الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكم لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ولَكم في الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتاعٌ إلى حِينٍ﴾ ﴿قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وفِيها تَمُوتُونَ ومِنها تُخْرَجُونَ﴾ ﴿يا بَنِي آدَمَ قَدْ أنْزَلْنا عَلَيْكم لِباسًا يُوارِي سَوْآتِكم ورِيشًا ولِباسُ التَقْوى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِن آياتِ اللهِ لَعَلَّهم يَذَّكَّرُونَ﴾
(p-٥٣٨)اَلْمُخاطَبَةُ بِقَوْلِهِ تَعالى "اِهْبِطُوا"؛ قالَ أبُو صالِحٍ ؛ والسُدِّيُّ ؛ والطَبَرِيُّ ؛ وغَيْرُهُمْ: هي لِآدَمَ وحَوّاءَ - عَلَيْهِما السَلامُ -؛ وإبْلِيسَ؛ والحَيَّةِ؛ وقالَتْ فِرْقَةٌ: هي مُخاطَبَةٌ لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَلامُ - وذُرِّيَّتِهِ؛ وإبْلِيسَ وذُرِّيَّتِهِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا ضَعِيفٌ؛ لَعَدَمِهِمْ في ذَلِكَ الوَقْتِ؛ فَإنْ قِيلَ: خاطَبَهم وأمَرَهم بِشَرْطِ الوُجُودِ؛ فَذَلِكَ يَبْعُدُ في هَذِهِ النازِلَةِ؛ لِأنَّ الأمْرَ بِشَرْطِ الوُجُودِ إنَّما يَصِحُّ إذا تَرَتَّبَ عَلى المَأْمُورِ بَعْدَ وُجُودِهِ؛ وصَحَّ مَعْناهُ عَلَيْهِ؛ كالصَلاةِ؛ والصَوْمِ؛ ونَحْوِ ذَلِكَ؛ وأمّا هُنا؛ فَإنَّ مَعْنى الهُبُوطِ لا يُتَصَوَّرُ في بَنِي آدَمَ بَعْدَ وُجُودِهِمْ؛ ولا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مِنَ الأمْرِ بِهِ شَيْءٌ؛ وأمّا قَوْلُهُ تَعالى - في آيَةٍ أُخْرى -: "اِهْبِطا"؛ فَهي مُخاطَبَةٌ لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَلامُ -؛ وإبْلِيسَ؛ بِدَلِيلِ بَيانِهِ العَداوَةَ بَيْنَهُما.
و"عَدُوٌّ"؛ فَرْدٌ بِمَعْنى الجَمْعِ؛ تَقُولُ: "قَوْمٌ عَدُوٌّ؛ وقَوْمٌ صَدِيقٌ"؛ ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ لَعَمْرِي لَئِنْ كُنْتُمْ عَلى النَأْيِ والغِنى ∗∗∗ بِكم مِثْلُ ما بِي إنَّكم لَصَدِيقُ
وعَداوَةُ الحَياةِ مَعْرُوفَةٌ؛ ورَوى قَتادَةُ عَنِ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: « "ما سالَمْناهُنَّ مُنْذُ حارَبْناهُنَّ"؛» وقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -: "مَن تَرَكَهُنَّ فَلَيْسَ مِنّا"؛ وقالَتْ عائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عنها -: "مَن تَرَكَ حَيَّةً خَشْيَةً مِن ثَأْرِها فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ والمَلائِكَةِ والناسِ أجْمَعِينَ".
(p-٥٣٩)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وإنَّما يَعْرِضُ في أمْرِهِنَّ حَدِيثُ الفَتى؛ في غَزْوَةِ الخَنْدَقِ؛ وقَوْلُ النَبِيِّ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ -: « "إنَّ جِنًّا بِالمَدِينَةِ قَدْ أسْلَمُوا؛ فَمَن رَأى مِن هَذِهِ الحَيّاتِ شَيْئًا في بَيْتِهِ فَلْيُحَرِّجْ عَلَيْهِ ثَلاثًا؛ فَإنْ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلْيَقْتُلْهُ؛ فَإنَّما هو كافِرٌ".»
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿ "مُسْتَقَرٌّ"؛﴾ لَفْظٌ عامٌّ لِزَمَنِ الحَياةِ؛ ولِزَمَنِ الإقامَةِ في القُبُورِ؛ وبِزَمَنِ الحَياةِ فَسَّرَ أبُو العالِيَةِ ؛ وقالَ: هي كَقَوْلِهِ - تَبارَكَ وتَعالى -: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِراشًا﴾ [البقرة: ٢٢] ؛ وبِالإقامَةِ في القُبُورِ فَسَّرَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -؛ واللَفْظُ يَعُمُّهُما؛ فَهي كَقَوْلِهِ: ﴿ألَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتًا﴾ [المرسلات: ٢٥] ﴿أحْياءً وأمْواتًا﴾ [المرسلات: ٢٦] ؛ وأمّا المَتاعُ فَهو بِحَسَبِ شَخْصٍ شَخْصٍ؛ في زَمَنِ الحَياةِ؛ اللهُمَّ إلّا أنْ يُقَدِّرَ سُكْنى القَبْرِ مَتاعًا بِوَجْهٍ ما؛ والمَتاعُ: اَلتَّمَتُّعُ؛ والنَيْلُ مِنَ الفَوائِدِ؛ و﴿ "إلى حِينٍ"؛﴾ هو - بِحَسَبِ الجُمْلَةِ -: قِيامُ الساعَةِ؛ وبِحَسَبِ مُفْرَدٍ مُفْرَدٍ: بُلُوغُ الأجَلِ؛ والمَوْتِ؛ و"اَلْحِينُ"؛ في كَلامِ العَرَبِ: اَلْوَقْتُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ.
ورُوِيَ أنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَلامُ - أُهْبِطَ بِالهِنْدِ؛ وحَوّاءَ بِجِدَّةَ؛ وتَمَنّاها بِمِنًى؛ وعَرَفَ حَقِيقَةَ أمْرِها بِعَرَفَةَ؛ ولَقِيَها بِجَمْعٍ؛ وأُهْبِطَ إبْلِيسُ بِمَيْسانَ؛ وقِيلَ: بِالبَصْرَةِ؛ (p-٥٤٠)وَقِيلَ: بِمِصْرَ؛ فَباضَ فِيها؛ وفَرَّخَ؛ قالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -: وبَسَطَ إبْلِيسُ فِيها عَبْقَرِيَّهُ؛ وذَكَرَ صالِحٌ؛ مَوْلى التَوْأمَةِ؛ قالَ: في بَعْضِ الكُتُبِ: لَمّا أُهْبِطَ إبْلِيسُ قالَ: رَبِّ أيْنَ مَسْكَنِي؟ قالَ: (مَسْكَنُكَ الحَمّامُ؛ ومَجْلِسُكَ الأسْواقُ؛ ولَهْوُكَ المَزامِيرُ؛ وطَعامُكَ ما لَمْ يُذْكَرْ عَلَيْهِ اسْمِي؛ وشَرابُكَ المُسْكِرُ؛ ورُسُلُكَ الشَهَواتُ؛ وحَبائِلُكَ النِساءُ)؛ وأُهْبِطَتِ الحَيَّةُ بِأصْبَهانَ؛ ورُوِيَ أنَّها كانَتْ ذاتَ قَوائِمَ؛ كالبَعِيرِ؛ فَعُوقِبَتْ بِأنْ رُدَّتْ تَنْسابُ عَلى بَطْنِها.
ورُوِيَ أنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَلامُ - لَمّا أُهْبِطَ إلى شَقاءِ الدُنْيا؛ عُلِّمَ صَنْعَةَ الحَدِيدِ؛ ثُمَّ عُلِّمَ الحَرْثَ؛ فَحَرَثَ؛ وسَقى؛ وحَصَدَ؛ وذَرا؛ وطَحَنَ؛ وعَجَنَ؛ وخَبَزَ؛ وطَبَخَ؛ وأكَلَ؛ فَلَمْ يَبْلُغْ إلى ذَلِكَ حَتّى بَلَغَ مِنَ الجَهْدِ ما شاءَ اللهُ تَعالى ؛ ورُوِيَ أنَّ حَوّاءَ قِيلَ لَها: يا حَوّاءُ؛ كَما دَمِيَتِ الشَجَرَةُ فَأنْتِ تَدْمِينَ في كُلِّ شَهْرٍ؛ وأنْتِ لا تَحْمِلِينَ إلّا كُرْهًا؛ ولا تَضَعِينَ إلّا كُرْهًا؛ قالَ: فَرَنَّتْ عِنْدَ ذَلِكَ؛ فَقِيلَ لَها: اَلرَّنَّةُ عَلَيْكِ وعَلى ولَدِكِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وفي هَذِهِ القِصَّةِ مِنَ الأنْباءِ كَثِيرٌ؛ اخْتَصَرْتُها؛ إذْ لا يَقْتَضِيها اللَفْظُ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿قالَ فِيها تَحْيَوْنَ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ حُكْمٌ مِنَ اللهِ - عَزَّ وجَلَّ - أمْضاهُ؛ وجَعَلَهُ حَتْمًا في رِقابِ العِبادِ؛ يَحْيَوْنَ في الأرْضِ؛ ويَمُوتُونَ فِيها؛ ويُبْعَثُونَ مِنها إلى الحَشْرِ أحْياءً؛ كَما أنْشَأ تَعالى أوَّلَ خَلْقٍ يُعِيدُهُ.
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ؛ ونافِعٌ ؛ وعاصِمٌ ؛ وأبُو عَمْرٍو: "تُخْرَجُونَ"؛ بِضَمِّ التاءِ؛ وفَتْحِ الراءِ؛ هُنا؛ وفي "اَلرُّومِ"؛ وكَذَلِكَ حَيْثُ تَكَرَّرَ؛ إلّا في "اَلرُّومِ": ﴿إذا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ [الروم: ٢٥] ؛ وفي (p-٥٤١)"سَألَ سائِلٌ": ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ﴾ [المعارج: ٤٣] ؛ فَإنَّ هَذَيْنِ بِفَتْحِ التاءِ؛ والياءِ؛ وضَمِّ الراءِ؛ ولَمْ يَخْتَلِفِ الناسُ فِيهِما؛ وقَرَأ حَمْزَةُ ؛ والكِسائِيُّ ؛ في "اَلْأعْرافِ": "وَمِنها تَخْرُجُونَ"؛ بِفَتْحِ التاءِ؛ وضَمِّ الراءِ؛ وفَتَحَ ابْنُ عامِرٍ التاءَ في "اَلْأعْرافِ"؛ وضَمَّها في الباقِي.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿يا بَنِي آدَمَ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ هَذا خِطابٌ لِجَمِيعِ الأُمَمِ وقْتَ النَبِيِّ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ -؛ والسَبَبُ والمُرادُ: قُرَيْشٌ؛ ومَن كانَ مِنَ العَرَبِ يَتَعَرّى في طَوافِهِ بِالبَيْتِ؛ ذَكَرَ النَقّاشُ ثَقِيفًا؛ وخُزاعَةَ؛ وبَنِي عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ ؛ وبَنِي مُدْلِجٍ؛ وعامِرًا؛ والحارِثَ ابْنَيْ عَبْدِ مَنافٍ؛ فَإنَّها كانَتْ عادَتَهُمْ؛ رِجالًا ونِساءً؛ وذَلِكَ غايَةٌ العارِ والعِصْيانِ؛ قالَ مُجاهِدٌ: فَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الأرْبَعُ الآياتُ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿ "أنْزَلْنا"؛﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ التَدَرُّجَ؛ أيْ: لَمّا أنْزَلْنا المَطَرَ؛ فَكانَ عنهُ جَمِيعُ ما يُلْبَسُ؛ قالَ عَنِ اللِباسِ: "أنْزَلْنا"؛ وهَذا نَحْوُ قَوْلِ الشاعِرِ - يَصِفُ مَطَرًا -:
؎ أقْبَلَ في المُسْتَنِّ مِن سَحابِهِ ∗∗∗ ∗∗∗ أسْنِمَةُ الآبالِ في رَبابِهِ
أيْ: بِالمالِ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ: "خَلَقْنا"؛ فَجاءَتِ العِبارَةُ بِـ "أنْزَلْنا"؛ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وَأنْزَلْنا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ﴾ [الحديد: ٢٥] ؛ وقَوْلِهِ تَعالى ﴿وَأنْزَلَ لَكم مِنَ الأنْعامِ ثَمانِيَةَ أزْواجٍ﴾ [الزمر: ٦] ؛ وأيْضًا فَخَلْقُ اللهِ - عَزَّ وجَلَّ - وأفْعالُهُ تَعالى إنَّما هي مِن عُلُوٍّ في القَدْرِ؛ والمَنزِلَةِ؛ و"لِباسًا"؛ عامٌّ في جَمِيعِ ما يُلْبَسُ؛ و"يُوارِي"؛ يَسْتُرُ؛ وفي حَرْفِ أُبَيٍّ: "سَوْءاتِكم وزِينَةً ولُبْسُ التَقْوى"؛ وفي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "وَلِباسُ التَقْوى خَيْرٌ ذَلِكُمْ"؛ ويُرْوى عنهُ: "ذَلِكَ"؛ وسَقَطَتْ "ذَلِكَ"؛ اَلْأُولى؛ وقَرَأ سَكَنٌ النَحْوِيُّ: "وَلَبُوسُ التَقْوى"؛ بِالواوِ؛ (p-٥٤٢)مَرْفُوعَةَ السِينِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ مِنَ الناسِ: "وَرِيشًا"؛ وقَرَأ الحَسَنُ؛ وزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ ؛ وعاصِمٌ ؛ فِيما رَوى عنهُ أبُو عَمْرٍو أيْضًا؛ وابْنُ عَبّاسٍ ؛ وأبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ ؛ ومُجاهِدٌ ؛ وأبُو رَجاءٍ ؛ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ ؛ وعَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ ؛ وقَتادَةُ: "وَرِياشًا"؛ قالَ أبُو الفَتْحِ: وهي قِراءَةُ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ قالَ أبُو حاتِمٍ: رَواها عنهُ عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ - رَضِيَ اللهُ عنهُ -؛ وهُما عِبارَتانِ عن سَعَةِ الرِزْقِ؛ ورَفاهِيَةِ العَيْشِ؛ ووُجُودِ المَلْبَسِ؛ والتَمَتُّعِ؛ وفَسَّرَهُ قَوْمٌ بِالأثاثِ؛ وفَسَّرَهُ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما - بِالمالِ؛ وكَذَلِكَ قالَ السُدِّيُّ والضَحّاكُ ؛ وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: "اَلرِّيشُ": اَلْجَمالُ؛ وقِيلَ: "اَلرِّياشُ": جَمْعُ "رِيشٌ"؛ كَـ "بِيرٌ"؛ و"بِيارٌ"؛ و"ذِيبٌ"؛ و"ذِيابٌ"؛ و"لِصْبٌ"؛ و"لِصابٌ"؛ و"شِعْبٌ"؛ و"شِعابٌ"؛ وقِيلَ: "اَلرِّياشُ": مَصْدَرٌ مِن "أراشَهُ اللهُ تَعالى ؛ يَرِيشُهُ"؛ إذا أنْعَمَ عَلَيْهِ؛ والرِيشُ مَصْدَرٌ أيْضًا مِن ذَلِكَ؛ وفي الحَدِيثِ: « "رَجُلٌ راشَهُ اللهُ مالًا".»
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ويُشْبِهُ أنَّ هَذا كُلَّهُ مِن مَعْنى رِيشِ الطائِرِ؛ ورِيشِ السَهْمِ؛ إذْ هو لِباسُهُ؛ وسُتْرَتُهُ؛ وعَوْنُهُ عَلى النُفُوذِ؛ و"راشَ اللهُ تَعالى "؛ مَأْخُوذٌ مِن ذَلِكَ؛ ألا تَرى أنَّها تُقْرَنُ بِـ "بَرى"؟ ومِن ذَلِكَ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ فَرِشْنِي بِخَيْرٍ طالَما قَدْ بَرَيْتَنِي ∗∗∗ ∗∗∗ وخَيْرُ المَوالِي مَن يَرِيشُ ولا يَبْرِي
(p-٥٤٣)وَقَرَأ نافِعٌ ؛ وابْنُ عامِرٍ ؛ والكِسائِيُّ: "وَلِباسَ"؛ بِالنَصْبِ؛ عَطْفًا عَلى ما تَقَدَّمَ؛ وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ؛ وأبُو عَمْرٍو ؛ وعاصِمٌ ؛ وحَمْزَةُ: "وَلِباسُ"؛ بِالرَفْعِ؛ فَقِيلَ: هو خَبَرُ ابْتِداءٍ مُضْمَرٍ؛ تَقْدِيرُهُ: "وَهُوَ لِباسُ"؛ وقِيلَ: هو مُبْتَدَأٌ؛ و"ذَلِكَ"؛ مُبْتَدَأٌ آخَرُ؛ و"خَيْرٌ"؛ خَبَرُ "ذَلِكَ"؛ والجُمْلَةُ خَبَرُ الأوَّلِ؛ وقِيلَ: هو مُبْتَدَأٌ؛ و"خَيْرٌ"؛ خَبَرُهُ؛ و"ذَلِكَ"؛ بَدَلٌ؛ أو عَطْفُ بَيانٍ؛ أو صِفَةٌ؛ وهَذا أنْبَلُ الأقْوالِ؛ ذَكَرَهُ أبُو عَلِيٍّ في "اَلْحُجَّةُ".
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿ذَلِكَ مِن آياتِ اللهِ﴾ ؛ إشارَةٌ إلى جَمِيعِ ما أنْزَلَ؛ مِنَ اللِباسِ؛ والرِيشِ؛ وحَكى النَقّاشُ أنَّ الإشارَةَ إلى ﴿وَلِباسُ التَقْوى﴾ ؛ أيْ: هو في العَبْدِ آيَةٌ؛ أيْ: عَلامَةٌ؛ وأمارَةٌ مِنَ اللهِ تَعالى أنَّهُ قَدْ رَضِيَ عنهُ؛ ورَحِمَهُ؛ و"لَعَلَّهُمْ"؛ تَرَجٍّ؛ بِحَسَبِهِمْ؛ ومَبْلَغِهِمْ مِنَ المَعْرِفَةِ؛ وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ﴿ "وَلِباسُ التَقْوى":﴾ اَلْإيمانُ؛ وقالَ مَعْبَدٌ الجُهَنِيُّ: هو الحَياءُ؛ وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -: هو العَمَلُ الصالِحُ؛ وقالَ أيْضًا: هو السَمْتُ الحَسَنُ في الوَجْهِ؛ وقالَهُ عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ - رَضِيَ اللهُ عنهُ -؛ عَلى المِنبَرِ؛ وقالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُبَيْرِ: هو خَشْيَةُ اللهِ تَعالى ؛ وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: هو سَتْرُ العَوْرَةِ؛ والسَمْتُ الحَسَنُ في الدُنْيا؛ وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -: ﴿ "وَلِباسُ التَقْوى":﴾ اَلْعِفَّةُ؛ وقالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: ﴿ "وَلِباسُ التَقْوى":﴾ اَلسِّلاحُ؛ وآلَةُ الجِهادِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذِهِ كُلُّها مُثُلٌ؛ وهي مِن لِباسِ التَقْوى.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وتُتَصَوَّرُ الصِفَةُ الَّتِي حَكاها أبُو عَلِيٍّ في قَوْلِهِ ذَلِكَ؛ لِأنَّ الأسْماءَ تُوصَفُ بِمَعْنى الإشارَةِ؛ كَما تَقُولُ: "جاءَنِي زَيْدٌ هَذا"؛ كَأنَّكَ قُلْتَ: "جاءَنِي زَيْدٌ المُشارُ إلَيْهِ"؛ فَعَلى هَذا الحَدِّ تُوصَفُ الأسْماءُ بِالمُبْهَماتِ؛ وأمّا قَوْلُهُ فِيهِ: عَطْفُ بَيانٍ؛ وبَدَلٌ؛ فَهُما واحِدٌ في اللَفْظِ؛ إنَّما الفارِقُ بَيْنَهُما في المَعْنى والمَقْصِدِ؛ وذَلِكَ أنَّكَ تُرِيدُ في البَدَلِ كَأنَّكَ أزَلْتَ الأوَّلَ؛ وأعْمَلْتَ العامِلَ في الثانِي؛ عَلى نِيَّةِ تَكْرارِ العامِلِ؛ وتُرِيدُ في عَطْفِ البَيانِ كَأنَّكَ أبْقَيْتَ الأوَّلَ؛ ثُمَّ ثَنَّيْتَهُ بِعَيْنِهِ في ذِكْرِ الثانِي؛ وإنَّما يَبِينُ الفارِقُ بَيْنَ البَدَلِ؛ وعَطْفِ البَيانِ؛ في (p-٥٤٤)مَسْألَةِ النِداءِ؛ إذا قُلْتَ: "يا عَبْدَ اللهِ زِيدُ"؛ فالبَدَلُ في هَذِهِ المَسْألَةِ هو عَلى هَذا الحَدِّ؛ بِرَفْعِ "زِيدُ"؛ لِأنَّكَ تُقَدِّرُ إزالَةَ " عَبْدَ اللهِ "؛ وإضافَةَ "يا"؛ إلى "زَيْدُ"؛ ولَوْ عَطَفْتَ عَطْفَ البَيانِ لَقُلْتَ: "يا عَبْدَ اللهِ زِيدًا"؛ لِأنَّكَ أرَدْتَ بَيانَهُ؛ ولَمْ تُقَدِّرْ إزالَةَ الأوَّلِ؛ ويُنْشَدُ هَذا البَيْتُ:
؎ إنِّي وأسْطارٍ سُطِرْنَ سَطْرا ∗∗∗ ∗∗∗ لَقائِلٌ: يا نَصْرُ نَصْرًا نَصْرا
و"نَصْرٌ"؛ اَلْأوَّلُ عَلى عَطْفِ البَيانِ؛ والثانِي عَلى البَدَلِ.
{"ayahs_start":24,"ayahs":["قَالَ ٱهۡبِطُوا۟ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوࣱّۖ وَلَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرࣱّ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِینࣲ","قَالَ فِیهَا تَحۡیَوۡنَ وَفِیهَا تَمُوتُونَ وَمِنۡهَا تُخۡرَجُونَ","یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكُمۡ لِبَاسࣰا یُوَ ٰرِی سَوۡءَ ٰ تِكُمۡ وَرِیشࣰاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَ ٰلِكَ خَیۡرࣱۚ ذَ ٰلِكَ مِنۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ یَذَّكَّرُونَ"],"ayah":"یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكُمۡ لِبَاسࣰا یُوَ ٰرِی سَوۡءَ ٰ تِكُمۡ وَرِیشࣰاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَ ٰلِكَ خَیۡرࣱۚ ذَ ٰلِكَ مِنۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ یَذَّكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق