَنًا"؛ ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿تُبَوِّئُ المُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ﴾ [آل عمران: ١٢١] ؛ وقالَ الأعْشى: ؎ فَما بَوَّأ الرَحْمَنُ بَيْتَكَ مَنزِلًا ∗∗∗ بِشَرْقِيِّ أجْيادِ الصَفا والمُحَرَّمِ (p-٦٠٤)وَ"اَلْقُصُورُ": جَمْعُ "قَصْرٌ"؛ وهي الدُورُ الَّتِي قُصِرَتْ عَلى بِقاعٍ مِنَ الأرْضِ مَخْصُوصَةٍ؛ بِخِلافِ بُيُوتِ العَمُودِ؛ وقُصِرَتْ عَنِ الناسِ قَصْرًا تامًّا. و"اَلنَّحْتُ": اَلنَّجْرُ؛ والقَشْرُ في الشَيْءِ الصُلْبِ؛ كالحَجَرِ؛ والعُودِ؛ ونَحْوِهِما. وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: "وَتَنْحَتُونَ"؛ بِفَتْحِ الحاءِ؛ وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ بِكَسْرِها؛ وبِالتاءِ مِن فَوْقُ؛ وقَرَأ ابْنُ مُصَرِّفٍ بِالياءِ مِن أسْفَلُ؛ وكَسْرِ الحاءِ؛ وقَرَأ أبُو مالِكٍ بِالياءِ مِن أسْفَلُ؛ وفَتْحِ الحاءِ؛ وكانُوا يَنْحِتُونَ الجِبالَ لِطُولِ أعْمارِهِمْ. و"تَعْثَوْا"؛ مَعْناهُ: تُفْسِدُوا؛ يُقالُ: "عَثا؛ يَعْثِي"؛ و"عَثا؛ يَعْثُو"؛ وعَثِيَ؛ يَعْثى"؛ كَـ "نَسِيَ؛ يَنْسى"؛ وعَلَيْها لَفْظُ الآيَةِ؛ وقَرَأ الأعْمَشُ: "تِعْثَوْا"؛ بِكَسْرِ التاءِ؛ و"مُفْسِدِينَ"؛ حالٌ. وتَقَدَّمَ القَوْلُ في "اَلْمَلَأُ"؛ وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحْدَهُ؛ في هَذا المَوْضِعِ: "وَقالَ المَلَأُ"؛ بِواوِ عَطْفٍ؛ وهي مَحْذُوفَةٌ عِنْدَ الجَمِيعِ. والَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ؛ هُمُ الأشْرافُ والعُظَماءُ الكَفَرَةُ؛ و"اِسْتَكْبَرُوا"؛ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَعْناهُ: طَلَبُوا هَيْئَةً لِنُفُوسِهِمْ مِنَ الكِبَرِ؛ أو يَكُونَ بِمَعْنى "كَبِرُوا"؛ كَبَّرَهُمُ المالُ والجاهُ وأعْظَمَهُمْ؛ فَيَكُونَ - عَلى هَذا - "كَبِرَ"؛ و"اِسْتَكْبَرَ"؛ بِمَعْنًى؛ كَـ "عَجِبَ"؛ و"اِسْتَعْجَبَ"؛ والأوَّلُ هو بابُ "اِسْتَفْعَلَ"؛ كَـ "اِسْتَوْقَدَ"؛ و"اِسْتَرْفَدَ"؛ والَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا هُمُ العامَّةُ والأغْفالُ في الدُنْيا؛ وهم أتْباعُ الرُسُلِ. وقَوْلُهُمْ: ﴿ "أتَعْلَمُونَ"؛﴾ اِسْتِفْهامٌ عَلى مَعْنى الِاسْتِهْزاءِ؛ والِاسْتِخْفافِ؛ فَأجابَ المُؤْمِنُونَ بِالتَصْدِيقِ؛ والصَرامَةِ في دِينِ اللهِ تَعالى ؛ فَحَمَلَتِ الأنَفَةُ الأشْرافَ عَلى مُناقَضَةِ المُؤْمِنِينَ في مَقالَتِهِمْ؛ واسْتَمَرُّوا عَلى كُفْرِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب