الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ورِثُوا الكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذا الأدْنى ويَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وإنْ يَأْتِهِمْ عَرَضَ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ألَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الكِتابَ أنْ لا يَقُولُوا عَلى اللهِ إلا الحَقَّ ودَرَسُوا ما فِيهِ والدارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ ﴿والَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالكِتابِ وأقامُوا الصَلاةَ إنّا لا نُضِيعُ أجْرَ المُصْلِحِينَ﴾
"خَلَفَ" مَعْناهُ: حَدَثَ خَلْفَهم وبَعْدَهم "خَلْفٌ" بِإسْكانِ اللامِ، يُسْتَعْمَلُ في الأشْهَرِ في الذَمِّ، ومِنهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
؎ ذَهَبَ الَّذِينَ يُعاشُ في أكْنافِهِمْ ∗∗∗ وبَقِيتُ في خَلْفٍ كَجِلْدِ الأجْرَبِ
وقَدْ يُسْتَعْمَلُ في المَدْحِ، ومِنهُ قَوْلُ حَسّانَ:
؎ لَنا القَدَمُ الأُولى إلَيْكَ وخَلْفَنا ∗∗∗ ∗∗∗ لِأوَّلِنا في طاعَةِ اللهِ تابِعُ
والخَلَفُ -بِفَتْحِ اللامِ- يُسْتَعْمَلُ -فِي الأشْهَرِ- في المَدْحِ، قالَ أبُو عُبَيْدَةَ، والزَجّاجُ: وقَدْ يُسْتَعْمَلُ في الذَمِّ أيْضًا، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:(p-٧٩)
؎ ألّا ذَلِكَ الخَلَفُ الأعْوَرُ
وقالَ مُجاهِدٌ: المُرادُ بِالخَلْفِ هاهُنا النَصارى، وضَعَّفَهُ الطَبَرِيُّ. وقَرَأ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: "وُرِّثُوا الكِتابَ" بِضَمِّ الواوِ وشَدِّ الراءِ، وقَوْلُهُ: ﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذا الأدْنى﴾ إشارَةٌ إلى الرِشا والمَكاسِبِ الخَبِيثَةِ، والعَرَضُ: ما يُعْرَضُ ويَعِنُّ ولا يَثْبُتُ، و"الأدْنى" إشارَةٌ إلى عَيْشِ الدُنْيا.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا﴾ ذَمٌّ لَهم بِاغْتِرارِهِمْ، وقَوْلِهِمْ: "سَيُغْفَرُ" مَعَ عِلْمِهِمْ بِما في كِتابِ اللهِ مِنَ الوَعِيدِ عَلى المَعاصِي وإصْرارِهِمْ عَلَيْهِمْ وأنَّهم إذا أمْكَنَتْهم ثانِيَةً ارْتَكَبُوها فَهَؤُلاءِ عَجَزَةٌ، كَما قالَ ﷺ: "والعاجِزُ مَن أتْبَعَ نَفْسَهُ هَواها وتَمَنّى عَلى اللهِ"، وهم مُصِرُّونَ، وإنَّما يَقُولُ سَيُغْفَرُ لَنا مَن أقْلَعَ ونَدِمَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ﴾ الآيَةُ، تَشْدِيدٌ في لُزُومِ قَوْلِ الحَقِّ عَلى اللهِ في الشَرْعِ والأحْكامِ بَيْنَ الناسِ، وأنْ لا تَمِيلَ الرِشا بِالحُكّامِ إلى الباطِلِ، و"الكِتابُ" يُرِيدُ بِهِ التَوْراةَ، ومِيثاقُها: الشَدائِدُ الَّتِي فِيها في هَذا المَعْنى، وقَوْلُهُ: ﴿أنْ لا يَقُولُوا عَلى اللهِ إلا الحَقَّ﴾ يُمْكِنُ أنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ قَوْلَهُمُ الباطِلَ في حُكُومَةٍ مِمّا يَقَعُ بَيْنَ أيْدِيهِمْ، ويُمْكِنُ أنْ يُرِيدَ قَوْلَهُمْ: "سَيُغْفَرُ لَنا" وهم قَدْ عَلِمُوا الحَقَّ في نَهْيِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى عن ذَلِكَ، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "يَقُولُوا" بِياءٍ مِن تَحْتُ، وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ: "تَقُولُوا" بِتاءٍ مِن فَوْقُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَدَرَسُوا﴾ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿ألَمْ يُؤْخَذْ﴾ الآيَةُ بِمَعْنى المُضِيِّ، ويُقَدَّرُ: ألَيْسَ قَدْ أُخِذَ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الكِتابَ ودَرَسُوا ما فِيهِ؟ وبِهَذَيْنِ الفِعْلَيْنِ تَقُومُ الحُجَّةُ عَلَيْهِمْ في قَوْلِهِمُ الباطِلَ، وقَرَأ أبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ السُلَمِيُّ: "وادّارَسُوا ما فِيهِ"، وقالَ الطَبَرِيُّ وغَيْرُهُ: قَوْلُهُ: "وَدَرَسُوا" مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿وَرِثُوا الكِتابَ﴾.
(p-٨٠)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وفِي هَذا نَظَرٌ لِبُعْدِ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ، لِأنَّهُ قَوْلُهُ: "وَدَرَسُوا" يَزُولُ مِنهُ مَعْنى إقامَةِ الحُجَّةِ بِالتَقْدِيرِ الَّذِي في قَوْلِهِ: "ألَمْ" ثُمَّ وعَظَ وذَكَّرَ تَبارَكَ وتَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿والدارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "أفَلا تَعْقِلُونَ" بِالتاءِ مِن فَوْقُ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو وأهْلُ مَكَّةَ: "يَعْقِلُونَ" بِالياءِ مِن أسْفَلَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ﴾ عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ: ( لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ). وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وعاصِمٌ في رِوايَةِ حَفْصٍ، وأبُو عَمْرٍو، والناسُ: "يُمَسِّكُونَ" بِفَتْحِ المِيمِ وشَدِّ السِينِ، وقَرَأ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وأبُو العالِيَةِ، وعاصِمٌ وحْدَهُ -فِي رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ -: "يُمْسِكُونَ" بِسُكُونِ المِيمِ وتَخْفِيفِ السِينِ، وكُلُّهم خَفَّفَ "وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوافِرِ"، إلّا أبا عَمْرٍو فَإنَّهُ قَرَأ: "وَلا تُمَسِّكُوا" بِفَتْحِ المِيمِ وشَدِّ السِينِ، وقَرَأ الأعْمَشُ: "والَّذِينَ اسْتَمْسَكُوا" وفي حَرْفِ أُبَيٍّ: "والَّذِينَ مَسَكُوا"، وهُما لُغَتانِ بِمَعْنًى واحِدٍ، قالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
؎ فَما تَمَسَّكَ بِالعَهْدِ الَّذِي زَعَمَتْ ∗∗∗ ∗∗∗ إلّا كَما تُمْسِكُ الماءَ الغَرابِيلُ
أمّا إنْ شَدَّ السِينَ يَجْرِي مَعَ التَعَدِّي بِالباءِ.
{"ayahs_start":169,"ayahs":["فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفࣱ وَرِثُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ یَأۡخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلۡأَدۡنَىٰ وَیَقُولُونَ سَیُغۡفَرُ لَنَا وَإِن یَأۡتِهِمۡ عَرَضࣱ مِّثۡلُهُۥ یَأۡخُذُوهُۚ أَلَمۡ یُؤۡخَذۡ عَلَیۡهِم مِّیثَـٰقُ ٱلۡكِتَـٰبِ أَن لَّا یَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّ وَدَرَسُوا۟ مَا فِیهِۗ وَٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ خَیۡرࣱ لِّلَّذِینَ یَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ","وَٱلَّذِینَ یُمَسِّكُونَ بِٱلۡكِتَـٰبِ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِیعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِینَ"],"ayah":"فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفࣱ وَرِثُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ یَأۡخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلۡأَدۡنَىٰ وَیَقُولُونَ سَیُغۡفَرُ لَنَا وَإِن یَأۡتِهِمۡ عَرَضࣱ مِّثۡلُهُۥ یَأۡخُذُوهُۚ أَلَمۡ یُؤۡخَذۡ عَلَیۡهِم مِّیثَـٰقُ ٱلۡكِتَـٰبِ أَن لَّا یَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّ وَدَرَسُوا۟ مَا فِیهِۗ وَٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ خَیۡرࣱ لِّلَّذِینَ یَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق