الباحث القرآني
(p-٣٢٦)بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ الطَلاقِ
وهِيَ مَدَنِيَّةٌ بِإجْماعِ أهْلِ التَفْسِيرِ.
قوله عزّ وجلّ:
﴿يا أيُّها النَبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وأحْصُوا العِدَّةَ واتَّقُوا اللهَ رَبَّكم لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ولا يَخْرُجْنَ إلا أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وتِلْكَ حُدُودُ اللهَ ومَن يَتَعَدَّ حُدُودُ اللهَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا﴾ ﴿فَإذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أو فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكم وأقِيمُوا الشَهادَةَ لِلَّهِ ذَلِكم يُوعَظُ بِهِ مَن كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ ومَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ ﴿وَيَرْزُقْهُ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ومَن يَتَوَكَّلْ عَلى اللهِ فَهو حَسْبُهُ إنَّ اللهِ بالِغُ أمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهِ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾
الطَلاقُ عَلى الجُمْلَةِ مَكْرُوهٌ، لِأنَّهُ تَبْدِيدٌ شَمْلٍ في الإسْلامِ، ورَوى أبُو مُوسى الأشْعَرِيُّ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ النَبِيَّ ﷺ قالَ: « "لا تُطَلِّقُوا النِساءَ إلّا مِن رِيبَةٍ، فَإنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الذَوّاقِينَ ولا الذَوّاقاتِ"،» ورَوى أنَسٌ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ قالَ: « "ما حَلَفَ بِالطَلاقِ ولا اسْتُحْلِفَ بِهِ إلّا مُنافِقٌ"». واخْتُلِفَ في البِدايَةِ بِالنَبِيِّ ﷺ ثُمَّ قَوْلُهُ تَعالى بَعْدَ ذَلِكَ "طَلَّقْتُمْ"، فَقالَ بَعْضُ النَحْوِيِّينَ -حَكاهُ الزَهْراوِيُّ -:ذَلِكَ خُرُوجٌ مِن مُخاطَبَةِ أفْرادٍ إلى مُخاطَبَةِ جَماعَةٍ، وهَذا مَوْجُودٌ، وقالَ آخَرُونَ مِنهُمْ: إنَّ في نِداءِ النَبِيِّ ﷺ أُرِيدَتْ أُمَّتُهُ مَعَهُ، فَلِذَلِكَ قالَ تَعالى: "طَلَّقْتُمُ"، وقالَ آخَرُونَ مِنهُمْ: إنَّ المَعْنى: يا أيُّها النَبِيُّ قُلْ لَهم إذا طَلَّقْتُمْ، وقالَ آخَرُونَ: إنَّهُ مِن حَيْثُ يَقُولُ الرَجُلُ العَظِيمُ: "فَعَلْنا وصَنَعْنا"، خُوطِبَ النَبِيُّ ﷺ في هَذِهِ (p-٣٢٧)بِـ "طَلَّقْتُمْ" إظْهارًا لِتَعْظِيمِهِ، وهَذا عَلى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعالى في عَبْدِ اللهِ بْن أُبَيٍّ: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ﴾ [المنافقون: ٧] إذا كانَ قَوْلُهُ مِمّا يَقُولُهُ جَماعَةٌ، فَكَذَلِكَ النَبِيُّ ﷺ في هَذِهِ ما يُخاطِبُ بِهِ فَهو خِطابُ لِجَماعَةٍ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والَّذِي يَظْهَرُ لِي في هَذا أنَّهُما خِطابانِ مُفْتَرِقانِ، خُوطِبَ النَبِيُّ ﷺ عَلى مَعْنى تَنْبِيهٍ لِسَماعِ القَوْلِ وتَلَقِّي الأمْرَ، ثُمَّ قِيلَ لَهُ: ﴿إذا طَلَّقْتُمُ﴾، أيْ: أنْتَ وأُمَّتُكَ، فَقَوْلُهُ تَعالى: "إذا طَلَّقْتُمُ" ابْتِداءُ كَلامٍ كَما لَوْ ابْتَدَأ السُورَةَ بِهِ، وطَلاقُ النِساءِ حَلُّ عِصْمَتِهِنَّ، وصُورَةُ ذَلِكَ وتَنْوِيعُهُ مِمّا لا يَخْتَصُّ بِالتَفْسِيرِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾، أيْ: لِاسْتِقْبالِها وقِوامِها وتَقْرِيبِها عَلَيْهِنَّ، وقَرَأ عُثْمانُ، وابْنُ عَبّاسٍ، وأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وجابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ومُجاهِدٌ، وعَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ، وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ"، أيْ: لِاسْتِقْبالِها، ورُوِيَ عن بَعْضِهِمْ وعَنِ ابْنِ عُمَرَ القِراءَتَيْنِ عَنِ النَبِيِّ ﷺ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "لِقُبُلِ طُهْرِهِنَّ".
ومَعْنى هَذِهِ الآيَةِ أنْ لا يُطَلِّقَ أحَدٌ امْرَأتَهُ إلّا في طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّها فِيهِ، هَذا عَلى مَذْهَبِ مالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ وغَيْرِهِ مِمَّنْ قالَ: إنَّ "الأقْراءَ": الأطْهارُ، فَيُطَلِّقُ عِنْدَهُمُ المُطَلِّقُ في طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ، وتُعْتَدُّ بِهِ المَرْأةُ ثُمَّ تَحِيضُ حَيْضَتَيْنِ تَعْتَدُّ بِالطُهْرِ الَّذِي بَيْنَهُما، ثُمَّ تُقِيمُ في الطُهْرِ الثالِثِ مُعْتَدَّةً بِهِ، فَإذا رَأتْ أوَّلَ لِحَيْضَةِ الثالِثَةِ حَلَّتْ، ومَن قالَ: بِأنَّ "الأقْراءَ": الحَيْضُ -وَهُمُ العِراقِيُّونَ- قالَ: "لِعِدَّتِهِنَّ"، مَعْناهُ أنْ تُطَلَّقَ طاهِرًا، فَتَسْتَقْبِلُ ثَلاثَ حِيَضٍ كَوامِلَ، فَإذا رَأتِ الطُهْرَ بَعْدَ الثالِثَةِ حَلَّتْ، ويَخِفُّ عِنْدَ هَؤُلاءِ مَسٌّ في طُهْرِ الطَلاقِ أو لَمْ يَمَسَّ، وكَذَلِكَ مالِكٌ يَقُولُ: "إنْ طَلَّقَ في طُهْرٍ قَدْ مَسَّ فِيهِ مَضى الطَلاقُ"، ولا يَجُوزُ (p-٣٢٨)طَلاقُ الحائِضِ لِأنَّها تَطُولُ العِدَّةُ عَلَيْها، وقِيلَ: بَلْ تَعْتَدُّ، ولَوْ عَلَّلَ بِالتَطْوِيلِ لا يَنْبَغِي أنْ يَجُوزَ ولَوْ رَضِيَتْهُ، والأصْلُ في ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، قالَ: «طَلَّقْتُ امْرَأتِي وهي حائِضٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقالَ لِعُمَرَ: "مُرْهُ فَلْيُراجِعْها ثُمَّ لِيُمْسِكْها حَتّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضُ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ يُطَلِّقُها إنْ شاءَ، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتِي أمَرَ اللهُ تَعالى بِها أنْ يُطَلَّقَ لَها النِساءُ"،» ورَوى حُذَيْفَةُ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ قالَ: « "طَلِّقُوا المَرْأةَ في قُبُلِ طُهْرِها".» ثُمَّ أمَرَ تَعالى بِإحْصاءِ العِدَّةِ لِما يَلْحَقُ ذَلِكَ مِن أحْكامِ الرَجْعَةِ والسُكْنى والمِيراثِ وغَيْرِ ذَلِكَ.
ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى بِأنَّهُنَّ أحَقُّ بِسُكْنى بُيُوتِهِنَّ الَّتِي طُلِّقْنَ فِيها، فَنَهى عن إخْراجِهِنَّ وعن خُرُوجِهِنَّ، وسُنَّةُ ذَلِكَ ألّا تَبِيتَ المَرْأةُ المُطَلَّقَةُ "بَعِيدَةً" عن بَيْتِها ولا تَغِيبَ عنهُ نَهارًا إلّا في ضَرُورَةٍ وما لا خَطْبَ لَهُ مِن جائِزِ التَصَرُّفِ، وذَلِكَ لِحِفْظِ النَسَبِ والتَحَرُّزِ بِالنِساءِ، فَإنْ كانَ البَيْتُ مِلْكًا لِلزَّوْجِ أو بِكِراءٍ مِنهُ فَهَذا حُكْمُهُ، فَإنْ كانَ لَها فَعَلَيْهِ الكِراءُ، فَإنْ كانَ قَدْ أمْتَعَتْهُ مُدَّةَ الزَوْجِيَّةِ فَفي لُزُومِ خُرُوج العِدَّةِ لَهُ قَوْلانِ في المَذْهَبِ: اللَزْمُ رِعايَةً لِانْفِصالِ مُكارَمَةِ النِكاحِ، والسُقُوطُ مِن أجْلِ أنَّ العِدَّةَ مِن سَبَبِ النِكاحِ.
(p-٣٢٩)واخْتَلَفَ الناسُ في مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إلا أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾، فَقالَ قَتادَةُ، والحَسَنُ، ومُجاهِدٌ: ذَلِكَ الزِنا، فَيَخْرُجْنَ لِلْحَدِّ، وهَذا قَوْلُ الشَعْبِيِّ، وزَيْدِ بْنِ أسْلَمَ، وحَمّادٍ، واللَيْثِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: ذَلِكَ البِذاءُ عَلى الأحْماءِ، فَتَخْرُجُ ويُسْقِطُ حَقُّها مِنَ السُكْنى، وتَلْزَمُ الإقامَةُ في مَسْكَنٍ تَتَّخِذُهُ حِفْظًا لِلنَّسَبِ، وفي مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "إلّا أنْ يَفْحُشْنَ عَلَيْكُمْ"، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما أيْضًا: الفاحِشَةُ جَمِيعُ المَعاصِي، فَمَتى سَرَقَتْ أو زَنَتْ أو أرْبَتْ في تِجارَةٍ وغَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ سَقَطَ حَقُّها في السُكْنى، وقالَ ابْنُ عُمَرَ والسُدِّيُّ: الفاحِشَةُ الخُرُوجُ عَنِ البَيْتِ خُرُوجُ انْتِقالٍ، فَمَتى فَعَلَتْ ذَلِكَ فَقَدْ سَقَطَ حَقُّها في السُكْنى، وقالَ قَتادَةُ أيْضًا: المَعْنى: أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ في نُشُوزٍ عَنِ الزَوْجِ فَيُطْلِّقُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَلا يَكُونُ عَلَيْهِ سُكْنى، وقالَ بَعْضُ الناسِ: الفاحِشَةُ مَتى ورَدَتْ مَعْرِفَةً فَهي الزِنا، ومَتى جاءَتْ مُنَكَّرَةً فَهي المَعاصِي، فَمَرَّةً يُرادُ بِها سُوءُ عِشْرَةِ الزَوْجِ ومَرَّةً غَيْرَ ذَلِكَ.
وقَرَأ عاصِمٌ: "مُبَيَّنَةً" بِفَتْحِ الياءِ المُشَدَّدَةِ، تَقُولُ: بانَ الأمْرُ وبَيَّنْتُهُ أنا عَلى تَضْعِيفِ التَعْدِيَةِ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: بِكَسْرِها، تَقُولُ بانَ الأمْرُ وبَيَّنَ بِمَعْنًى واحِدٍ، إلّا أنَّ التَضْعِيفَ لِلْمُبالَغَةِ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: قَدْ بَيَّنَ الصُبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ﴾ إشارَةٌ إلى جَمِيعِ أوامِرِهِ في هَذِهِ الآيَةِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا﴾، قالَ قَتادَةُ وغَيْرُهُ: يُرِيدُ بِهِ الرَجْعَةَ، أيْ: أحْصُوا العِدَّةَ، وامْتَثِلُوا هَذِهِ الأوامِرَ المُتَّفِقَةَ لِنِسائِكُمْ، الحافِظَةَ لِأنْسابِكُمْ، وطَلِّقُوا عَلى السُنَّةِ، تَجِدُوا المَخْلَصَ إنْ نَدِمْتُمْ، فَإنَّكم لا تَدْرُنَ لَعَلَّ الرَجْعَةَ تَكُونُ بَعْدُ، والإحْداثُ هُنا بَيِّنُ التَوَجُّهِ، عِبارَةٌ عَمّا يُوجَدُ مِنَ التَراجُعِ، وجَوَّزَ قَوْمٌ أنْ يَكُونَ المَعْنى: أمْرًا مِنَ النُسَخِ، وفي ذَلِكَ بُعْدٌ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ﴾ يُرِيدُ بِهِ آخِرَ القُرْءِ، و"الإمْساكُ بِالمَعْرُوفِ" هو حُسْنُ العِشْرَةِ في الإنْفاقِ وغَيْرِ ذَلِكَ، و"المُفارَقَةُ بِالمَعْرُوفِ" هو أداءُ المَهْرِ والمُتَعَةُ ودَفْعُ جَمِيعِ الحُقُوقِ والوَفاءُ بِالشُرُوطِ وغَيْرُ ذَلِكَ حَسَبَ نازِلَةٍ نازِلَةٍ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ﴾ يُرِيدُ: عَلى الرَجْعَةِ، وذَلِكَ شَرْطٌ في صِحَّةِ الرَجْعَةِ، (p-٣٣٠)وَلِلْمَرْأةِ مَنعُ الزَوْجِ مِن نَفْسِها حَتّى يَشْهَدَ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: المُرادُ: عَلى الرَجْعَةِ وعَلى الطَلاقِ؛ لِأنَّ الإشْهادَ يَرْفَعُ مِنَ النَوازِلِ إشْكالاتٍ كَثِيرَةً، وتَقْيِيدُ تارِيخِ الإشْهادِ مِنَ الإشْهادِ، وقالَ النَخْعِيُّ: العَدْلُ مَن لَمْ تَظْهَرْ مِنهُ رِيبَةٌ، وهَذا قَوْلُ الفُقَهاءِ، والعَدْلُ حَقِيقَةُ الَّذِي لا يَخافُ إلّا اللهَ تَعالى، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿وَأقِيمُوا الشَهادَةَ لِلَّهِ﴾ أمْرٌ لِلشُّهُودِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكم يُوعَظُ بِهِ﴾ إشارَةٌ إلى إقامَةِ الشَهادَةِ، وذَلِكَ أنَّ جَمِيعَ فُصُولِ الأحْكامِ والأُمُورِ فَإنَّما تَدُورُ عَلى إقامَةِ الشَهادَةِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ ﴿وَيَرْزُقْهُ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾، قالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وكَثِيرٌ مِنَ المُتَأوِّلِينَ: هو في مَعْنى الطَلاقِ، أيْ: ومَن لا يَتَعَدّى في طَلاقِ السُنَّةِ إلى طَلاقِ الثَلاثِ وغَيْرِ ذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ لَهُ مَخْرَجًا إنْ نَدِمَ بِالرَجْعَةِ، المُباحَةِ ويَرْزُقُهُ ما يُطْعِمُ أهْلُهُ، ويُوَسِّعُ عَلَيْهِ، ومَن لا يَتَّقِ اللهَ فَرُبَّما طَلَّقَ وبَتَّ ونَدِمَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَخْرَجٌ، وزالَ عَلَيْهِ رِزْقُ زَوْجَتِهِ، وقَدْ فَسَّرَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما نَحْوَ هَذا، فَقالَ لِلْمُطَلِّقِ ثَلاثًا: أنْتَ لَمْ تَتَّقِ اللهَ تَعالى، فَبانَتْ مِنكَ امْرَأتُكَ ولا أرى لَكَ مَخْرَجًا، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: مَعْنى "يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا "يُخَلِّصُهُ مِن كُرَبِ الدُنْيا والآخِرَةِ، واخْتَلَفَ في ألْفاظِ رِوايَةِ هَذِهِ القِصَّةِ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، لَكِنَّ هَذا هو المَعْنى.
وقالَ بَعْضُ رُواةِ الآثارِ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في عَوْفِ بْنِ مالِكٍ الأشْجَعِيِّ، وذَلِكَ أنَّهُ أُسِرَ ولَدُهُ، وقُدِّرَ عَلَيْهِ، فَشَكا ذَلِكَ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأمَرَ بِالتَقْوى، فَقِيلَ: لَمْ يَلْبَثْ أنْ تَفَلَّتَ ولَدُهُ، وأخَذَ قَطِيعَ غَنَمٍ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ أسَرُوهُ، وجاءَ أباهُ، فَسَألَ عَوْفٌ رَسُولَ اللهِ ﷺ: أتَطِيبُ لَهُ تِلْكَ الغَنَمُ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: نَعَمْ،» ونَزَلَتِ الآيَةُ في ذَلِكَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلى اللهِ فَهو حَسْبُهُ﴾ الآيَةُ كُلُّها لِجَمِيعِ الناسِ، و"الحَسْبُ": الكافِي المَرَضِيُّ، وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: هَذِهِ أكْثَرُ الآياتِ حَضًّا عَلى التَفْوِيضِ، ورُوِيَ أنَّ رَجُلًا قالَ لِعُمْرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ: ولِّنِي مِمّا ولّاكَ اللهُ تَعالى، فَقالَ لَهُ عُمَرُ: أتُقْرَأُ القُرْآنَ؟ قالَ: لا، قالَ عُمَرُ: فَإنّى لا أُولِي مَن لا يَقْرَأُ القُرْآنَ، فَتَعَلَّمَ الرَجُلُ رَجاءَ الوِلايَةِ، فَلَمّا حَفِظَ كَثِيرًا مِنَ القُرْآنِ تَخَلَّفَ عن عُمَرَ، ثُمَّ لَقِيَهُ يَوْمًا فَقالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: ما أبْطَأ بِكَ؟ قالَ: تَعَلَّمْتُ القُرْآنَ فَأغْنانِي اللهُ عن عُمَرَ وعن بابِهِ، ثُمَّ قَرَأ هَذِهِ الآياتِ مِن هَذِهِ السُورَةِ.
(p-٣٣١)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللهَ بالِغُ أمْرِهِ﴾ بَيانٌ وحَضٌّ عَلى التَوَكُّلِ، أيْ: لا بُدَّ مِن نُفُوذِ أمْرِ اللهِ تَعالى تَوَكَّلْتَ أيُّها المَرْءُ أمْ لَمْ تَتَوَكَّلْ قالَهُ مَسْرُوقٌ، فَإنْ تَوَكَّلْتَ كَفاكَ وتَعَجَّلْتَ الراحَةَ والبَرَكَةَ، وإنْ لَمْ تَتَوَكَّلْ وكَلَكَ إلى عَجْزِكَ وتَسَخُّطِكَ، وأمْرُهُ عَزَّ وجَلَّ في الوَجْهَيْنِ نافِذٌ.
وقَرَأ داوُدُ بْنُ هِنْدَ -وَرُوِيَتْ عن أبِي عَمْرٍو - "بالِغُ أمْرُهُ" بِرَفْعِ الأمْرِ، وحُذِفَ مَفْعُولٌ تَقْدِيرُهُ: بالِغٌ أمْرَهُ ما شاءَ، وقَرَأ جُمْهُورُ السَبْعَةِ، والناسُ: "بالِغُ أمْرَهُ" بِنَصْبِ الأمْرِ، وقَرَأ حَفْصٌ والمُفَضَّلُ عن عاصِمٍ: "بالِغُ أمْرِهِ"" عَلى الإضافَةِ وتَرْكِ التَنْوِينَ فِي: "بالِغُ"، ورُوِيَتْ عن أبِي عَمْرٍو، والأعْمَشِ، وهي قِراءَةُ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "قَدْرًا" بِسُكُونِ الدالِ، وقَرَأ بَعْضُ القُرّاءِ: "قَدَرًا" فَتْحُ الدالِ وهَذا كُلُّهُ حَضٌّ عَلى التَوَكُّلِ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحۡصُوا۟ ٱلۡعِدَّةَۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡۖ لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُیُوتِهِنَّ وَلَا یَخۡرُجۡنَ إِلَّاۤ أَن یَأۡتِینَ بِفَـٰحِشَةࣲ مُّبَیِّنَةࣲۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن یَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ لَا تَدۡرِی لَعَلَّ ٱللَّهَ یُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ أَمۡرࣰا","فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ فَارِقُوهُنَّ بِمَعۡرُوفࣲ وَأَشۡهِدُوا۟ ذَوَیۡ عَدۡلࣲ مِّنكُمۡ وَأَقِیمُوا۟ ٱلشَّهَـٰدَةَ لِلَّهِۚ ذَ ٰلِكُمۡ یُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِۚ وَمَن یَتَّقِ ٱللَّهَ یَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجࣰا","وَیَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَیۡثُ لَا یَحۡتَسِبُۚ وَمَن یَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَیۡءࣲ قَدۡرࣰا"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحۡصُوا۟ ٱلۡعِدَّةَۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡۖ لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُیُوتِهِنَّ وَلَا یَخۡرُجۡنَ إِلَّاۤ أَن یَأۡتِینَ بِفَـٰحِشَةࣲ مُّبَیِّنَةࣲۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن یَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ لَا تَدۡرِی لَعَلَّ ٱللَّهَ یُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ أَمۡرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق