الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَسُولَ النَبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهم في التَوْراةِ والإنْجِيلِ يَأْمُرُهم بِالمَعْرُوفِ ويَنْهاهم عَنِ المُنْكَرِ ويُحِلُّ لَهُمُ الطَيِّباتِ ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبائِثَ ويَضَعُ عنهم إصْرَهم والأغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمُ فالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وعَزَّرُوهُ ونَصَرُوهُ واتَّبَعُوا النُورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ هَذِهِ الألْفاظُ أخْرَجَتِ اليَهُودَ والنَصارى مِنَ الِاشْتِراكِ الَّذِي يَظْهَرُ في قَوْلِهِ: ﴿فَسَأكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦]، وخَلَصَتْ هَذِهِ العِدَةُ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ. قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ جُبَيْرٍ، وغَيْرُهُما. و"يَتَّبِعُونَ" مَعْناهُ: في شَرْعِهِ ودِينِهِ، و"الرَسُولَ" و"النَبِيَّ" اسْمانِ لِمَعْنَيَيْنِ، فَإنَّ الرَسُولَ أخَصُّ مِنَ النَبِيِّ، هَذا في الآدَمِيِّينَ لِاشْتِراكِ المُلْكِ في لَفْظَةِ الرَسُولِ. (p-٦١)والنَبِيُّ مَأْخُوذٌ مِنَ النَبَإ، وقِيلَ: لَمّا كانَ طَرِيقًا إلى رَحْمَةِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى وسَبَبًا شُبِّهَ بِالنَبِيِّ الَّذِي هو الطَرِيقُ، وأنْشَدُوا: ؎ لَأصْبَحَ رَتْمًا دُقاقَ الحَصى ∗∗∗ مَكانَ النَبِيِّ مِنَ الكاثِبِ وأصْلُهُ الهَمْزُ ولَكِنَّهُ خُفِّفَ، كَذا قالَهُ سِيبَوَيْهِ، وذَلِكَ كَتَخْفِيفِهِمْ خابِيَةً وهي مَن خَبَّأ، واسْتُعْمِلَ تَخْفِيفُهُ حَتّى قَدْ رُوِيَ «أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: "لا تَنْبِرُوا اسْمِي"،» وقُدِّمَ الرَسُولُ اهْتِمامًا بِمَعْنى الرِسالَةِ عِنْدَ المُخاطَبِينَ بِالقُرْآنِ، وإلّا فَمَعْنى النُبُوَّةِ هو المُتَقَدِّمُ، وكَذَلِكَ «رَدَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلى البَراءِ بْنِ عازِبٍ حِينَ قالَ: "آمَنتُ بِكِتابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ، وبِرَسُولِكَ الَّذِي أرْسَلْتَ"، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ"» لِيَتَرَتَّبَ الكَلامُ كَما تَرَتَّبَ الأمْرُ في نَفْسِهِ، لِأنَّهُ نُبِّئَ ثُمَّ أُرْسِلَ، وأيْضًا في العِبارَةِ المَرْدُودَةِ تَكْرارُ الرِسالَةِ وهو مَعْنًى واحِدٌ. و"الأُمِّيُّ" بِضَمِّ الهَمْزَةِ، قِيلَ: نَسَبٌ إلى أُمِّ القُرى وهي مَكَّةُ. (p-٦٢)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: واللَفْظَةُ -عَلى هَذا- مُخْتَصَّةٌ بِالنَبِيِّ ﷺ وغَيْرُ مُضَمَّنَةٍ مَعْنى عَدَمِ الكِتابَةِ، وقِيلَ: هو مَنسُوبٌ -لِعَدَمِ الكِتابَةِ والحِسابِ- إلى الأُمِّ، أيْ: هو عَلى حالِ الصُدُورِ عَنِ الأُمِّ في عَدَمِ الكِتابَةِ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: هو مَنسُوبٌ إلى الأُمَّةِ، وهَذا أيْضًا مُضَمَّنٌ عَدَمَ الكِتابَةِ لِأنَّ الأُمَّةَ بِجُمْلَتِها غَيْرُ كاتِبَةٍ حَتّى تَحْدُثَ فِيها الكِتابَةُ كَسائِرِ الصَنائِعِ، وقَرَأ بَعْضُ القُرّاءِ فِيما ذَكَرَ أبُو حاتِمٍ: "الأمِّيُّ" بِفَتْحِ الهَمْزَةِ، وهو مَنسُوبٌ إلى الأمِّ وهو القَصْدُ، أيْ لِأنَّ هَذا النَبِيَّ مَقْصِدُ لِلنّاسِ ومَوْضِعُ أمٍّ يَؤُمُّونَهُ بِأفْعالِهِمْ وتَشَرُّعِهِمْ، قالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: وتَحْتَمِلُ هَذِهِ القِراءَةُ أنْ يُرِيدَ الأُمِّيَّ فَغُيِّرَ تَغْيِيرَ النِسَبِ. والضَمِيرُ في قَوْلِهِ: "يَجِدُونَهُ" لِبَنِي إسْرائِيلَ، والهاءُ مِنهُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ، والمُرادُ صِفَتُهُ ونَعْتُهُ. ورُوِيَ أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ قالَ لِمُوسى: قُلْ لِبَنِي إسْرائِيلَ: أجْعَلُ لَكُمُ الأرْضَ مَسْجِدًا وطَهُورًا، وأجْعَلُ السَكِينَةَ مَعَكم في بُيُوتِكُمْ، وأجْعَلُكم تَقْرَؤُونَ التَوْراةَ عن ظَهْرِ قُلُوبِكُمْ، فَأخْبَرَ مُوسى بَنِي إسْرائِيلَ فَقالُوا: إنَّما نُرِيدُ أنْ نُصَلِّيَ في الكَنائِسِ، وأنْ تَكُونَ السَكِينَةُ كَما كانَتْ في التابُوتِ، وأنْ لا نَقْرَأ التَوْراةَ إلّا نَظَرًا، فَقِيلَ لَهُمْ: فَنَكْتُبُها لِلَّذِينِ يَتَّقُونَ يَعْنِي أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ. ورُوِيَ عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما في البُخارِيِّ وغَيْرِهِ أنَّ في التَوْراةِ مِن صِفَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ: « "يا أيُّها النَبِيُّ، إنّا أرْسَلْناكَ شاهِدًا ومُبَشِّرًا ونَذِيرًا وحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أنْتَ عَبْدِي ورَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ ولا غَلِيظٍ ولا صَخّابٍ في الأسْواقِ، ولا يَجْزِي بِالسَيِّئَةِ السَيِّئَةَ، ولَكِنْ يَعْفُو ويَصْفَحُ، ولَنْ أقْبِضَهُ حَتّى أُقِيمَ بِهِ المِلَّةَ العَوْجاءَ بِأنْ يَقُولُوا لا إلَهَ إلّا اللهُ، فَنُقِيمُ بِهِ قُلُوبًا غُلْفًا، وآذانًا صُمًّا، وأعْيُنًا عُمْيًا"». وفي البُخارِيِّ: « "فَنَفْتَحُ بِهِ عُيُونًا عُمْيًا، وآذانًا صُمًّا، وقُلُوبًا غُلْفًا"». ونَصُّ كَعْبِ الأحْبارِ نَحْوُ هَذِهِ الألْفاظِ إلّا أنَّهُ قالَ: "قُلُوبًا غُلْفًا، وآذانًا صُمُومًا"، قالَ الطَبَرِيُّ: وهي لُغَةٌ حِمْيَرِيَّةٌ، وقَدْ رُوِيَتْ "غُلُوفِيا وصُمُومِيا". (p-٦٣)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وأظُنُّ هَذا وهْمًا وعُجْمَةً. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَأْمُرُهم بِالمَعْرُوفِ ويَنْهاهم عَنِ المُنْكَرِ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ ابْتِداءً وصْفَ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى النَبِيَّ ﷺ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَجْعَلَهُ مُتَعَلِّقًا بِـ "يَجِدُونَهُ" في مَوْضِعِ الحالِ عَلى تَجَوُّزٍ، أيْ: يَجِدُونَهُ في التَوْراةِ آمِرًا بِشَرْطِ وُجُودِهِ، فالمَعْنى الأوَّلُ لا يَقْتَضِي أنَّهم عَلِمُوا مِنَ التَوْراةِ أنَّهُ يَأْمُرُهم ويَنْهاهم ويُحِلُّ ويُحَرِّمُ، والمَعْنى الثانِي يَقْتَضِي ذَلِكَ، فالمَعْنى الثانِي -عَلى هَذا- ذَمٌّ لَهُمْ، ونَحا إلى هَذا أبُو إسْحاقَ الزَجّاجُ، وقالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ في "الأغْفالِ": "يَأْمُرُهُمْ" عِنْدِي تَفْسِيرٌ لِما كُتِبَ مِن ذِكْرِهِ، كَما أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿خَلَقَهُ مِن تُرابٍ﴾ [آل عمران: ٥٩] تَفْسِيرٌ لِلْمَثَلِ، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ حالًا مِنَ الضَمِيرِ في "يَجِدُونَهُ" لِأنَّ الضَمِيرَ لِلذِّكْرِ والِاسْمِ، والذِكْرُ والِاسْمُ لا يَأْمُرانِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وما قَدَّمْتُهُ مِنَ التَجَوُّزِ وشَرْطِ الوُجُودِ يَقْرُبُ مِمّا مَنَعَ مِنهُ أبُو عَلِيٍّ، وانْظُرْ، و"بِالمَعْرُوفِ" ما عَرَفَ الشَرْعُ، وكُلُّ مَعْرُوفٍ مِن جِهَةِ المُرُوءَةِ فَهو مَعْرُوفٌ بِالشَرْعِ، فَقَدْ قالَ ﷺ: « "بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَحاسِنَ الأخْلاقِ"،» و"المُنْكَرُ" مُقابِلُهُ. و"الطَيِّباتُ" قالَ فِيها بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: إنَّها إشارَةٌ إلى البَحِيرَةِ ونَحْوِها، ومَذْهَبُ مالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ أنَّها المُحَلَّلاتُ، فَكَأنَّهُ وصَفَها بِالطَيِّبِ إذْ هي لَفْظَةٌ تَتَضَمَّنُ مَدْحًا وتَشْرِيفًا، وبِحَسْبِ هَذا يَقُولُ في "الخَبائِثِ" إنَّها المُحَرَّماتُ، وكَذَلِكَ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: الخَبائِثُ: هي لَحْمُ الخِنْزِيرِ والرِبا وغَيْرُهُ، وعَلى هَذا حَلَّلَ مالِكٌ المُتَقَذَّراتِ كالحَيّاتِ والخَنافِسِ والعَقارِبِ ونَحْوِها، ومَذْهَبُ الشافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أنَّ الطَيِّباتِ هي مِن جِهَةِ الطَعْمِ إلّا أنَّ اللَفْظَةُ عِنْدَهُ لَيْسَتْ عَلى عُمُومِها لِأنَّ عُمُومَها بِهَذا (p-٦٤)الوَجْهِ مِنَ الطَعْمِ يَقْتَضِي تَحْلِيلَ الخَمْرِ والخِنْزِيرِ، بَلْ يَراها مُخْتَصَّةً فِيما حَلَّلَهُ الشَرْعُ، ويَرى الخَبائِثَ لَفْظًا عامًّا في المُحَرَّماتِ بِالشَرْعِ وفي المُتَقَذَّراتِ فَيُحَرِّمُ العَقارِبَ والخَنافِسَ والوَزْغَ وما جَرى هَذا المَجْرى، والناسُ عَلى هَذَيْنِ القَوْلَيْنِ إلّا أنَّ في تَعْيِينِ الخَبائِثِ اخْتِلافًا لَيْسَ هَذا مَوْضِعَ تَقَصِّيهِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَضَعُ عنهم إصْرَهُمْ﴾ الآيَةُ، "يَضَعُ" كانَ قِياسُهُ أنْ يَكُونَ "يَضَعُ" بِكَسْرِ الضادِ لَكِنْ رَدَّهُ حَرْفُ الحَلْقِ إلى فَتْحِ الضادِ، قالَ أبُو حاتِمٍ: وأدْغَمَ أبُو عَمْرٍو "يَضَعْ عَّنْهُمُ" العَيْنَ في العَيْنِ. وأشَمَّها الرَفْعَ وأشْبَعَها أبُو جَعْفَرٍ وشَيْبَةُ ونافِعٌ، وقَرَأ طَلْحَةُ: "وَيُذْهِبُ عنهم إصْرَهُمْ"، والإصْرُ: الثِقْلُ، وبِهِ فَسَّرَ هُنا- قَتادَةُ، وابْنُ جُبَيْرٍ، ومُجاهِدٌ، والإصْرُ أيْضًا: العَهْدُ، وبِهِ فَسَّرَ ابْنُ عَبّاسٍ، والضَحّاكُ، والحَسَنُ، وغَيْرُهم. وقَدْ جَمَعَتْ هَذِهِ الآيَةُ المَعْنَيَيْنِ، فَإنَّ بَنِي إسْرائِيلَ قَدْ كانَ أُخِذَ عَلَيْهِمْ عَهْدٌ أنْ يَقُومُوا بِأعْمالٍ ثِقالٍ فَوُضِعَ عنهم بِمُحَمَّدٍ ﷺ ذَلِكَ العَهْدُ وثِقَلُ تِلْكَ الأعْمالِ. وحَكى أبُو حاتِمٍ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ قالَ: الإصْرُ: شِدَّةُ العِبادَةِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وعاصِمٌ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، والناسُ: "إصْرَهُمْ"، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحْدَهُ، وأيُّوبُ السِخْتِيانِيُّ، ويَعْلى بْنُ حَكِيمٍ، وأبُو سِراجٍ الهُذَلِيُّ، وأبُو جَعْفَرٍ: "آصارَهُمْ" بِالجَمْعِ، لَمّا كانَتِ الأعْمالُ كَثِيرَةً كانَتْ أثْقالُها مُتَغايِرَةً، ومَن وحَّدَ الإصْرَ فَإنَّما فَهو مُفْرَدُ اسْمِ جِنْسٍ يُرادُ بِهِ الجَمْعُ، قالَ أبُو حاتِمٍ: في كِتابِ بَعْضِ العُلَماءِ: "أُصُرَهُمْ" واحِدُ مَفْتُوحِ الهَمْزَةِ عن نافِعٍ، وعِيسى، والزَيّاتِ، وذَلِكَ غَلَطٌ. وذَكَرَ ها مَكِّيٌّ عن أبِي بَكْرٍ عن عاصِمٍ وقالَ: هي لُغَةٌ. ﴿والأغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ عِبارَةٌ مُسْتَعارَةٌ أيْضًا لِتِلْكَ الأثْقالِ، كَقَطْعِ الجِلْدِ مِن أثَرِ البَوْلِ، وأنْ لا دِيَةَ، ولا بُدَّ مِن قَتْلٍ لِلْقاتِلِ، وتَرْكِ الأشْغالِ يَوْمَ السَبْتِ، فَإنَّهُ رُوِيَ أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ رَأى يَوْمَ السَبْتِ رَجُلًا يَحْمِلُ قَصَبًا فَضَرَبَ عُنُقَهُ، هَذا قَوْلُ جُمْهُورِ المُفَسِّرِينَ، وهَذا مِثْلُ قَوْلِكَ: "طَوْقُ فُلانٍ كَذا" إذا ألْزَمَهُ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ اذْهَبْ بِها اذْهَبْ بِها ∗∗∗ ∗∗∗ طُوِّقْتَها طَوْقَ الحَمامَهْ أيْ: لَزِمَكَ عارُها. (p-٦٥)وَمِن هَذا المَعْنى قَوْلُ الهُذَلِيِّ: ؎ فَلَيْسَ كَعَهْدِ الدارِ يا أمَّ مالِكٍ ∗∗∗ ∗∗∗ ولَكِنْ أحاطَتْ بِالرِقابِ السَلاسِلُ ؎ وعادَ الفَتى كالكَهْلِ لَيْسَ بِقائِلٍ ∗∗∗ ∗∗∗ سِوى الحَقِّ شَيْئًا فاسْتَراحَ العَواذِلُ يُرِيدُ أوامِرَ الإسْلامِ ولَوازِمَ الإيمانِ الَّذِي قَيَّدَ الفَتْكَ كَما قالَ ﷺ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: إنَّما المُرادُ هُنا بِالأغْلالِ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ في اليَهُودِ ﴿غُلَّتْ أيْدِيهِمْ﴾ [المائدة: ٦٤]، فَمَن آمَنَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ زالَتْ عنهُ الدَعْوَةُ وتَغْلِيلُها. ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى عن حالِ المُؤْمِنِينَ فَقالَ: ﴿فالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وعَزَّرُوهُ ونَصَرُوهُ﴾، وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ، وسُلَيْمانُ التَيْمِيُّ، وقَتادَةُ، وعِيسى: "عَزَّرُوهُ" بِالتَخْفِيفِ، وجُمْهُورُ الناسِ عَلى التَشْدِيدِ في الزايِ، ومَعْناهُ في القِراءَتَيْنِ وقَّرُوهُ. والتَعْزِيرُ والنَصْرُ مُشاهَدَةٌ خاصَّةٌ لِلصَّحابَةِ، واتِّباعُ النُورِ يَشْتَرِكُ فِيهِ مَعَهُمُ المُؤْمِنُونَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ. والنُورُ كِنايَةٌ عن جُمْلَةِ الشَرْعِ، وقَوْلُهُ: "مَعَهُ" فِيهِ حَذْفُ مُضافٍ، والتَقْدِيرُ: مَعَ بَعْثِهِ أو نُبُوَّتِهِ أو نَحْوِ هَذا، وشُبِّهَ الشَرْعُ والهُدى بِالنُورِ إذِ القُلُوبُ تَسْتَضِيءُ بِهِ كَما يَسْتَضِيءُ البَصَرُ بِالنُورِ، و"المُفْلِحُونَ" مَعْناهُ: الفائِزُونَ بِبُغْيَتِهِمْ، وهَذا يَعُمُّ مَعانِيَ الفَلاحِ فَإنَّ مَن بَقِيَ فَقَدْ فازَ بِبُغْيَتِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب