الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وخَرَّ مُوسى صَعِقًا فَلَمّا أفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ وأنا أوَّلُ المُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] ﴿قالَ يا مُوسى إنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلى الناسِ بِرِسالاتِي وبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وكُنْ مِنَ الشاكِرِينَ﴾ ﴿وَكَتَبْنا لَهُ في الألْواحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأحْسَنِها سَأُرِيكم دارَ الفاسِقِينَ﴾
قالَ المُتَأوِّلُونَ المُتَكَلِّمُونَ كالقاضِي الباقِلّانِيُّ وغَيْرُهُ: "إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ خَلَقَ لِلْجَبَلِ حَياةً وحِسًّا وإدْراكًا يَرى بِهِ ثُمَّ تَجَلّى لَهُ، أيْ ظَهَرَ وبَدا سُلْطانُهُ، فانْدَكَّ الجَبَلُ لِشِدَّةِ المَطْلَعِ، فَلَمّا رَأى مُوسى ما بِالجَبَلِ صَعِقَ"، وهَذا المَعْنى هو المَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وأسْنَدَ الطَبَرِيُّ عن حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ عن ثابِتٍ عن أنَسٍ عَنِ النَبِيِّ ﷺ أنَّهُ قَرَأ: "فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا" قالَ: فَوَضَعَ الإبْهامَ قَرِيبًا مِن خِنْصَرِهِ، قالَ: فَساخَ الجَبَلُ، (p-٤٢)فَقالَ حُمَيْدٌ لِثابِتٍ: تَقُولُ هَذا؟ فَرَفَعَ ثابِتٌ يَدَهُ فَضَرَبَ صَدْرَهُ، وقالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللهِ ﷺ ويَقُولُهُ أنَسٌ وأكْتُمُهُ أنا؟
وقالَتْ فِرْقَةٌ: المَعْنى: فَلَمّا تَجَلّى اللهُ لِلْجَبَلِ بِقُدْرَتِهِ وسُلْطانِهِ انْدَكَّ الجَبَلُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا التَأْوِيلُ يَتَمَسَّكُ بِهِ المُعْتَزِلَةُ تَمَسُّكًا شَدِيدًا لِقَوْلِهِمْ: إنَّ رُؤْيَةَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ غَيْرُ جائِزَةٍ، وقائِلُهُ مِن أهْلِ السُنَّةِ إنَّما يَقُولُهُ مَعَ اعْتِقادِهِ جَوازَ الرُؤْيَةِ، ولَكِنَّهُ يَقُولُ: إنَّهُ ألْيَقُ بِألْفاظِ الآيَةِ مِن أنْ تُحْمَلَ الآيَةُ أنَّ الجَبَلَ خُلِقَ لَهُ إدْراكٌ وحَياةٌ، وقالَ الزَجّاجُ: مَن قالَ: إنَّ التَقْدِيرَ: "فَلَمّا تَجَلّى أمْرُ رَبِّهِ" فَقَدْ أخْطَأ، ولا يَعْرِفُ أهْلُ اللُغَةِ ذَلِكَ، ورَدَّ أبُو عَلِيٍّ في "الأغْفالِ" عَلَيْهِ.
والدَكُّ: الِانْسِحاقُ والتَفَتُّتُ، وقَرَأ النَبِيُّ ﷺ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وأنَسُ بْنُ مالِكٍ، والحَسَنُ، وأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ، ومُجاهِدٌ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو، ونافِعٌ، وعاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ: "دَكًّا"، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وابْنُ عَبّاسٍ، والرَبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ، وغَيْرُهُمْ: "دَكّاءَ" عَلى وزْنِ حَمْراءَ، والدَكّاءُ: الناقَةُ الَّتِي لا سَنامَ لَها، فالمَعْنى: جَعَلَهُ أرْضًا دَكّاءَ تَشْبِيهًا بِالناقَةِ، فَرُوِيَ أنَّهُ ذَهَبَ الجَبَلُ بِرُمَّتِهِ، وقِيلَ: ذَهَبَ أعْلاهُ وبَقِيَ أكْثَرُهُ، ورُوِيَ أنَّ الجَبَلَ تَفَتَّتَ وانْسَحَقَ حَتّى صارَ غُبارًا تَذْرُوهُ الرِياحُ، وقالَ سُفْيانُ: رُوِيَ أنَّهُ ساخَ في الأرْضِ وأفْضى إلى البَحْرِ الَّذِي تَحْتَ الأرَضِينَ. قالَ ابْنُ الكَلْبِيِّ: فَهو يَهْوِي فِيهِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، ورُوِيَ أنَّهُ انْكَسَرَ سِتَّ فِرَقٍ، فَوَقَعَتْ مِنهُ ثَلاثٌ بِمَكَّةَ: ثَبِيرٌ، وغارُ ثَوْرٍ، وحِراءُ، وثَلاثٌ بِالمَدِينَةِ: أُحُدٌ، ووَرْقانُ، ورَضْوى، قالَهُ النَقّاشُ. وقالَ أبُو بَكْرٍ الهُذَلِيُّ: ساخَ في الأرْضِ فَلا يَظْهَرُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ.
و"صَعِقًا" مَعْناهُ: مَغْشِيًّا عَلَيْهِ كَحال مَن تُصِيبُهُ الصَعْقَةُ وهي الصَيْحَةُ المُفْرِطَةُ، قالَ الخَلِيلُ: وهي الوَقْعُ الشَدِيدُ مِن صَوْتِ الرَعْدِ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ وجَماعَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ، وقالَ قَتادَةُ: كانَ مَوْتًا، قالَ الزَجّاجُ: وهو ضَعِيفٌ، ولَفْظَةُ "أفاقَ" تَقْتَضِي (p-٤٣)غَيْرَ هَذا، وقَوْلُهُ: ﴿سُبْحانَكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] أيْ: تَنْزِيهًا لَكَ، كَذا فَسَّرَهُ النَبِيُّ ﷺ، وقَوْلُهُ: ﴿تُبْتُ إلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] مَعْناهُ: مِن أنْ أسْألَكَ الرُؤْيَةَ في الدُنْيا وأنْتَ لا تُبِيحُها.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ويُحْتَمَلُ عِنْدِي أنَّهُ لَفْظٌ قالَهُ عَلَيْهِ السَلامُ لِشِدَّةِ هَوْلِ ما اطَّلَعَ، ولَمْ يَعْنِ بِهِ التَوْبَةَ مِن شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، ولَكِنَّهُ لَفْظٌ يَصْلُحُ لِذَلِكَ المَقامِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والَّذِي يَتَحَرَّزُ مِنهُ أهْلُ السُنَّةِ أنْ تَكُونَ تَوْبَةً مِن سُؤالِ المُحالِ كَما زَعَمَتِ المُعْتَزِلَةُ،.
وقَرَأ نافِعٌ: "وَأنا" بِإثْباتِ الألِفِ في الإدْراجِ، قالَ الزَهْراوِيُّ، والأولى حَذْفُها في الإدْراجِ، وإثْباتُها لُغَةٌ شاذَّةٌ خارِجَةٌ عَنِ القِياسِ، وقَوْلُهُ: "أوَّلُ" إمّا أنْ يُرِيدَ: مِن قَوْمِهِ بَنِي إسْرائِيلَ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ، أو مِن أهْلِ زَمانِهِ إنْ كانَ الكُفْرُ قَدْ طَبَّقَ الآفاقَ، وإمّا أنْ يُرِيدَ أوَّلَ المُؤْمِنِينَ بِأنَّكَ لا تَرى في الدُنْيا، قالَهُ أبُو العالِيَةِ.
ثُمَّ إنَّ اللهَ تَعالى قَرَّرَ مُوسى عَلى آلائِهِ عِنْدَهُ عَلى جِهَةِ الإخْبارِ وقَنَّعَهُ بِها وأمَرَهُ بِالشُكْرِ عَلَيْها، وكَأنَّهُ قالَ: ولا تَتَعَدَّها إلى غَيْرِها.
واصْطَفى أصْلُهُ: اصْتَفى، وهو افْتَعَلَ مِن صَفا يَصْفُو انْقَلَبَتِ التاءُ طاءً لِمَكانِ الصادِ، ومَعْناهُ: تَخَيَّرْتُكَ وخَصَصْتُكَ، ولا تُسْتَعْمَلُ إلّا في الخَيْرِ والمِنَنِ، لا يُقالُ: اصْطَفاهُ لِشَرٍّ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَلى الناسِ﴾ عامٌّ والمُرادُ الخُصُوصُ فِيمَن شارَكَ مُوسى في الإرْسالِ، فَإنَّ الأنْبِياءَ المُرْسَلِينَ مُشارِكُونَ لَهُ بِما هم رُسُلٌ، والظاهِرُ مِنَ الشَرِيعَةِ أنَّ مُوسى مُخَصَّصٌ بِالكَلامِ وإنْ كانَ قَدْ رُوِيَ في تَكْلِيمِ اللهِ غَيْرَهُ أشْياءُ بِما يَشاءُ، مِن أعْظَمِها «أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ سُئِلَ عن آدَمَ فَقالَ: "هُوَ نَبِيٌّ مُكَلَّمٌ".»
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
إلّا أنَّ ذَلِكَ قَدْ تُؤُوِّلَ بِأنَّهُ كانَ في الجَنَّةِ فَيَتُحَفَّظُ -عَلى هَذا- تَخْصِيصُ مُوسى، ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿عَلى الناسِ﴾ عُمُومًا مُطْلَقًا في مَجْمُوعِ الدَرَجَتَيْنِ: الرِسالَةِ (p-٤٤)والكَلامِ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وأبُو عَمْرٍو، وعاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ: "بِرِسالاتِي" عَلى الجَمْعِ، إذِ الَّذِي أُرْسِلَ بِهِ ضُرُوبٌ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ: "بِرِسالَتِي" عَلى الإفْرادِ الَّذِي يُرادُ بِهِ الجَمْعُ، وتُحَلُّ الرِسالَةُ هاهُنا مَحَلَّ المَصْدَرِ الَّذِي هو الإرْسالُ، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "وَبِكَلامِي"، وقَرَأ أبُو رَجاءٍ: "بِرِسالَتِي وبِكَلِمِي"، وقَرَأ الأعْمَشُ: "بِرِسالاتِي وبِكَلِمِي"، وحَكى عنهُ المَهْدَوِيُّ: "وَتَكْلِيمِي" عَلى وزْنِ تَفْعِيلِي، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وكُنْ مِنَ الشاكِرِينَ﴾ تَأْدِيبٌ وتَقْنِيعٌ وحَمْلٌ عَلى جادَّةِ السَلامَةِ، ومِثالٌ لِكُلِّ أحَدٍ في حالِهِ، فَإنَّ جَمِيعَ النِعَمِ مِن عِنْدِهِ بِمِقْدارٍ، وكُلُّ الأُمُورِ بِمَرْأًى مِنَ اللهِ ومَسْمَعٍ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَتَبْنا لَهُ في الألْواحِ﴾ الآيَةُ، الضَمِيرُ في "لَهُ" عائِدٌ عَلى مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ، والألِفُ واللامُ في "الألْواحِ" عِوَضٌ مِنَ الضَمِيرِ الَّذِي يُقَدَّرُ وصْلُهُ بَيْنَ "الألْواحِ" و"مُوسى" عَلَيْهِ السَلامُ، تَقْدِيرُهُ: في ألْواحِهِ، وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإنَّ الجَنَّةَ هي المَأْوى﴾ [النازعات: ٤١] أيْ: مَأْواهُ. وقِيلَ: كانَتِ الألْواحُ اثْنَيْنِ، وقِيلَ: سَبْعَةً، وقالَ مُجاهِدٌ، وابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: كانَتِ الألْواحُ مِن زُمُرُّدٍ، وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: مِن ياقُوتٍ أحْمَرَ، وقالَ أبُو العالِيَةِ أيْضًا: مَن بُرُدٍ، وقالَ الحَسَنُ: مِن خَشَبٍ، وقَوْلُهُ: ﴿مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ لَفْظَةُ عُمُومٍ، والمُرادُ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ يَنْفَعُ في مَعْنى الشَرْعِ ويُحْتاجُ إلَيْهِ في المَصْلَحَةِ، وقَوْلُهُ: "لِكُلِّ شَيْءٍ" مِثْلُهُ، قالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: ما أمِرُوا بِهِ ونُهُوا عنهُ، وقالَهُ مُجاهِدٌ:
، وقالَ السُدِّيُّ: الحَلالُ والحَرامُ. وقَوْلُهُ: "بِقُوَّةٍ" مَعْناهُ: بِجِدٍّ وصَبْرٍ عَلَيْها واحْتِمالٍ لِمُؤْنَتِها، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما والسُدِّيُّ، وقالَ الرَبِيعُ بْنُ أنَسٍ: "بِقُوَّةٍ" هُنا: بِطاعَةٍ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: أمَرَ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ أنْ يَأْخُذَ بِأشَدِّ مِمّا أمَرَ بِهِ قَوْمَهُ، وخُذْ أصْلُهُ: أُؤْخُذْ، حُذِفَتِ الهَمْزَةُ الَّتِي هي فاءُ الفِعْلِ عَلى غَيْرِ قِياسٍ، فاسْتُغْنِيَ عَنِ الأوَّلِ، وقَوْلُهُ: "بِأحْسَنِها" يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ؛ أحَدُهُما التَفْضِيلُ، (p-٤٥)كَأنَّهُ قالَ: إذا اعْتَرَضَ فِيها مُباحانِ، فَيَأْخُذُونَ الأحْسَنَ مِنهُما كالعَفْوِ والقِصاصِ، والصَبْرِ والِانْتِصارِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
هَذا عَلى القَوْلِ أنَّ أفْعَلَ في التَفْضِيلِ لا يُقالُ إلّا لِما لَهُما اشْتِراكٌ في المُفَضَّلِ فِيهِ. وأمّا عَلى القَوْلِ الآخَرِ فَقَدْ يُرادُ بِالأحْسَنِ المَأْمُورُ بِهِ بِالإضافَةِ لِلْمَنهِيِّ عنهُ لِأنَّهُ أحْسَنُ مِنهُ، وذَلِكَ كالناسِخِ بِالنِسْبَةِ لِلْمَنسُوخِ ونَحْوِ هَذا، وذَهَبَ إلى هَذا المَعْنى الطَبَرِيُّ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ويُؤَيِّدُ هَذا التَأْوِيلَ أنَّهُ تَدْخُلُ فِيهِ الفَرائِضُ وهي لا تَدْخُلُ في التَأْوِيلِ الأوَّلِ، وقَدْ يُمْكِنُ أنْ يُتَصَوَّرَ اشْتِراكٌ في حُسْنٍ مِنَ المَأْمُورِ بِهِ والمَنهِيِّ عنهُ ولَوْ بِحَسَبِ المَلاذِ وشَهَواتِ النَفْسِ الأمّارَةِ، والمَعْنى الآخَرُ الَّذِي يَحْتَمِلُهُ قَوْلُهُ تَعالى: "بِأحْسَنِها" أنْ يُرِيدَ بِـ"أحْسْنِ" وصْفَ الشَرِيعَةِ بِجُمْلَتِها، فَكَأنَّهُ قالَ: قَدْ جَعَلْنا لَكم شَرِيعَةً هي أحْسَنُ، كَما تَقُولُ: "اللهُ أكْبَرُ" دُونَ مُقايَسَةٍ، ثُمَّ قالَ: فَمُرْهم يَأْخُذُوا بِأحْسَنِها الَّذِي شَرَعْناهُ لَهُمْ، وفي هَذا التَأْوِيلِ اعْتِراضاتٌ.
وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "سَأُورِيكُمْ"، وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: "أُورِيكُمْ"، قالَ أبُو الفَتْحِ: ظاهِرُ هَذِهِ القِراءَةِ مَرْدُودٌ وهو أبُو سَعِيدٍ المَأْثُورُ فَصاحَتُهُ. فَوَجَّهَها أنَّ المُرادَ "أُرِيكُمْ" ثُمَّ أُشْبِعَتْ ضَمَّةُ الهَمْزَةِ ومُطِلَتْ حَتّى نَشَأتْ عنها واوٌ، ويَحْسُنُ احْتِمالُ الواوِ في هَذا المَوْضِعِ أنَّهُ مَوْضِعُ وعِيدٍ وإغْلاظٍ فَمَكَّنَ الصَوْتَ فِيهِ. وقَرَأ قَسامَةُ بْنُ زُهَيْرٍ: "سَأُورِثُكُمْ"، قالَهُ أبُو حاتِمٍ، ونَسَبَها المَهْدَوِيُّ إلى ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما. (p-٤٦)وَثَبَتَتِ الواوُ في خَطِّ المُصْحَفِ فَلِذَلِكَ أُشْكِلَ هَذا الِاخْتِلافُ مَعَ أنّا لا نَتَأوَّلُ إلّا أنَّها مَرْوِيّاتٌ. فَأمّا مَن قَرَأها: "سَأُورِيكُمْ" فالمَعْنى عِنْدَهُ: سَأعْرِضُ عَلَيْكم وأجْعَلُكم تُحِسُّونَ لِتَعْتَبِرُوا حالَ دارِ الفاسِقِينَ. والرُؤْيَةُ هُنا رُؤْيَةُ العَيْنِ إلّا أنَّ المَعْنى يَتَضَمَّنُ الوَعْدَ لِلْمُؤْمِنِينَ والوَعِيدَ لِلْفاسِقِينَ. ويَدُلُّ عَلى أنَّها رُؤْيَةُ العَيْنِ تَعَدِّي فِعْلِها، وقَدْ عُدِّيَ بِالهَمْزَةِ إلى مَفْعُولَيْنِ، ولَوْ كانَ مِن رُؤْيَةِ القَلْبِ لِتَعَدّى بِالهَمْزَةِ إلى ثَلاثَةِ مَفاعِيلَ، ولَوْ قالَ قائِلٌ: المَفْعُولُ الثالِثُ يَتَضَمَّنُهُ المَعْنى فَهو مُقَدَّرٌ، أيْ: مُدَمَّرَةً أو خَرِبَةً أو مُسَعَّرَةً -عَلى قَوْلِ مَن قالَ: هي جَهَنَّمُ- قِيلَ لَهُ: ولا يَجُوزُ حَذْفُ هَذا المَفْعُولِ والِاقْتِصارِ دُونَهُ أنَّها داخِلَةٌ عَلى المُبْتَدَإ والخَبَرِ، ولَوْ جُوِّزَ لَكانَ عَلى قُبْحٍ في اللِسانِ لا يَلِيقُ بِكِتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ.
وقالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، ومُقاتِلٌ، وقَتادَةُ في كِتابِ النَقّاشِ: دارُ الفاسِقِينَ مِصْرُ، والمُرادُ آلُ فِرْعَوْنَ، وقالَ قَتادَةُ أيْضًا: دارُ الفاسِقِينَ الشامُ، والمُرادُ العَمالِقَةُ الَّذِينَ أُمِرَ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ بِقِتالِهِمْ، وقالَ مُجاهِدٌ والحَسَنُ: دارُ الفاسِقِينَ جَهَنَّمُ، والمُرادُ الكَفَرَةُ بِمُوسى عامَّةً، وقالَ النَقّاشُ عَنِ الكَلْبِيِّ: دارُ الفاسِقِينَ دُورُ ثَمُودَ وعادٍ والأُمَمِ الخالِيَةِ، أيْ: سَنَقُصُّها عَلَيْكم فَتَرَوْنَها.
{"ayahs_start":144,"ayahs":["قَالَ یَـٰمُوسَىٰۤ إِنِّی ٱصۡطَفَیۡتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَـٰلَـٰتِی وَبِكَلَـٰمِی فَخُذۡ مَاۤ ءَاتَیۡتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّـٰكِرِینَ","وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِی ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَیۡءࣲ مَّوۡعِظَةࣰ وَتَفۡصِیلࣰا لِّكُلِّ شَیۡءࣲ فَخُذۡهَا بِقُوَّةࣲ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ یَأۡخُذُوا۟ بِأَحۡسَنِهَاۚ سَأُو۟رِیكُمۡ دَارَ ٱلۡفَـٰسِقِینَ"],"ayah":"قَالَ یَـٰمُوسَىٰۤ إِنِّی ٱصۡطَفَیۡتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَـٰلَـٰتِی وَبِكَلَـٰمِی فَخُذۡ مَاۤ ءَاتَیۡتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّـٰكِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق