الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿فاتَّقُوا اللهَ ما اسْتَطَعْتُمْ واسْمَعُوا وأطِيعُوا وأنْفِقُوا خَيْرًا لأنْفُسِكم ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ ﴿إنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضاعِفْهُ لَكم ويَغْفِرْ لَكم واللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ﴾ ﴿عالِمُ الغَيْبِ والشَهادَةِ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ (p-٣٢٤)قالَ قَتادَةُ وفَرِيقٌ مِنَ الناسِ: إنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فاتَّقُوا اللهَ ما اسْتَطَعْتُمْ﴾ ناسِخٌ لِقَوْلُهُ تَعالى: ﴿اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ﴾ [آل عمران: ١٠٢]، ورُوِيَ أنَّ الأمْرَ بِحَقِّ التُقاةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلى الناسِ حَتّى نَزَلَ "ما اسْتَطَعْتُمْ"، وذَهَبَتْ فِرْقَةٌ مِنهم أبُو جَعْفَرِ النَحّاسُ إلى أنَّهُ لا نَسْخَ في الآيَتَيْنِ، وأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: "حَقَّ تُقاتِهِ" مَقْصِدُهُ: فِيما اسْتَطَعْتُمْ، ولا يَعْقِلُ أنْ يُطِيعَ أحَدٌ فَوْقَ طاقَتِهِ واسْتِطاعَتِهِ، فَهَذِهِ عَلى هَذا التَأْوِيلِ مُبَيِّنَةٌ لِتِلْكَ، وتَحْتَمِلُ هَذِهِ الآيَةُ أنْ تَكُونَ: فاتَّقُوا اللهَ مُدَّةَ اسْتِطاعَتِكُمُ التَقْوى، وتَكُونُ: "ما" ظَرْفًا لِلزَّمانِ كُلِّهِ، كَأنَّهُ يَقُولُ: حَياتُكم وما دامَ العَمَلُ مُمْكِنًا. قَوْلُهُ تَعالى: "خَيْرًا" ذَهَبَ بَعْضُ النُحاةِ إلى أنَّهُ نُصِبَ عَلى الحالِ، وفي ذَلِكَ ضَعْفٌ، وذَهَبَ آخَرُونَ مِنهم إلى أنَّهُ نُصِبَ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: و"أنْفِقُوا"، قالُوا: والخَبَرُ هُنا المالُ، وذَهَبَ فَرِيقٌ آخَرُونَ مِنهم إلى أنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: إَنْفاقًا خَيْرًا، ومَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أنَّهُ نُصِبَ بِإضْمارِ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ "أنْفِقُوا". وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ: "يُوَقَّ" بِفَتْحِ الواوِ وشَدِّ القافِ، وقَرَأ أبُو عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "شِحَّ" بِكَسْرِ الشِينِ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ في سُورَةِ [الحَشْرِ]، وقالَ الحَسَنُ: نَظَرُكَ إلى امْرَأةٍ لا تَمْلِكُها مِنَ الشُحِّ، «وَقِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، ما يُدْخِلُ العَبْدَ النارَ؟ قالَ: "إذا رَأيْتَ شُحًّا مُطاعًا وهَوًى مُتَّبَعًا وإعْجابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيهِ، فَعَلَيْكَ بِخُوَيْصَةِ نَفْسِكَ".» وقَرَأ جُمْهُورُ السَبْعَةِ: "يُضاعِفُهُ" وقَرَأ ابْنُ كَثِرٍ وابْنُ عامِرٍ: "يُضاعِفُهُ"، وذَهَبَ (p-٣٢٥)بَعْضُ العُلَماءِ إلى أنَّ هَذا الحَضَّ هو عَلى أداءِ الزَكاةِ المَفْرُوضَةِ، وذَهَبَ آخَرُونَ مِنهم إلى أنَّ الآيَةَ في المَندُوبِ إلَيْهِ، وهو الأصَحُّ إنْ شاءَ اللهُ تَعالى. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللهُ شَكُورٌ﴾ إخْبارٌ بِمَجازاتِهِ تَعالى. عَلى الشَيءِ، وأنَّهُ يَحُطُّ بِهِ عَمَّنْ شاءَ اللهُ العَظِيمُ، لا رَبَّ غَيْرُهُ. كَمُلَ تَفْسِيرُ سُورَةِ [ التَغابُنِ ] والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب