الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَإذا قُرِئَ القُرْآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ ﴿واذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وخِيفَةً ودُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ والآصالِ ولا تَكُنْ مِنَ الغافِلِينَ﴾ ﴿إنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عن عِبادَتِهِ ويُسَبِّحُونَهُ ولَهُ يَسْجُدُونَ﴾
ذَكَرَ الطَبَرِيُّ وغَيْرُهُ أنَّ سَبَبَ هَذِهِ الآيَةِ هو أنَّ أصْحابَ رَسُولِ اللهِ ﷺ كانُوا بِمَكَّةَ يَتَكَلَّمُونَ في المَكْتُوبَةِ بِحَوائِجِهِمْ، ويَصِيحُونَ عِنْدَ آياتِ الرَحْمَةِ والعَذابِ، ويَقُولُ أحَدُهم إذا أتاهُمْ: صَلَّيْتُمْ؟ وكَمْ بَقِيَ؟ فَيُخْبِرُونَهُ، ونَحْوُ هَذا، فَنَزَلَتِ الآيَةُ أمْرًا لَهم بِالِاسْتِماعِ والإنْصاتِ في الصَلاةِ وأمّا قَوْلُ مَن قالَ: "إنَّها في الخُطْبَةِ" فَضَعِيفٌ، لِأنَّ الآيَةَ مَكِّيَّةٌ والخُطْبَةُ لَمْ تَكُنْ إلّا بَعْدَ هِجْرَةِ النَبِيِّ ﷺ مِن مَكَّةَ، وكَذَلِكَ ما ذَكَرَ الزَهْراوِيُّ مِن (p-١٢٤)أنَّها نَزَلَتْ بِسَبَبِ فَتًى مِنَ الأنْصارِ كانَ يَقْرَأُ في الصَلاةِ والنَبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ، فَأمّا الِاسْتِماعُ والإنْصاتُ عَنِ الكَلامِ في الصَلاةِ فَإجْماعٌ، وأمّا الإمْساكُ والإنْصاتُ عَنِ القِراءَةِ فَقالَتْ فِرْقَةٌ: يُمْسِكُ المَأْمُومُ عَنِ القِراءَةِ جُمْلَةً قَرَأ الإمامُ جَهْرًا أو سِرًّا، وقالَتْ فِرْقَةٌ: يَقْرَأُ المَأْمُومُ إذا أسَرَّ الإمامُ ويُمْسِكُ إذا جَهَرَ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: يُمْسِكُ المَأْمُومُ في جَهْرِ الإمامِ عن قِراءَةِ السُورَةِ ويَقْرَأُ فاتِحَةَ الكِتابِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ومَعَ هَذا القَوْلِ أحادِيثُ صِحاحٌ عَنِ النَبِيِّ ﷺ فَهَذِهِ الآيَةُ واجِبَةُ الحُكْمِ في الصَلاةِ أنْ يُنْصِتَ عَنِ الحَدِيثِ وما عَدا القِراءَةَ. وواجِبَةُ الحُكْمِ أيْضًا في الخُطْبَةِ مِنَ السُنَّةِ لا مِن هَذِهِ الآيَةِ، ويَجِبُ مِنَ الآيَةِ الإنْصاتُ إذا قَرَأ الخَطِيبُ القُرْآنَ أثْناءَ الخُطْبَةِ، وحُكْمُ هَذِهِ الآيَةِ في غَيْرِ الصَلاةِ عَلى النَدْبِ، أعْنِي في نَفْسِ الإنْصاتِ والِاسْتِماعِ إذا سَمِعَ الإنْسانُ قِراءَةَ كِتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وأمّا ما تَتَضَمَّنُهُ الألْفاظُ وتُعْطِيهِ مِن تَوْقِيرِ القُرْآنِ وتَعْظِيمِهِ فَواجِبٌ في كُلِّ حالَةٍ، والإنْصاتُ: السُكُوتُ، و"لَعَلَّكُمْ" عَلى تَرَجِّي البَشَرِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ولَمْ نَسْتَوْعِبِ اخْتِلافَ العُلَماءِ في القِراءَةِ خَلْفَ الإمامِ إذْ ألْفاظُ الآيَةِ لا تَعْرِضُ لِذَلِكَ، لَكِنْ لَمّا عَنَّ ذَلِكَ في ذِكْرِ السَبَبِ ذَكَرْنا مِنهُ نُبْذَةً.
وذَكَرَ الطَبَرِيُّ عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أنَّهُ قالَ في قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَإذا قُرِئَ القُرْآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا﴾ قالَ: الإنْصاتُ يَوْمَ الأضْحى ويَوْمَ الفِطْرِ ويَوْمَ الجُمْعَةِ وفِيما يَجْهَرُ بِهِ الإمامُ مِنَ الصَلاةِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا قَوْلٌ جَمَعَ فِيهِ ما أوجَبَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ وغَيْرُها مِنَ السُنَّةِ في الإنْصاتِ، قالَ الزَجّاجُ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ﴿فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا﴾: اعْمَلُوا بِما فِيهِ ولا تُجاوِزُوهُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ﴾ الآيَةُ. مُخاطَبَةٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ تَعُمُّ جَمِيعَ أُمَّتِهِ، وهو أمْرٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ بِذِكْرِهِ بِتَسْبِيحِهِ وذِكْرِهِ وتَقْدِيسِهِ والثَناءِ عَلَيْهِ بِمَحامِدِهِ، والجُمْهُورُ عَلى أنَّ الذِكْرَ لا يَكُونُ في النَفْسِ ولا يُراعى إلّا بِحَرَكَةِ اللِسانِ، ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ مِن هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ: ﴿وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ﴾ فَهَذِهِ مَرْتَبَةُ السِرِّ والمُخافَتَةِ بِاللَفْظِ. (p-١٢٥)وَ"تَضَرُّعًا" مَعْناهُ: تَذَلُّلًا وخُضُوعًا، و"خِيفَةً" أصْلُها: خِوْفَةً، بُدِّلَتِ الواوُ ياءً لِأجْلِ الكَسْرَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْها، وقَوْلُهُ: ﴿بِالغُدُوِّ والآصالِ﴾ مَعْناهُ: دَأبًا وفي كُلِّ يَوْمٍ وفي أطْرافِ النَهارِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: هَذِهِ الآيَةُ كانَتْ في صَلاةِ المُسْلِمِينَ قَبْلَ فَرْضِ الصَلَواتِ الخَمْسِ، وقالَ قَتادَةُ: "الغُدُوُّ: صَلاةُ الصُبْحِ، والآصالُ: صَلاةُ العَصْرِ"، والآصالُ: جَمْعُ أُصُلٍ، والأُصُلُ: جَمْعُ أصِيلٍ وهو العَشِيُّ. وقِيلَ: الآصالُ: جَمْعُ أصِيلٍ دُونَ تَوَسُّطٍ كَإيمانٍ جَمْعِ يَمِينٍ، وآصالٌ أيْضًا جَمْعُ أصايِلَ فَهو جَمْعُ الجَمْعِ، وقَرَأ أبُو مِجْلَزٍ: "والإيصالِ" مَصْدَرٌ كالإصْباحِ والإمْساءِ، ومَعْناهُ: إذا دَخَلْتَ في الأصِيلِ، وفي الطَبَرِيُّ: قالَ أبُو وائِلٍ لِغُلامِهِ: هَلْ آصَلْنا بَعْدُ؟ ﴿وَلا تَكُنْ مِنَ الغافِلِينَ﴾ تَنْبِيهٌ.
ولَمّا قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَلا تَكُنْ مِنَ الغافِلِينَ﴾ جَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِثالًا مِنِ اجْتِهادِ المَلائِكَةِ لِيَبْعَثَ عَلى الجِدِّ في طاعَةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وقَوْلُهُ: "الَّذِينَ" يُرِيدُ المَلائِكَةَ، وقَوْلُهُ: "عِنْدَ" إنَّما يُرِيدُ في المَنزِلَةِ والتَشْرِيفِ والقُرْبِ في المَكانَةِ لا في المَكانِ، فَهم بِذَلِكَ عِنْدَهُ، ثُمَّ وصَفَ تَعالى حالَهم مِن تَواضُعِهِمْ وإدْمانِهِمْ لِلْعِبادَةِ والتَسْبِيحِ والسُجُودِ. وفي الحَدِيثِ: "أطَّتِ السَماءُ وحَقَّ لَها أنْ تَئِطَّ، ما فِيها مَوْضِعُ شِبْرٍ إلّا وفِيهِ مَلَكٌ قائِمٌ أو راكِعٌ أو ساجِدٌ"، وهَذا مَوْضِعُ سَجْدَةٍ، قالَ النَخْعِيُّ في كِتابِ النَقّاشِ: إنْ شِئْتَ رَكَعْتَ وإنْ شِئْتَ سَجَدْتَ.
كَمُلَتْ سُورَةُ الأعْرافِ بِتَوْفِيقٍ مِنَ اللهِ والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ
{"ayahs_start":204,"ayahs":["وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُوا۟ لَهُۥ وَأَنصِتُوا۟ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ","وَٱذۡكُر رَّبَّكَ فِی نَفۡسِكَ تَضَرُّعࣰا وَخِیفَةࣰ وَدُونَ ٱلۡجَهۡرِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡغَـٰفِلِینَ","إِنَّ ٱلَّذِینَ عِندَ رَبِّكَ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَیُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ یَسۡجُدُونَ ۩"],"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ عِندَ رَبِّكَ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَیُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ یَسۡجُدُونَ ۩"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق