الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿قُلْ إنَّما العِلْمُ عِنْدَ اللهِ وإنَّما أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ ﴿فَلَمّا رَأوهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وقِيلَ هَذا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ﴾ ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ أهْلَكَنِيَ اللهُ ومَن مَعِيَ أو رَحِمَنا فَمَن يُجِيرُ الكافِرِينَ مِن عَذابٍ ألِيمٍ﴾ ﴿قُلْ هو الرَحْمَنُ آمَنّا بِهِ وعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَن هو في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ أصْبَحَ ماؤُكم غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكم بِماءٍ مَعِينٍ﴾ أمَرَ اللهُ تَعالى نَبِيَّهُ ﷺ أنْ يُخْبِرَهم أنَّ عِلْمَ يَوْمِ القِيامَةِ والوَعْدَ الصِدْقَ هو مِمّا يَنْفَرِدُ اللهُ تَعالى بِهِ، وأنْ مُحَمَّدًا ﷺ إنَّما هو نَذِيرٌ يَعْلَمُ ما عُلِّمَ، ويُخْبَرُ بِما أُمِرَ أنْ يُخْبَرَ بِهِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا رَأوهُ﴾، الضَمِيرُ لِلْعَذابِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الوَعْدُ، وهَذِهِ حِكايَةُ حالٍ تَأْتِي، والمَعْنى: فَإذا رَأوهُ، و"زُلْفَةً" مَعْناهُ: قَرِيبًا وقالَ الحَسَنُ: عَيانًا، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: حاضِرًا، و"سِيئَتْ" مَعْناهُ: ظَهَرَ فِيها السُوءُ، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "سِيئَتْ" بِكَسْرِ السِينِ، وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ، والحَسَنُ، ونافِعٌ أيْضًا، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو رَجاءٍ، وشَيْبَةُ، وابْنُ وثّابٍ، وطَلْحَةُ بِالإشْمامِ بَيْنَ الضَمِّ والكَسْرِ، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "تَدَّعُونَ" بِفَتْحِ الدالِّ وشَدِّها، عَلى وزْنِ تَفْتَعِلُونَ، أيْ: تَتَداعُونَ أمْرَهُ بَيْنَكُمْ، وقالَ الحَسَنُ: تَدَّعُونَ أنَّهُ لا جَنَّةَ ولا نارَ، وقَرَأ أبُو رَجاءٍ، والحَسَنُ، والضَحّاكُ، وقَتادَةُ، وابْنُ يَسارٍ، (p-٣٦٣)وَسَلامٌ: "تَدْعُونَ" بِسُكُونِ الدالِ، عَلى مَعْنى: تَسْتَعْجِلُونَ، كَقَوْلِهِمْ: ﴿عَجِّلْ لَنا قِطَّنا﴾ [ص: ١٦]، ﴿فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً﴾ [الأنفال: ٣٢]، وغَيْرِ ذَلِكَ. ورُوِيَ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ أهْلَكَنِيَ اللهُ ومَن مَعِيَ أو رَحِمَنا﴾ الآيَةُ.. أنَّهم كانُوا يَدْعُونَ عَلى مُحَمَّدٍ ﷺ وأصْحابِهِ بِالهَلاكِ، وقِيلَ: بَلْ كانُوا يَتَآمَرُونَ بَيْنَهم بِأنْ يُهْلِكُوهم بِالقِتالِ ونَحْوِهِ، فَقالَ اللهُ تَعالى لَهُ: قُلْ لَهُمْ: أرَأيْتُمْ إنْ كانَ هَذا الَّذِي تُرِيدُونَ بِنا وتَمَّ ذَلِكَ فِينا، أو أرَأيْتُمْ إنْ رَحِمَنا اللهُ فَنَصَرَنا ولَمْ يُهْلِكْنا مَن يُجِيرُكم مِنَ العَذابِ الَّذِي يُوجِبُهُ كُفْرُكم عَلى كُلِّ حالٍ؟ وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، وحَفْصٌ عن عاصِمٍ: "إنْ أهْلَكَنِيَ اللهُ ومِن مَعِي" بِنَصْبِ الياءَيْنِ، وأسْكَنَ الكِسائِيُّ، وعاصِمٌ -فِي رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ - الياءُ فِي: "مَعِي"، وقَرَأ حَمْزَةُ بِإسْكانِ الياءَيْنِ، ورَوى الحَسَنُ عن نافِعٍ أنَّهُ أسْكَنَ الياءَ مَن "أهْلَكَنِي"، وقالَ أبُو عَلِيٍّ: التَحْرِيكُ في الياءَيْنِ حَسَنٌ وهو الأصْلُ، والإسْكانُ -كَراهِيَةُ الحَرَكَةِ في حَرْفِ اللِينِ- لِلنَّجاةِ مِن ذَلِكَ. وقَرَأ الكِسائِيُّ وحْدَهُ: "فَسَيَعْلَمُونَ" بِالياءِ، وقَرَأ الباقُونَ بِالتاءِ عَلى المُخاطَبَةِ، ثُمَّ وقَّفَهم تَعالى عَلى مِياهِهِمُ الَّتِي يَعِيشُونَ مِنها إنْ غارَتْ -أيْ ذَهَبَتْ في الأرْضِ- مَن يَجِيئُهم بِماءٍ كَثِيرٍ كافٍ؟ و"الغَوْرُ" مَصْدَرٌ يُوصَفُ بِهِ عَلى مَعْنى المُبالَغَةِ، ومِنهُ قَوْلُ الأعْرابِيِّ: "وَغادَرَتِ التُرابُ مَوْرًا والماءُ غَوْرًا". و"المَعِينُ" فَعِيلٌ مِن "مَعِنَ الماءُ" إذا كَثُرَ، أو مَفْعُولٍ مِن "العَيْنِ"، أيْ: جارٍ كالعَيْنِ، أصْلُهُ مَعْيُونٌ، وقِيلَ: هو مِنَ "العَيْنِ" لَكِنْ مِن حَيْثُ يَرى بِعَيْنِ الإنْسانِ، لا مِن حَيْثُ يُشْبِهُ العَيْنَ الجارِيَةَ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: معِينٍ: عَذْبٍ، وعنهُ -فِي كِتاب الثَعْلَبِيِّ - مَعِينٍ: جارٍ، وفي كِتابِ النِقّاشِ: مَعِينٍ طاهِرٍ، وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ وابْنُ الكَلْبِيُّ: أُشِيرَ في هَذا الماءِ إلى بِئْرِ زَمْزَمٍ وبِئْرِ مَيْمُونٍ، ويُشْبِهُ أنْ تَكُونَ هاتانِ عِظَمَ ماءِ مَكَّةَ، وإلّا فَكانَتْ فِيها آبارٌ كَثِيرَةٌ كَخَمِّ والجَفْرِ وغَيْرِهِما. كَمُلَ تَفْسِيرُ سُورَةِ المُلْكِ والحمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب