الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿أمَّنْ هَذا الَّذِي يَرْزُقُكم إنْ أمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا في عُتُوٍّ ونُفُورٍ﴾ ﴿أفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وجْهِهِ أهْدى أمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ﴿قُلْ هو الَّذِي أنْشَأكم وجَعَلَ لَكُمُ السَمْعَ والأبْصارَ والأفْئِدَةَ قَلِيلا ما تَشْكُرُونَ﴾ ﴿قُلْ هو الَّذِي ذَرَأكم في الأرْضِ وإلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ ﴿وَيَقُولُونَ مَتى هَذا الوَعْدُ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾
هَذا أيْضًا تَوْقِيفٌ عَلى أمْرٍ لا مَدْخَلَ لِلْأصْنامِ فِيهِ، والإشارَةُ بِالرِزْقِ إلى المَطَرِ لِأنَّهُ أعْظَمُ الأرْزاقِ، ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى عنهم أنَّهم لَجُّوا وتَمادَوْا في التَمَنُّعِ عن طاعَةِ اللهِ تَعالى، وهو العُتُوُّ، "والنُفُورُ" البُعْدُ عَنِ الحَقِّ بِسُرْعَةٍ ومُبادَرَةٍ، يُقالُ: نَفَرَ عَنِ الأمْرِ نُفُورًا، ونَفَرَ إلى الأمْرِ نَفِيرًا، ونَفَرَتِ الدابَّةُ نِفارًا.
واخْتَلَفَ أهْلُ التَأْوِيلِ في سَبَبِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا﴾ الآيَةُ، فَقالَ جَماعَةٌ مِن رُواةِ الأسْبابِ: نَزَلَتْ مَثَلًا لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عنهُ ولَأبِي جَهْلِ بْنِ هِشامٍ وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ الكَلْبِيِّ وغَيْرُهُما: نَزَلَتْ مَثَلًا لِمُحَمَّدٍ ﷺ ولِأبِي جَهْلِ بْنِ هِشامٍ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا ومُجاهِدٌ، والضَحّاكُ: نَزَلَتْ لِلْمُؤْمِنِينَ والكافِرِينَ عَلى العُمُومِ، وقالَ قَتادَةُ: نَزَلَتْ مُخْبِرَةً بِأحْوالِ القِيامَةِ، وإنَّ الكُفّارَ يَمْشُونَ فِيها عَلى وُجُوهِهِمْ، والمُؤْمِنُونَ يَمْشُونَ عَلى اسْتِقامَةٍ، «وَقِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: كَيْفَ يَمْشِي الكافِرُ عَلى وجْهِهِ؟ فَقالَ: "الَّذِي أمْشاهُ في الدُنْيا عَلى قَدَمَيْهِ قادِرٌ أنْ يُمْشِيهِ في الآخِرَةِ عَلى وجْهِهِ".»
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فَوَقَفَ الكُفّارُ عَلى ما بَيْنَ الحالَتَيْنِ حِينَئِذٍ، فَفي الأقْوالِ الثَلاثَةِ الأوَّلُ المَشْيُ مَجاز (p-٣٦١)يُتَخَيَّلُ، وفي القَوْلِ الرابِعِ هو حَقِيقَةٌ يَقَعُ يَوْمَ القِيامَةِ.
ويُقالُ: "أكَبَّ الرَجُلُ" إذا رَدَّ وجْهَهُ إلى الأرْضِ، و"كَبَّهُ غَبَّرَهُ"، قالَ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: « "وَهَلْ يُكَبُّ الناسَ في النارِ عَلى مِنخارِهِمْ إلّا حَصائِدُ ألْسِنَتِهِمْ"؟» فَهَذا الفِعْلُ خِلافٌ لِلْبابِ، أفْعَلُ لا يَتَعَدّى، وفَعَلَ يَتَعَدّى، ونَظِيرُهُ "قَشَعَتِ الرِيحُ السَحابَ فانْقَشَعَ". و"أهْدى" في هَذِهِ الآيَةِ "أفْعَلُ" مِنَ الهُدى.
وقَرَأ طَلْحَةُ: "أمَن يَمْشِي" بِتَخْفِيفِ المِيمِ، وأفْرَدَ تَعالى السَمْعَ لِأنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ لِلْقَلِيلِ والكَثِيرِ "وَقَلِيلًا" نُصِبَ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، و"ما" مَصْدَرِيَّةٌ، وهي في مَوْضِعِ رَفْعٍ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قَلِيلا ما تَشْكُرُونَ﴾ يَقْتَضِي ظاهِرُهُ أنَّهم يَشْكُرُونَ قَلِيلًا، فَهَذا إمّا أنْ يُرِيدَ بِهِ ما عَسى أنْ يَكُونَ لِلْكافِرِ مِن شُكْرٍ، وهو قَلِيلٌ غَيْرُ نافِعٍ، وإمّا أنْ يُرِيدَ نَفْيَ الشُكْرِ عنهم جُمْلَةً فَعَبَّرَ بِالعِلَّةِ، كَما تَقُولُ العَرَبُ: "هَذِهِ أرْضٌ قلَّما تُنْبِتْ كَذا" وهي لا تُنْبِتُهُ البَتَّةَ، ومَن شُكْرِ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَلى هَذِهِ النِعْمَةِ «أنَّهُ كانَ يَقُولُ في سُجُودِهِ: "سَجَدَ وجْهِيَ لِلَّذِي خَلَقَهُ وصَوَّرَهُ وشَقَّ سَمْعَهُ وبَصَرَهُ".»
(p-٣٦٢)وَ"ذَرَأكُمْ" مَعْناهُ: بَثَّكُمْ، و"الحَشْرُ" المُشارُ إلَيْهِ هو بَعْثُ القِيامَةِ، وإلَيْهِ أشارَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ( هَذا الوَعْدُ )، فَأخْبَرَ تَعالى أنَّهم يَسْتَعْجِلُونَ أمْرَ القِيامَةِ ويُوقِفُونَ عَلى الصِدْقِ، في الإخْبارِ بِذَلِكَ.
{"ayahs_start":21,"ayahs":["أَمَّنۡ هَـٰذَا ٱلَّذِی یَرۡزُقُكُمۡ إِنۡ أَمۡسَكَ رِزۡقَهُۥۚ بَل لَّجُّوا۟ فِی عُتُوࣲّ وَنُفُورٍ","أَفَمَن یَمۡشِی مُكِبًّا عَلَىٰ وَجۡهِهِۦۤ أَهۡدَىٰۤ أَمَّن یَمۡشِی سَوِیًّا عَلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ","قُلۡ هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنشَأَكُمۡ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَـٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِیلࣰا مَّا تَشۡكُرُونَ","قُلۡ هُوَ ٱلَّذِی ذَرَأَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَإِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ","وَیَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ"],"ayah":"قُلۡ هُوَ ٱلَّذِی ذَرَأَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَإِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق