الباحث القرآني

(p-٥٤٧)قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿قُلْ أمَرَ رَبِّي بِالقِسْطِ وأقِيمُوا وُجُوهَكم عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِينَ كَما بَدَأكم تَعُودُونَ﴾ ﴿فَرِيقًا هَدى وفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَلالَةُ إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَياطِينَ أولِياءَ مِن دُونِ اللهِ ويَحْسَبُونَ أنَّهم مُهْتَدُونَ﴾ تَضَمَّنَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿قُلْ أمَرَ رَبِّي بِالقِسْطِ﴾ ؛ "أقْسِطُوا"؛ ولِذَلِكَ عُطِفَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى "وَأقِيمُوا"؛ حَمْلًا عَلى المَعْنى؛ و"اَلْقِسْطُ": اَلْعَدْلُ والحَقُّ؛ واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وَأقِيمُوا وُجُوهَكم عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ ؛ فَقِيلَ: أرادَ إلى الكَعْبَةِ؛ قالَهُ مُجاهِدٌ ؛ والسُدِّيُّ ؛ والمَقْصِدُ - عَلى هَذا -: شَرْعُ القِبْلَةِ والأمْرُ بِالتِزامِها؛ وقِيلَ: أرادَ الأمْرَ بِإحْضارِ النِيَّةِ لِلَّهِ تَعالى في كُلِّ صَلاةٍ؛ والقَصْدَ نَحْوَهُ تَعالى ؛ كَما تَقُولُ: "وَجَّهْتُ وجْهِيَ لِلَّهِ تَعالى "؛ قالَهُ الرَبِيعُ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: فُلا يُؤْخَذُ الوَجْهُ عَلى أنَّهُ الجارِحَةُ؛ بَلْ هو المَقْصِدُ؛ والمَنزَعُ. وقِيلَ: اَلْمُرادُ بِهَذا اللَفْظِ إباحَةُ الصَلاةِ في كُلِّ مَوْضِعٍ مِنَ الأرْضِ؛ أيْ: "حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَهو مَسْجِدٌ لَكُمْ؛ تَلْزَمُكم عِنْدَ الصَلاةِ إقامَةُ وُجُوهِكم فِيهِ لِلَّهِ - عَزَّ وجَلَّ -"؛ قالَ قَوْمٌ: سَبَبُها أنَّ قَوْمًا كانُوا لا يُصَلُّونَ إلّا في مَساجِدِهِمْ؛ في قِبْلَتِهِمْ؛ فَإذا حَضَرَتِ الصَلاةُ في غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المَساجِدِ لَمْ يُصَلُّوا فِيها؛ وقَوْلُهُ تَعالى "مُخْلِصِينَ". قالَ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ؛ وقَتادَةُ ؛ وابْنُ عَبّاسٍ ؛ ومُجاهِدٌ: اَلْمُرادُ بِقَوْلِهِ - تَبارَكَ وتَعالى -: ﴿كَما بَدَأكم تَعُودُونَ﴾ ؛ اَلْإعْلامُ بِالبَعْثِ؛ أيْ: "كَما أوجَدَكم واخْتَرَعَكُمْ؛ كَذَلِكَ يُعِيدُكم بَعْدَ المَوْتِ"؛ فالوَقْفُ - عَلى هَذا التَأْوِيلِ - عَلى "تَعُودُونَ"؛ و"فَرِيقًا"؛ نُصِبَ عَلى "هَدى"؛ والثانِي مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ؛ تَقْدِيرُهُ: "وَعَذَّبَ فَرِيقًا"؛ أو: "أضَلَّ فَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ...". (p-٥٤٨)وَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما - أيْضًا؛ وأبُو العالِيَةِ ؛ ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ ؛ ومُجاهِدٌ أيْضًا؛ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ؛ والسُدِّيُّ ؛ وجابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ؛ ورُوِيَ مَعْناهُ عَنِ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: اَلْمُرادُ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿كَما بَدَأكم تَعُودُونَ﴾ ؛ اَلْإعْلامُ بِأنَّ أهْلَ الشَقاءِ والكُفْرِ في الدُنْيا؛ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ؛ هم أهْلُ الشَقاءِ في الآخِرَةِ؛ وأهْلُ السَعادَةِ والإيمانِ؛ الَّذِينَ كُتِبَ لَهم في الدُنْيا؛ هم أهْلُهُما في الآخِرَةِ؛ لا يَتَبَدَّلُ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي أحْكَمَها؛ ودَبَّرَها؛ وأنْفَذَها شَيْءٌ؛ فالوَقْفُ - في هَذا التَأْوِيلِ - في قَوْلِهِ: ﴿ "تَعُودُونَ"؛﴾ غَيْرُ حَسَنٍ؛ و"فَرِيقًا" - عَلى هَذا التَأْوِيلِ - نُصِبَ عَلى الحالِ؛ والثانِي عُطِفَ عَلى الأوَّلِ؛ وفي قِراءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "تَعُودُونَ فَرِيقَيْنِ فَرِيقًا هَدى وفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَلالَةُ". والضَمِيرُ في ﴿ "إنَّهُمُ"؛﴾ عائِدٌ عَلى الفَرِيقِ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَلالَةُ و"أولِياءَ"؛ مَعْناهُ: أنْصارًا؛ وأصْحابًا؛ وإخْوانًا؛ ﴿ "وَيَحْسَبُونَ"؛﴾ مَعْناهُ: يَظُنُّونَ؛ يُقالُ: "حَسِبْتُ؛ أحَسَبُ؛ حِسْبانًا؛ ومَحْسِبَةً". قالَ الطَبَرِيُّ: وهَذِهِ الآيَةُ دَلِيلٌ عَلى خَطَإ قَوْلِ مَن زَعَمَ أنَّ اللهَ تَعالى لا يُعَذِّبُ أحَدًا عَلى مَعْصِيَةٍ ارْتَكَبَها؛ أو ضَلالَةٍ اعْتَقَدَها؛ إلّا أنْ يَأْتِيَها عَلى عِلْمٍ مِنهُ بِمَوْضِعِ الصَوابِ. وقَرَأ العَبّاسُ بْنُ الفَضْلِ ؛ وسَهْلُ بْنُ شُعَيْبٍ؛ وعِيسى بْنُ عُمَرَ: "أنَّهُمُ اتَّخَذُوا"؛ بِفَتْحِ الألِفِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب