الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأتَ فِرْعَوْنَ إذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا في الجَنَّةِ ونَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وعَمَلِهِ ونَجِّنِي مِن القَوْمِ الظالِمِينَ﴾ ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِن رُوحِنا وصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وكُتُبِهِ وكانَتْ مِن القانِتِينَ﴾ امْرَأتَ فِرْعَوْنَ اسْمُها "آسِيَةُ" وقَوْلُها: "وَعَمَلِهِ" مَعْناهُ: وكُفْرِهِ وما هو عَلَيْهِ مِنَ الضَلالَةِ، وهَذا قَوْلُ كافَّةِ المُفَسِّرِينَ، وقالَ جُمْهُورٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ: مَعْناهُ: مِن ظُلْمِهِ وعِقابِهِ وتَعْذِيبِهِ لِي، ورُوِيَ في هَذا أنَّ فِرْعَوْنَ اتَّصَلَ بِهِ إيمانُها بِمُوسى عَلَيْهِ السَلامُ، وأنَّها تُحِبُّ أنْ تَغْلِبَ، فَبَعَثَ إلَيْها قَوْمًا، فَقالَ: إنْ رَأيْتُمْ مِنها ذَلِكَ فابْطَحُوها في الأرْضِ، ووَتِّدُوا يَدَيْها ورِجْلَيْها، وألْقُوا عَلَيْها أعْظَمَ حَجَرٍ، وإنْ لَمْ تَرَوْا ذَلِكَ فَهي امْرَأتِي، قالَ: فَذَهَبَ القَوْمُ، فَلَمّا أحَسَّتِ الشَرَّ مِنهم دَعَتْ بِهَذِهِ الدَعَواتِ، فَقَبَضَ اللهُ رَوْحَها، ووَضَعَ أُولَئِكَ الحَجَرَ بِشَخْصٍ لا رُوحَ فِيهِ، ورُوِيَ غَيْرُ هَذا مِمّا يَطُولُ فاخْتَصَرْتُهُ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ. وقالَ آخَرُونَ -فِي كِتابِ النَقّاشِ -: "وَعَمَلِهِ" كِنايَةٌ عَنِ الوَطْءِ والمُضاجَعَةِ، وهَذا ضَعِيفٌ. واخْتَلَفَ الناسُ في الفَرْجِ الَّذِي أحْصَنَتْ مَرْيَمُ عَلَيْها السَلامُ، فَقالَ الجُمْهُورُ: هو فَرْجُ الدِرْعِ الَّذِي كانَ عَلَيْها، وأنَّها كانَتْ صَبِيَّةً، وأنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَلامُ نَفَخَ فِيها الرُوحَ مِن جَيْبِ الدِرْعِ، وقالَ قَوْمٌ: هو الفَرْجُ الجارِحَةٌ، ولَفْظَةُ "أحْصَنَتْ" -إذا كانَ فَرْجَ الجارِحَةِ- مُتَمَكِّنَةٌ حَقِيقَةً، والإحْصانُ: صَوْنُهُ، وفِيهِ هي مُسْتَعْمَلَةٌ، وإذا قَدَّرْناهُ فَرْجَ الدِرْعِ فَلَفْظَةُ "أحْصَنَتْ" مُسْتَعارَةٌ مِن حَيْثُ أحْصَنَتْهُ وصانَتْهُ ومِن حَيْثُ سارَ مَسْلَكًا لِوَلَدِها. (p-٣٤٩)وَقَوْلُهُ تَعالى: "فَنَفَخْنا" عِبارَةٌ عن فِعْلِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَلامُ، حَقِيقَةً، وإنْ ذَهَبَ ذاهِبٌ إلى أنَّ النَفْخَ فِعْلُ اللهِ تَعالى، فَهو عِبارَةٌ عن خَلْقِهِ واخْتِراعِهِ الوَلَدَ في بَطْنِها، وشُبِّهَ ذَلِكَ بِالنَفْخِ الَّذِي مِن شَأْنِهِ أنْ يُسَيِّرَ الشَيْءَ بِرِفْقٍ ولُطْفٍ، وقَوْلُهُ تَعالى: "مِن رُوحِنا" إضافَةُ مَخْلُوقٍ إلى خالِقٍ، ومَمْلُوكٍ إلى مالِكٍ، كَما تَقُولُ: بَيْتُ اللهِ، وناقَةُ اللهِ، وكَذَلِكَ الرُوحُ الجِنْسُ كُلُّهُ هو رُوحُ اللهِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "وَصَدَّقَتْ" بِشَدِّ الدالِ، وقَرَأ أبُو مِجْلِزٍ بِتَخْفِيفِها، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "بِكَلِماتِ" عَلى الجَمْعِ، وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ: "بِكَلِمَةٍ" عَلى الإفْرادِ، فَأمّا الإفْرادُ فَيُقَوِّي أنْ يُرِيدَ أمْرَ عِيسى عَلَيْهِ السَلامُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ أنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ وهو التَوْراةُ، ومَن قَرَأ بِالجَمْعِ فَيُقَوِّي أنَّهُ يُرِيدُ التَوْراةَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ أمْرَ عِيسى عَلَيْهِ السَلامُ. وقَرَأ ابْنُ كَثِرٍ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وأبُو بَكْرٍ عن عاصِمٍ، ونافِعٌ: "وَكِتابِهِ" عَلى الوَحِيدِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وحَفْصٌ، عن عاصِمٍ، وخارِجَةُ عن نافِعٍ: "وَكُتُبِهِ" بِضَمِّ التاءِ عَلى الجَمْعِ، وقَرَأ أبُو رَجاءٍ بِسُكُونِ التاءِ: "وَكُتْبِهِ"، وذَلِكَ كُلُّهُ مُرادٌ بِهِ التَوْراةُ والإنْجِيلُ. و"القانِتُونَ": العابِدُونَ، والمَعْنى: كانَتْ مِنَ القَوْمِ القانِتِينَ في عِبادَتِها وحالِ دِينِها. كَمُلَ تَفْسِيرُ سُورَةِ [التَحْرِيمِ]، والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب