الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿قُلْ يا أيُّها الناسُ إنِّي رَسُولُ اللهِ إلَيْكم جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَماواتِ والأرْضِ لا إلَهَ إلا هو يُحْيِي ويُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ ورَسُولِهِ النَبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وكَلِماتِهِ واتَّبِعُوهُ لَعَلَّكم تَهْتَدُونَ﴾ ﴿وَمِن قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ ﴿وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أسْباطًا أُمَمًا﴾ [الأعراف: ١٦٠]
(p-٦٦)هَذا أمْرٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ لِنَبِيِّهِ بِإشْهارِ الدَعْوَةِ والحَضِّ عَلى الدُخُولِ في الشَرْعِ، وذَلِكَ أنَّهُ لَمّا رَجّى الأُمَّةَ المُتَّبِعَةَ لِلنَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّتِي كَتَبَ لَهم رَحْمَتَهُ عَقَّبَ ذَلِكَ بِدُعاءِ الناسِ إلى الِاتِّباعِ الَّذِي تَحْصُلُ مَعَهُ تِلْكَ المَنازِلُ. وهَذِهِ الآيَةُ خاصَّةٌ بِمُحَمَّدٍ ﷺ بَيْنَ الرُسُلِ، فَإنَّ مُحَمَّدًا ﷺ بُعِثَ إلى الناسِ كافَّةً وإلى الجِنِّ، قالَهُ الحَسَنُ، وتَقْتَضِيهِ الأحادِيثُ، وكُلُّ نَبِيٍّ إنَّما بُعِثَ إلى فِرْقَةٍ دُونَ العُمُومِ، ثُمَّ إنَّهُ لَمّا أُعْلِنَ بِالرِسالَةِ مِن عِنْدِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى أرْدَفَ بِصِفَةِ اللهِ الَّتِي تَقْتَضِي الإذْعانَ لَهُ وهي أنَّهُ مالِكُ السَمَواتِ والأرْضِ بِالخَلْقِ والإبْداعِ والإحْياءِ والإماتَةِ، لا إلَهَ إلّا هو ولا مَعْبُودَ سِواهُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللهِ ورَسُولِهِ﴾ الآيَةُ، هو الحَضُّ عَلى اتِّباعِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وقَوْلُهُ: ﴿الَّذِي يُؤْمِنُ﴾ يُرِيدُ: الَّذِي يُصَدِّقُ ﴿بِاللهِ وكَلِماتِهِ﴾، والكَلِماتُ هُنا الآياتُ المُنَزَّلَةُ مِن عِنْدِهِ كالتَوْراةِ والإنْجِيلِ.
وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "كَلِماتِهِ" بِالجَمْعِ، وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ: "كَلِمَتِهِ" بِالإفْرادِ الَّذِي يُرادُ بِهِ الجَمْعُ، وقَرَأ الأعْمَشُ: "الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وآياتِهِ" بَدَلَ "كَلِماتِهِ"، وقالَ مُجاهِدٌ، والسُدِّيُّ: المُرادُ بِـ "كَلِماتِهِ" أو "كَلِمَتِهِ" عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَعَلَّكم تَهْتَدُونَ﴾ أيْ: عَلى طَمَعِكم وبِحَسَبِ ما تَرَوْنَهُ، وقَوْلُهُ: "واتَّبِعُوهُ" لَفْظٌ عامٌّ يَدْخُلُ تَحْتَهُ جَمِيعُ إلْزاماتِ الشَرِيعَةِ، جَعَلَنا اللهُ مِن مُتَّبِعِيهِ عَلى ما يَلْزَمُ بِمَنِّهِ ورَحْمَتِهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمِن قَوْمِ مُوسى﴾ الآيَةُ، "يَهْدُونَ" مَعْناهُ: يُرْشِدُونَ أنْفُسَهُمْ، وهَذا الكَلامُ يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِهِ وصْفَ المُؤْمِنِينَ المُتَّقِينَ مِن بَنِي إسْرائِيلَ عَلى عَهْدِ مُوسى وما والاهُ مِنَ الزَمَنِ، فَأخْبَرَ أنَّهُ كانَ في بَنِي إسْرائِيلَ عَلى عُتُوِّهِمْ وخِلافِهِمْ مَنِ اهْتَدى واتَّقى وعَدَلَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ الجَماعَةَ الَّتِي آمَنَتْ بِمُحَمَّدٍ ﷺ مِن بَنِي إسْرائِيلَ عَلى جِهَةِ الِاسْتِجْلابِ لِإيمانِ جَمِيعِهِمْ، ويُحْتَمَلُ ما رُوِيَ مِن أنَّ بَنِي إسْرائِيلَ لَمّا تَقَطَّعُوا مَرَّتْ أُمَّةٌ مِنهم واعْتَزَلَتْ ودَخَلَتْ تَحْتَ الأرْضِ فَمَشَتْ في سِرْبٍ تَحْتَ الأرْضِ سَنَةً ونِصْفَ سَنَةٍ حَتّى خَرَجُوا وراءَ الصِينِ، فَهم هُنالِكَ خَلْفَ وادٍ مِن شَهْدٍ يُقِيمُونَ الشَرْعَ ويَهْدُونَ بِالحَقِّ، قالَهُ السُدِّيُّ وابْنُ جُرَيْجٍ، ورُوِيَ بَعْضُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما.
(p-٦٧)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا حَدِيثٌ بَعِيدٌ، وقَرَأ بَعْضٌ مِنَ الناسِ: "وَقَطَّعْناهُمْ" بِشَدِّ الطاءِ، وقَرَأ أبُو حَيَوَةَ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "وَقَطَعْناهُمْ" بِتَخْفِيفِ الطاءِ، ورَواها أبانُ عن عاصِمٍ، ومَعْناهُ: فَرَّقْناهُمْ، مِنَ القَطْعِ، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "عَشْرَةَ" بِسُكُونِ الشِينِ، وهي لُغَةُ الحِجازِ، وقَرَأ يَحْيى بْنُ وثّابٍ، والأعْمَشُ، وطَلْحَةُ بْنُ سُلَيْمانَ بِخِلافِ: "عَشَرَةٍ" بِفَتْحِ الشِينِ، وقَرَأتْ هَذِهِ الجَماعَةُ أيْضًا، وطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، وأبُو حَيَوَةَ: "عَشِرَةَ" بِكَسْرِ الشِينِ، وهي لُغَةُ تَمِيمٍ، وقالَ أبُو حاتِمٍ: والعَجَبُ أنَّ تَمِيمًا يُخَفِّفُونَ ما كانَ مِن هَذا الوَزْنِ، وأنَّ أهْلَ الحِجازِ يُشْبِعُونَ، وتَناقَضُوا في هَذا الحَرْفِ. وقَوْلُهُ: "أسْباطًا" بَدَلٌ مِنِ "اثْنَتَيْ". والتَمْيِيزُ الَّذِي بَيْنَ العَدَدِ مَحْذُوفٌ مُقَدَّرٌ: اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِرْقَةً أو قِطْعَةً أسْباطًا، وإمّا أنْ يَزُولَ عَنِ التَمْيِيزِ ويُقَدَّرَ: وقَطَّعْناهم فِرَقًا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، ثُمَّ أُبْدِلَ "أسْباطًا"، والأوَّلُ أحْسَنُ وأبْيَنُ، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ "أسْباطًا" تَمْيِيزًا لِأنَّ التَمْيِيزَ لا يَكُونُ إلّا مُفْرَدًا نَكِرَةً، وأيْضًا فالسِبْطَ مُذَكَّرٌ وهو قَدْ عُدَّ مُؤَنَّثًا، عَلى أنَّ هَذِهِ العِلَّةَ لَوِ انْفَرَدَتْ لَمَنَعَتْ إذِ السِبْطُ بِمَعْنى الأُمَّةِ، قالَ الطَبَرِيُّ: وقالَ بَعْضُ الكُوفِيِّينَ: لَمّا كانَ السِبْطُ بِمَعْنى الأُمَّةِ غَلَّبَ التَأْنِيثَ، وهو مِثْلُ قَوْلٍ الشاعِرِ:
؎ فَإنَّ كِلابًا هَذِهِ عَشْرُ أبْطُنٍ ∗∗∗ وأنْتَ بَرِيءٌ مِن قَبائِلِها العَشْرِ
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وأغْفَلَ هَذا الكُوفِيُّ جَمْعَ الأسْباطِ وأنَّ ما ذَهَبَ إلَيْهِ إنَّما كانَ يَجُوزُ لَوْ كانَ الكَلامُ: "اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سِبْطًا"، والسِبْطَ في ولَدِ إسْحاقَ كالقَبِيلَةِ في ولَدِ إسْماعِيلَ، وقَدْ قالَ الزَجّاجُ وغَيْرُهُ: إنَّ السِبْطَ مِنَ السَبَطِ وهو شَجَرٌ. (p-٦٨)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وإنَّما الأظْهَرُ فِيهِ عِبْرانِيٌّ عُرِّبَ.
{"ayahs_start":158,"ayahs":["قُلۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّی رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَیۡكُمۡ جَمِیعًا ٱلَّذِی لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ یُحۡیِۦ وَیُمِیتُۖ فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِیِّ ٱلۡأُمِّیِّ ٱلَّذِی یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَـٰتِهِۦ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ","وَمِن قَوۡمِ مُوسَىٰۤ أُمَّةࣱ یَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ یَعۡدِلُونَ"],"ayah":"قُلۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّی رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَیۡكُمۡ جَمِیعًا ٱلَّذِی لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ یُحۡیِۦ وَیُمِیتُۖ فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِیِّ ٱلۡأُمِّیِّ ٱلَّذِی یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَـٰتِهِۦ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق