الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿ألَمْ يَأْتِكم نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذاقُوا وبالَ أمْرِهِمْ ولَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ ﴿ذَلِكَ بِأنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهم بِالبَيِّناتِ فَقالُوا أبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وتَوَلَّوْا واسْتَغْنى اللهُ واللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى ورَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وذَلِكَ عَلى اللهِ يَسِيرٌ﴾ "ألَمْ يَأْتِكُمْ" جَزْمٌ، أصْلُهُ: يَأْتِيكُمْ، قالَ سِيبَوَيْهِ: "واعْلَمْ أنَّ الآخَرَ إذا كانَ يَسْكُنُ في الرَفْعِ حُذِفَ في الجَزْمِ"، والخِطابُ في هَذِهِ الآيَةِ لِقُرَيْشٍ، ذَكَرُوا ما حَلَّ بِعادٍ وثَمُودَ وقَوْمِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلام وغَيْرِهِمْ مِمَّنْ سَمِعَتْ قُرَيْشٌ أخْبارَهُمْ، و"وَبالُ الأمْرِ": مَكْرُوهُهُ وما يَسُوءُ مِنهُ. (p-٣٢٠)وَقَوْلُهُ تَعالى: "ذَلِكَ بِأنَّهُ" إشارَةٌ إلى ذَوْقِ الوَبالِ وكَوْنِ عَذابِ الآخِرَةِ لَهُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى مِن مَقالاتِ أُولَئِكَ الماضِينَ ما هو مُشْبِهٌ لِقَوْلِ الكُفّارِ مِن قُرَيْشٍ مِنَ اسْتِبْعادِ بَعْثِ اللهِ لِلْبَشَرِ، ونُبُوَّةِ أحَدٍ مِن بَنِي آدَمَ، وحَسَدِ الشَخْصِ المَبْعُوثِ. وقَوْلُهُ: "أبَشَرٌ" رَفْعٌ بِالِابْتِداءِ، وجَمْعُ الضَمِيرِ "يَهْدُونَنا" مِن حَيْثُ كانَ "البَشَرُ" اسْمَ هَذا النَوْعِ الآدَمِيِّ، كَأنَّهم قالُوا: أناسٌ هُداتُنا؟ وقَوْلُهُ تَعالى: "واسْتَغْنى اللهُ" عِبارَةٌ عَمّا ظَهَرَ مِن هَلاكِهِمْ وأنَّهم لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا فَبانَ أنَّهُ كانَ غَنِيًّا أوَّلًا، وبِسَبَبِ ظُهُورِ هَلاكِهِمْ بَعْدَ أنْ لَمْ يَكُنْ ظاهِرًا ساغَ اسْتِعْمالُ هَذا الغِناءِ مُسْتَنَدًا إلى اسْمِ اللهِ تَعالى؛ لِأنَّ بِناءَ "اسْتَفْعَلَ" إنَّما هو لِطَلَبِ الشَيْءِ وتَحْصِيلِهِ بِالطَلَبِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يَخُصُّ قُرَيْشًا ثُمَّ هي بَعْدُ تَعُمُّ كُلَّ كافِرٍ بِالبَعْثِ، وقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "الزَعْمُ كُنْيَةُ الكَذِبِ"، وقالَ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: « "بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَجُلِ زَعَمُوا"،» ولا تُوجَدُ "زَعَمَ" مُسْتَعْمَلَةً في فَصِيحٍ مِنَ الكَلامِ إلّا عِبارَةٌ عَنِ الكَذِبِ أو قَوْلٍ انْفَرَدَ بِهِ قائِلُهُ فَيُرِيدُ ناقِلُهُ أنْ يُلْقِيَ عُهْدَتَهُ عَلى الزاعِمِ، فَفي ذَلِكَ ما يَنْحُو إلى تَضْعِيفِ الزَعْمِ، وقَوْلُ سِيبَوَيْهِ: "زَعَمَ الخَلِيلُ" إنَّما يَجِيءُ فِيما يَنْفَرِدُ بِهِ الخَلِيلُ. ثُمَّ أمَرَهُ تَعالى أنْ يُجِيبَ نَفْيَهم بِما يَقْتَضِي الرَدَّ عَلَيْهِمْ وإيجابَ البَعْثِ وأنْ يُؤَكِّدَ ذَلِكَ بِالقَسَمِ، ثُمَّ تَوَعَّدَهم في آخِرِ الآيَةِ بِأنَّهم يُخْبِرُونَ بِأعْمالِهِمْ عَلى جِهَةِ التَوْقِيفِ والتَوْبِيخِ المُؤَدِّي إلى العِقابِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب