الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿فَوَسْوَسَ لَهُما الشَيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عنهُما مِن سَوْآتِهِما وقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عن هَذِهِ الشَجَرَةِ إلا أنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أو تَكُونا مِن الخالِدِينَ﴾ ﴿وَقاسَمَهُما إنِّي لَكُما لَمِنَ الناصِحِينَ﴾
"اَلْوَسْوَسَةُ": اَلْحَدِيثُ في اخْتِفاءٍ؛ هَمْسًا؛ وسِرارًا مِنَ الصَوْتِ؛ و"اَلْوَسْواسُ": صَوْتُ الحُلِيِّ؛ فَشُبِّهَ الهَمْسُ بِهِ؛ وسُمِّيَ إلْقاءُ الشَيْطانِ في نَفْسِ ابْنِ آدَمَ "وَسْوَسَةً"؛ إذْ هي أبْلَغُ السِرارِ؛ وأخْفاهُ؛ هَذا حالُ الشَيْطانِ مَعَنا الآنَ؛ وأمّا مَعَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَلامُ - فَمُمْكِنٌ أنْ تَكُونَ وسْوَسَةً بِمُجاوَرَةٍ؛ خُفْيَةً؛ أو بِإلْقاءٍ في نَفْسٍ؛ ومِن ذَلِكَ قَوْلُ رُؤْبَةَ:
؎ وسْوَسَ يَدْعُو جاهِدًا رَبَّ الفَلَقْ ∗∗∗.................
(p-٥٣٢)فَهَذِهِ عِبارَةٌ عن كَلامٍ خَفِيٍّ؛ و"اَلشَّيْطانُ"؛ يُرادُ بِهِ إبْلِيسُ نَفْسُهُ؛ واخْتَلَفَ نَقَلَةُ القَصَصِ في صُورَةِ وسْوَسَتِهِ؛ فَرُوِيَ أنَّهُ كانَ يَدْخُلُ إلى الجَنَّةِ في فَمِ الحَيَّةِ؛ مُسْتَخْفِيًا - بِزَعْمِهِ - فَيَتَمَكَّنُ مِنَ الوَسْوَسَةِ؛ ورُوِيَ أنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَلامُ - وحَوّاءَ؛ كانا يَخْرُجانِ خارِجَ الجَنَّةِ؛ فَيَتَمَكَّنُ إبْلِيسُ مِنهُما؛ ورُوِيَ أنَّ اللهَ تَعالى أقْدَرَهُ عَلى الإلْقاءِ في أنْفُسِهِما؛ فَأغْواهُما؛ وهو في الأرْضِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا قَوْلٌ ضَعِيفٌ؛ يَرُدُّهُ لَفْظُ القُرْآنِ.
واللامُ في قَوْلِهِ تَعالى "لِيُبْدِيَ"؛ هي - عَلى قَوْلِ كَثِيرٍ مِنَ المُؤَلِّفِينَ - لامُ الصَيْرُورَةِ والعاقِبَةِ؛ وهَذا بِحَسَبِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَلامُ - وحَوّاءَ؛ وبِحَسَبِ إبْلِيسَ؛ في هَذِهِ العُقُوبَةِ المَخْصُوصَةِ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ بِها فَيَقْصِدَها.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ويُمْكِنُ أنْ تَكُونَ لامَ "كَيْ"؛ عَلى بابِها؛ بِحَسَبِ قَصْدِ إبْلِيسَ إلى حَطِّ مَرْتَبَتِهِما؛ وإلْقائِهِما في العُقُوبَةِ غَيْرِ المَخْصُوصَةِ؛ و"ما وُورِيَ"؛ مَعْناهُ: "ما سُتِرَ"؛ مِن قَوْلِكَ: "وارى؛ يُوارِي"؛ إذا سَتَرَ؛ وظاهِرُ هَذا اللَفْظِ أنَّها "مُفاعَلَةٌ"؛ مِن واحِدٍ؛ ويُمْكِنُ أنْ تُقَدَّرَ مِنَ اثْنَيْنِ؛ لِأنَّ الشَيْءَ الَّذِي يُوارى [يُوارِي] هو أيْضًا مِن جِهَةٍ.
وقَرَأ ابْنُ وثّابٍ: "ما وُرِيَ"؛ بِواوٍ واحِدَةٍ؛ وقالَ قَوْمٌ: إنَّ هَذِهِ اللَفْظَةَ في هَذِهِ الآيَةِ مَأْخُوذَةٌ مِن "وَراءَ".
(p-٥٣٣)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهو قَوْلٌ يُوهِنُهُ التَصْرِيفُ.
و"اَلسَّوْأةُ": اَلْفَرْجُ؛ والدُبُرُ؛ ويُشْبِهُ أنْ يُسَمّى بِذَلِكَ لِأنَّ مَنظَرَهُ يَسُوءُ؛ وقَرَأ مُجاهِدٌ ؛ والحَسَنُ: "مِن سَوَّتِهِما"؛ بِالإفْرادِ؛ وتَسْهِيلِ الهَمْزَةِ؛ وشَدِّ الواوِ؛ وقَرَأ أبُو جَعْفَرِ بْنُ القَعْقاعِ؛ وشَيْبَةُ بْنُ نَصّاحٍ؛ والحَسَنُ ؛ والزُهْرِيُّ: "مِن سَوّاتِهِما"؛ بِتَسْهِيلِ الهَمْزَةِ؛ وتَشْدِيدِ الواوِ؛ وحَكاها سِيبَوَيْهِ لُغَةً؛ قالَ أبُو الفَتْحِ: ووَجْهُها حَذْفُ الهَمْزَةِ؛ وإلْقاءُ حَرَكَتِها عَلى الواوِ فَيَقُولُونَ: "سَوَةٌ"؛ ومِنهم مَن يُشَدِّدُ الواوَ؛ وقالَتْ طائِفَةٌ: إنَّ هَذِهِ العِبارَةَ إنَّما قُصِدَ بِها أنَّهُما كُشِفَتْ لَهُما مَعانِيهِما؛ وما يَسُوؤُهُما؛ ولَمْ يُقْصَدْ بِها العَوْرَةُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا قَوْلٌ كانَ اللَفْظُ يَحْتَمِلُهُ؛ إلّا أنَّ ذِكْرَ خَصْفِ الوَرَقِ يَرُدُّهُ؛ إلّا أنْ يُقَدَّرَ الضَمِيرُ في "عَلَيْهِما"؛ عائِدًا عَلى بَدَنَيْهِما؛ إذْ تَمَزَّقَتْ عنهُما ثِيابُ الجَنَّةِ؛ فَيَصِحَّ القَوْلُ المَذْكُورُ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَقالَ ما نَهاكُما﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ هَذا القَوْلُ الَّذِي حُكِيَ عن إبْلِيسَ يَدْخُلُهُ مِن هَذا التَأْوِيلِ ما دَخَلَ الوَسْوَسَةَ؛ فَمُمْكِنٌ أنْ يَقُولَ هَذا مُخاطَبَةً وحِوارًا؛ ومُمْكِنٌ أنْ يَقُولَها إلْقاءً في النَفْسِ؛ ووَحْيًا.
و"إلّا أنْ"؛ تَقْدِيرُهُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ ؛ والبَصْرِيِّينَ: إلّا كَراهِيَةَ أنْ؛ وتَقْدِيرُهُ عِنْدَ الكُوفِيِّينَ: إلّا ألّا؛ عَلى إضْمارِ "لا".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ويُرَجِّحُ قَوْلَ البَصْرِيِّينَ أنَّ إضْمارَ الأسْماءِ أحْسَنُ مِن إضْمارِ الحُرُوفِ.
وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "مَلَكَيْنِ"؛ بِفَتْحِ اللامِ؛ وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ ؛ ويَحْيى بْنُ كَثِيرٍ؛ والضَحّاكُ: "مَلِكَيْنِ"؛ بِكَسْرِ اللامِ؛ ويُؤَيِّدُ هَذِهِ القِراءَةَ قَوْلُهُ تَعالى في آيَةٍ أُخْرى: ﴿وَمُلْكٍ لا يَبْلى﴾ [طه: ١٢٠].
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقالَ بَعْضُ الناسِ: يَخْرُجُ مِن هَذِهِ الألْفاظِ أنَّ المَلائِكَةَ أفْضَلُ مِنَ البَشَرِ؛ وهي مَسْألَةٌ اخْتَلَفَ الناسُ فِيها؛ وتَمَسَّكَ كُلُّ فَرِيقٍ بِظَواهِرَ مِنَ الشَرِيعَةِ؛ والفَضْلُ بِيَدِ اللهِ تَعالى ؛ (p-٥٣٤)وَقالَ ابْنُ فُورَكٍ: لا حُجَّةَ في هَذِهِ الآيَةِ؛ لِأنَّهُ يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ "مَلَكَيْنِ"؛ في ألّا تَكُونَ لَهُما شَهْوَةٌ في طَعامٍ.
﴿ "وَقاسَمَهُما"؛﴾ أيْ: حَلَفَ لَهُما بِاللهِ تَعالى ؛ وهي "مُفاعَلَةٌ"؛ إذْ قَبُولُ المَحْلُوفِ لَهُ وإقْبالُهُ عَلى مَعْنى اليَمِينِ؛ كالقَسَمِ؛ وتَقْرِيرِهِ؛ وإنْ كانَ بادِيَ الرَأْيِ يُعْطِي أنَّها مِن واحِدٍ؛ ومِثْلُهُ قَوْلُ الهُزَلِيِّ:
؎ وقاسَمَهُما بِاللهِ جَهْدًا لَأنْتُمُ ∗∗∗ ∗∗∗ ألَذُّ مِنَ السَلْوى إذا ما تَشُورُها
ورُوِيَ في القَصَصِ أنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَلامُ - قالَ - في جُمْلَةِ اعْتِذارِهِ -: "ما ظَنَنْتُ يا رَبِّ أنَّ أحَدًا يَحْلِفُ حانِثًا"؛ فَقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: خَدَعَ الشَيْطانُ آدَمَ - عَلَيْهِ السَلامُ - بِاللهِ - عَزَّ وجَلَّ - فانْخَدَعَ؛ ونَحْنُ مَن خَدَعَنا بِاللهِ - عَزَّ وجَلَّ - انْخَدَعْنا لَهُ؛ ورُوِيَ نَحْوُهُ عن قَتادَةَ.
واللامُ في قَوْلِهِ تَعالى "لَكُما"؛ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ "اَلنّاصِحِينَ"؛ فَقالَ بَعْضُ الناسِ - مَكِّيٌّ ؛ وغَيْرُهُ -: ذَلِكَ عَلى أنْ تَكُونَ الألِفُ واللامُ لِتَعْرِيفِ الجِنْسِ؛ لا بِمَعْنى "اَلَّذِي"؛ لِأنَّها إذا كانَتْ بِمَعْنى "اَلَّذِي"؛ كانَ قَوْلُهُ - تَبارَكَ وتَعالى -: "لَكُما"؛ داخِلًا في الصِلَةِ؛ فَلا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ؛ وأظُنُّ أنَّ أبا عَلِيٍّ الفارِسِيَّ خَرَّجَ جَوازَ تَقْدِيمِهِ؛ وهي بِمَعْنى "اَلَّذِي"؛ والظاهِرُ أنَّهُ إنْ جُعِلَتْ بِمَعْنى "اَلَّذِي"؛ كانَتِ اللامُ في قَوْلِهِ "لَكُما"؛ مُتَعَلِّقَةً بِمَحْذُوفٍ؛ تَقْدِيرُهُ: "إنِّي ناصِحٌ لَكُما مِنَ الناصِحِينَ"؛ وقالَ أبُو العالِيَةِ - في بَعْضِ القِراءَةِ -: "وَقاسَمَهُما بِاللهِ".
{"ayahs_start":20,"ayahs":["فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّیۡطَـٰنُ لِیُبۡدِیَ لَهُمَا مَا وُۥرِیَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَ ٰ تِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّاۤ أَن تَكُونَا مَلَكَیۡنِ أَوۡ تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَـٰلِدِینَ","وَقَاسَمَهُمَاۤ إِنِّی لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِینَ"],"ayah":"فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّیۡطَـٰنُ لِیُبۡدِیَ لَهُمَا مَا وُۥرِیَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَ ٰ تِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّاۤ أَن تَكُونَا مَلَكَیۡنِ أَوۡ تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَـٰلِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق