الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَإذْ تَأذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلى يَوْمِ القِيامَةِ مَن يَسُومُهم سُوءَ العَذابِ إنَّ رَبُّكَ لَسَرِيعُ العِقابِ وإنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ﴿وَقَطَّعْناهم في الأرْضِ أُمَمًا مِنهُمُ الصالِحُونَ ومِنهم دُونَ ذَلِكَ وبَلَوْناهم بِالحَسَناتِ والسَيِّئاتِ لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾
بِنْيَةُ "تَأذَّنَ" هي الَّتِي تَقْتَضِي التَكَسُّبَ، مِن أذِنَ أيْ عَلِمَ، وآذَنَ أيْ أعْلَمَ، مِثْلُ كَرُمَ وأكْرَمَ وتَكَرَّمَ، إلّا أنَّ تَعَلَّمَ (وَما جَرى مَجْرى هَذا الفِعْلِ) إذا كانَ مُسْنَدًا إلى اسْمِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ لَمْ يَلْحَقْهُ مَعْنى التَكَسُّبِ الَّذِي يَلْحَقُ المُحْدَثِينَ، فَإنَّما يَتَرَتَّبُ بِمَعْنى عِلْمِ صِفَةٍ لا بِتَكَسُّبٍ، بَلْ هي قائِمَةٌ بِالذاتِ، وإلى هَذا المَعْنى يَنْحُو الشاعِرُ بِقَوْلِهِ:
؎ تَعَلَّمْ أبَيْتَ اللَعْنَ
لِأنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالتَعَلُّمِ الَّذِي يَقْتَضِي جَهالَةً، وإنَّما أرادَ أنْ يُوقِفَهُ عَلى قُوَّةِ عِلْمِهِ، ومِنهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
؎ تَعَلَّمْ أنَّ شَرَّ الناسِ حَيٌّ ∗∗∗ ∗∗∗ يُنادى في شِعارِهِمُ يَسارُ
فَمَعْنى هَذِهِ الآيَةِ: وإذْ عَلِمَ اللهُ لِيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ، ويَقْتَضِي قُوَّةَ الكَلامِ أنَّ ذَلِكَ العِلْمَ مِنهُ مُقْتَرِنٌ بِإنْفاذٍ وإمْضاءٍ، كَما تَقُولُ في أمْرٍ قَدْ عَزَمْتَ عَلَيْهِ غايَةَ العَزْمِ: "عَلِمَ اللهُ لِأفْعَلَنَّ كَذا"، نَحا إلَيْهِ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ، وقالَ الطَبَرِيُّ، وغَيْرُهُ: "تَأذَّنَ" مَعْناهُ: أعْلَمَ، وهو قَلِقٌ مِن جِهَةِ التَصْرِيفِ إذْ نِسْبَةُ "تَأذَّنَ" إلى الفاعِلِ غَيْرُ نِسْبَةِ "أعْلَمَ"، وتَبَيُّنُ ذَلِكَ (p-٧٧)مِنَ التَعَدِّي وغَيْرِهِ، وقالَ مُجاهِدٌ: "تَأذَّنَ" مَعْناهُ: قالَ، ورُوِيَ عنهُ أنَّ مَعْناهُ: أمَرَ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْنى: "تَأذَّنَ": تَأْلّى.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وقادَهم إلى هَذا القَوْلِ دُخُولُ اللامِ في الجَوابِ، وأمّا اللَفْظَةُ فَبَعِيدَةٌ عن هَذا.
والضَمِيرُ في "عَلَيْهِمْ" لِمَن بَقِيَ مِن بَنِي إسْرائِيلَ لا لِلضَّمِيرِ في "لَهُمْ". وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن يَسُومُهُمْ﴾ قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هي إشارَةٌ إلى العَذابِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: هي إلى مُحَمَّدٍ ﷺ وأُمَّتِهِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والصَحِيحُ أنَّها عامَّةٌ في كُلِّ مَن حالُ اليَهُودِ مَعَهُ هَذِهِ الحالُ، ويَسُومُهم مَعْناهُ: يُكَلِّفُهم ويُحَمِّلُهُمْ، و﴿سُوءَ العَذابِ﴾ الظاهِرُ مِنهُ الجِزْيَةُ والإذْلالُ، وقَدْ حَتَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ هَذا وحَطَّ مُلْكَهُمْ، فَلَيْسَ في الأرْضِ رايَةٌ لِيَهُودِيٍّ، وقالابْنُ المُسَيِّبِ: فَيُسْتَحَبُّ أنْ تُتْعَبَ اليَهُودُ في الجِزْيَةِ، ولَقَدْ حَدَّثَ أنَّ طائِفَةً مِنَ الرُومِ أمَلَكَتْ في صُقْعِها، فَباعَتِ اليَهُودَ المُجاوِرَةَ لَهُمُ الساكِنَةَ مَعَهم وتَمَلَّكُوهم.
ثُمَّ حَسُنَ في آخِرِ هَذِهِ الآيَةِ -لِتَضَمُّنِها الإيقاعَ بِهِمْ والوَعِيدَ- أنْ يُنَبِّهَ عَلى سُرْعَةِ عِقابِ اللهِ ويُخَوِّفَ بِذَلِكَ تَخْوِيفًا عامًّا لِجَمِيعِ الناسِ، ثُمَّ رَجّى ذَلِكَ لُطْفًا مِنهُ تَبارَكَ وتَعالى.
وقَوْلُهُ وتَعالى: ﴿وَقَطَّعْناهُمْ﴾ مَعْناهُ: فَرَّقْناهم في الأرْضِ، قالَ الطَبَرِيُّ عن جَماعَةٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ: ما في الأرْضِ بُقْعَةٌ إلّا وفِيها مَعْشَرٌ مِنَ اليَهُودِ، والظاهِرُ في المُشارِ إلَيْهِمْ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُمُ الَّذِينَ بَعَدَ سُلَيْمانَ وقْتَ زَوالِ مُلْكِهِمْ، والظاهِرُ أنَّهُ قَبْلَ مُدَّةِ عِيسى عَلَيْهِ السَلامُ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ صالِحٌ بَعْدَ كُفْرِهِمْ بِعِيسى ﷺ، وفي التَوارِيخِ في هَذا الفَصْلِ رِواياتٌ مُضْطَرِبَةٌ، والصالِحُونَ ودُونَ ذَلِكَ ألْفاظٌ مُحْتَمِلَةٌ أنْ يُرادَ بِها صَلاحُ الإيمانِ، فَـ "دُونَ" بِمَعْنى غَيْرٍ يُرادُ بِها الكَفَرَةُ، وإنْ أُرِيدَ بِالصَلاحِ العِبادَةُ والخَيْرُ وتَوابِعُ الإيمانِ فَـ "دُونَ ذَلِكَ" يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ في مُؤْمِنِينَ.
(p-٧٨)﴿وَبَلَوْناهُمْ﴾ مَعْناهُ: امْتَحَنّاهُمْ، والحَسَناتُ: الصِحَّةُ والرَخاءُ ونَحْوُ هَذا مِمّا هو بِحَسَبِ رَأْيِ ابْنِ آدَمَ ونَظَرِهِ، والسَيِّئاتُ: مُقابَلاتُ هَذِهِ. وقَوْلُهُ: "لَعَلَّهُمْ" أيْ بِحَسَبِ رَأْيِكم لَوْ شاهَدْتُمْ ذَلِكَ، والمَعْنى: لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ إلى الطاعَةِ ويَتُوبُونَ مِنَ المَعْصِيَةِ.
{"ayahs_start":167,"ayahs":["وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَیَبۡعَثَنَّ عَلَیۡهِمۡ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ مَن یَسُومُهُمۡ سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِیعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورࣱ رَّحِیمࣱ","وَقَطَّعۡنَـٰهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ أُمَمࣰاۖ مِّنۡهُمُ ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنۡهُمۡ دُونَ ذَ ٰلِكَۖ وَبَلَوۡنَـٰهُم بِٱلۡحَسَنَـٰتِ وَٱلسَّیِّـَٔاتِ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ"],"ayah":"وَقَطَّعۡنَـٰهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ أُمَمࣰاۖ مِّنۡهُمُ ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنۡهُمۡ دُونَ ذَ ٰلِكَۖ وَبَلَوۡنَـٰهُم بِٱلۡحَسَنَـٰتِ وَٱلسَّیِّـَٔاتِ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق