الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿إنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هم فِيهِ وباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ﴿قالَ أغَيْرَ اللهِ أبْغِيكم إلَهًا وهو فَضَّلَكم عَلى العالَمِينَ﴾ ﴿وَإذْ أنْجَيْناكم مِن آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكم سُوءَ العَذابِ يُقَتِّلُونَ أبْناءَكم ويَسْتَحْيُونَ نِساءَكم وفي ذَلِكم بَلاءٌ مِن رَبِّكم عَظِيمٌ﴾ أعْلَمَهم مُوسى عَنِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ بِفَسادِ حالِ أُولَئِكَ القَوْمِ لِيَزُولَ ما اسْتَحْسَنُوهُ مِن حالِهِمْ فَقالَ: ﴿إنَّ هَؤُلاءِ﴾ إشارَةً إلى أُولَئِكَ القَوْمِ، ﴿مُتَبَّرٌ﴾ أيْ مَهْلَكٌ مُدَمَّرٌ رَدِيءُ العاقِبَةِ، قالَهُ السُدِّيُّ، وابْنُ زَيْدٍ. والتَبارُ: الهَلاكُ وسِوى العُقْبى، وإناءٌ مُتَبَّرٌ أيْ مَكْسُورٌ وكِسارَتُهُ تِبْرٌ، ومِنهُ تِبْرُ الذَهَبِ لِأنَّهُ كُسارَةٌ، وقَوْلُهُ: ﴿ما هم فِيهِ﴾ لَفْظٌ يَعُمُّ جَمِيعَ حالِهِمْ، ﴿وَباطِلٌ﴾ مَعْناهُ: فاسِدٌ ذاهِبٌ مُضْمَحِلٌّ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ أغَيْرَ اللهِ﴾ الآيَةُ، أمَرَ اللهُ تَعالى مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ أنْ يُوقِفَهم ويُقْرِرَهم عَلى هَذِهِ المَقالَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ القَوْلُ مِن تِلْقائِهِ عَلَيْهِ السَلامُ، (p-٣٧)وَ ﴿أبْغِيكُمْ﴾ مَعْناهُ: أطْلُبُ لَكُمْ، مِن بَغَيْتُ الشَيْءَ إذا طَلَبْتَهُ، و"غَيْرَ" مَنصُوبَةٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، هَذا هو الظاهِرُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَنْتَصِبَ عَلى الحالِ، كَأنَّ تَقْدِيرَ الكَلامِ: قالَ أبْغِيكم إلَهًا غَيْرَ اللهِ؟ فَهي في مَكانِ الصِفَةِ، فَلَمّا قُدِّمَتْ نُصِبَتْ عَلى الحالِ، و﴿العالَمِينَ﴾ لَفْظٌ عامٌّ يُرادُ بِهِ تَخْصِيصُ عالَمِ زَمانِهِمْ، لِأنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ أفْضَلُ مِنهم بِإجْماعٍ، ولِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾ [آل عمران: ١١٠]، اللهُمَّ إلّا أنْ يُرادَ بِالفَضْلِ كَثْرَةُ الأنْبِياءِ مِنهم فَإنَّهم فُضِّلُوا في ذَلِكَ عَلى العالَمِينَ بِالإطْلاقِ. ثُمَّ عَدَّدَ عَلَيْهِمْ في هَذِهِ الآيَةِ النِعَمَ الَّتِي يَجِبُ مِن أجْلِها ألّا يَكْفُرُوا بِهِ ولا يَرْغَبُوا عِبادَةَ غَيْرِهِ. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "نَجَّيْناكُمْ"، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "أنْجَيْناكُمْ" وقَدْ تَقَدَّمَ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "وَإذْ أنْجاكُمْ" أيْ: أنْجاكُمُ اللهُ، وكَذَلِكَ هي في مَصاحِفِ أهْلِ الشامِ، ﴿يَسُومُونَكُمْ﴾ مَعْناهُ: يُحَمِّلُونَكم ويُكَلِّفُونَكُمْ، تَقُولُ: سامَهُ خُطَّةَ خَسْفٍ، ونَحْوَ هَذا، ومُساوَمَةُ البَيْعِ يَنْظُرُ إلى هَذا وأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنَ المُتَساوِمِينَ يُكَلِّفُ صاحِبَهُ إرادَتَهُ، ثُمَّ فُسِّرَ سُوءُ العَذابِ بِقَوْلِهِ: ( يُقَتِّلُونَ ويَسْتَحْيُونَ )، و"بَلاءٌ" -فِي هَذا المَوْضِعِ- مَعْناهُ: اخْتِبارٌ وامْتِحانٌ، وقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكُمْ﴾ إشارَةٌ إلى سُوءِ العَذابِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُشِيرَ بِهِ إلى التَنْجِيَةِ، فَكَأنَّهُ قالَ: وفي تَنْجِيَتِكُمُ امْتِحانٌ لَكم واخْتِبارٌ، هَلْ يَكُونُ مِنكم وفاءٌ بِحَسَبِ النِعْمَةِ؟ قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: والتَأْوِيلُ الأوَّلُ أظْهَرُ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: هَذِهِ الآياتُ خاطَبَ بِها مُوسى مَن حَضَرَهُ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، وقالَ الطَبَرِيُّ: بَلْ خُوطِبَ بِهَذِهِ الآيَةِ مَن كانَ عَلى عَهْدِ مُحَمَّدٍ ﷺ تَقْرِيعًا لَهم بِما فُعِلَ بِأوائِلِهِمْ وبِما جازَوْا بِهِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: والأوَّلُ أظْهَرُ وأبْيَنُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب