الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ولأخِي وأدْخِلْنا في رَحْمَتِكَ وأنْتَ أرْحَمُ الراحِمِينَ﴾ ﴿إنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا العِجْلَ سَيَنالُهم غَضَبٌ مِن رَبِّهِمْ وذِلَّةٌ في الحَياةِ الدُنْيا وكَذَلِكَ نَجْزِي المُفْتَرِينَ﴾ ﴿والَّذِينَ عَمِلُوا السَيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِن بَعْدِها وآمَنُوا إنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ اسْتَغْفَرَ مُوسى مِن فِعْلِهِ مَعَ أخِيهِ، ومِن عَجَلَتِهِ في إلْقاءِ الألْواحِ، واسْتَغْفَرَ لِأخِيهِ مِن فِعْلِهِ في الصَبْرِ لِبَنِي إسْرائِيلَ، ويُمْكِنُ أنَّ الِاسْتِغْفارَ كانَ لِغَيْرِ هَذا مِمّا لا نَعْلَمُهُ، واللهُ أعْلَمُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا العِجْلَ﴾ الآيَةُ، مُخاطَبَةٌ مِنَ اللهِ تَعالى لِمُوسى عَلَيْهِ السَلامُ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿سَيَنالُهُمْ﴾، ووَقَعَ ذَلِكَ النَيْلُ في عَهْدِ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ، والغَضَبُ والذِلَّةُ هو أمْرُهم بِقَتْلِ أنْفُسِهِمْ، هَذا هو الظاهِرُ، وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: الذِلَّةُ: الجِزْيَةُ، ووَجْهُ هَذا القَوْلِ أنَّ الغَضَبَ والذِلَّةَ بَقِيَتْ في عَقِبِ هَؤُلاءِ المَقْصُودِينَ بِها أوَّلًا، وكَأنَّ المُرادَ: سَيَنالُ أعْقابَهم. وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الإشارَةُ في قَوْلِهِ: "الَّذِينَ" إلى مَن ماتَ مِن عَبَدَةِ العِجْلِ قَبْلَ التَوْبَةِ بِقَتْلِ النَفْسِ، وإلى مَن فَرَّ فَلَمْ يَكُنْ حاضِرًا وقْتَ القَتْلِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: والغَضَبُ -عَلى هَذا- والذِلَّةُ هو عَذابُ الآخِرَةِ، والغَضَبُ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ إنْ أُخِذَ بِمَعْنى الإرادَةِ فَهو صِفَةُ ذاتٍ، وإنْ أُخِذَ بِمَعْنى العُقُوبَةِ وإحْلالِ النِقْمَةِ فَهو صِفَةُ فِعْلٍ، (p-٥٥)وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُفْتَرِينَ﴾ المُرادُ أوَّلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلى اللهِ في عِبادَةِ العِجْلِ، وتَكُونُ قُوَّةُ اللَفْظِ تَعُمُّ كُلَّ مُفْتَرٍ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، وقَدْ قالَ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وأبُو قُلابَةَ وغَيْرُهُما: كُلُّ صاحِبِ بِدْعَةٍ أو فِرْيَةٍ ذَلِيلٌ، واسْتَدَلُّوا بِالآيَةِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ عَمِلُوا السَيِّئاتِ﴾ الآيَةُ، تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الآيَةُ الوَعْدَ بِأنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ يَغْفِرُ لِلتّائِبِينَ، والإشارَةُ إلى مَن تابَ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، وفي الآيَةِ تَرْتِيبُ الإيمانِ بَعْدَ التَوْبَةِ، والمَعْنى في ذَلِكَ أنَّهُ أرادَ بِقَوْلِهِ: "وَآمَنُوا" أنَّ التَوْبَةَ نافِعَةٌ لَهم مُنْجِيَةٌ فَتَمَسَّكُوا بِها، فَهَذا إيمانٌ خاصٌّ بَعْدَ الإيمانِ عَلى الإطْلاقِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: "وَآمَنُوا" أيْ وعَمِلُوا عَمَلَ المُؤْمِنِينَ حَتّى وافَوْا عَلى ذَلِكَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ التَأْكِيدَ فَذَكَرَ التَوْبَةَ والإيمانَ إذْ هُما مُتَلازِمانِ، إلّا أنَّ التَوْبَةَ -عَلى هَذا- تَكُونُ مِن كُفْرٍ ولا بُدَّ فَيَجِيءُ "تابُوا - وآمَنُوا" بِمَعْنًى واحِدٍ، وهَذا لا يَتَرَتَّبُ في تَوْبَةِ المَعاصِي، فَإنَّ الإيمانَ مُتَقَدِّمٌ لِتِلْكَ ولا بُدَّ، وهو وتَوْبَةُ الكُفْرِ مُتَلازِمانِ، وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ رَبَّكَ﴾ إيجابٌ ووَعْدٌ مُرَجٍّ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: ويُحْتَمَلُ قَوْلُهُ: "تابُوا - وآمَنُوا" أنْ يَكُونَ لَمْ تُقْصَدْ رُتْبَةُ الفِعْلَيْنِ عَلى عُرْفِ الواوِ في أنَّها لا تُوجِبُ رُتْبَةً، ويَكُونُ "وَآمَنُوا" بِمَعْنى: وهم مُؤْمِنُونَ قَبْلُ وبَعْدُ، فَكَأنَّهُ قالَ: ومِن صِفَتِهِمْ أنْ آمَنُوا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب