الباحث القرآني
قالَ عَزَّ وجَلَّ:
﴿وَإذْ قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إسْرائِيلَ إنِّي رَسُولُ اللهِ إلَيْكم مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَوْراةِ ومُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنَ بَعْدِي اسْمُهُ أحْمَدُ فَلَمّا جاءَهم بِالبَيِّناتِ قالُوا هَذا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ ﴿وَمَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللهِ الكَذِبَ وهو يُدْعى إلى الإسْلامِ واللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظالِمِينَ﴾ ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأفْواهِهِمْ واللهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ﴾
المَعْنى: واذْكُرْ يا مُحَمَّدُ إذْ قالَ عِيسى عَلَيْهِما الصَلاةُ والسَلامُ-، وهَذا مِثالٌ آخَرُ ضَرَبَهُ اللهُ تَعالى لِكُفّارِ قُرَيْشٍ، وحُكِيَ عن مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ أنَّهُ قالَ: "يا قَوْمِ" وعن عِيسى عَلَيْهِ السَلامُ أنَّهُ قالَ: "يا بَنِي إسْرائِيلَ" مِن حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِمْ أبٌ. و"مُصَدِّقًا" حالٌ مُؤَكَّدَةٌ، و"مُبَشِّرًا" عَطْفٌ عَلَيْهِ، وقَوْلُهُ: "يَأْتِي مِن بَعْدِي" وقَوْلُهُ: "اسْمُهُ أحْمَدُ " جُمْلَتانِ كُلُّ واحِدَةٍ مِنهُما في مَوْضِعِ خَفْضٍ عَلى الصِفَةِ لـ"رَسُولٍ"، و" أحْمَدُ " فِعْلٌ سُمِّيَ بِهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ أفْعَلُ كَأسْوَدَ، وهو في هَذِهِ الآيَةِ لِلْكَلِمَةِ لا الشَخْصِ، ولَيْسَتْ عَلى حَدِّ قَوْلِكَ: جاءَنا أحْمَدُ ؛ لِأنَّكَ هاهُنا أوقَعْتَ الِاسْمَ عَلى مُسَمّاهُ، وفي الآيَةِ إنَّما أرادَ: اسْمَهُ هَذِهِ الكَلِمَةَ، وذَكَرَ أبُو عَلِيٍّ هَذا الغَرَضَ، ومِنهُ يَنْفَكُّ إعْرابُ قَوْلِهِ تَعالى: يُقالُ "لَهُ إبْراهِيمُ"، وقَرَأ ابْنُ كَثِرٍ، وأبُو عَمْرٍو، ونافِعٌ، وعاصِمٌ -فِي رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ -: "مِن بَعْدِي" بِفَتْحِ الياءِ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وعاصِمٌ -فى رِوايَةِ حَفْصٍ -: "مِن بَعْدِي" بِسُكُونِ الياءِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا جاءَهم بِالبَيِّناتِ﴾ الآيَةُ... يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ عِيسى عَلَيْهِ السَلامُ، وتَكُونُ الآيَةُ وما بَعْدَها تَمْثِيلًا بِأُولَئِكَ لِهَؤُلاءِ المُعاصِرِينَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ التَمْثِيلُ قَدْ فَرَغَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أحْمَدُ "، ثُمَّ خَرَجَ إلى ذِكْرِ أحْمَدَ، لَمّا تَطَرَّقَ ذِكْرُهُ فَقالَ تَعالى مُخاطَبَةً لِلْمُؤْمِنِينَ: فَلَمّا جاءَ أحْمَدُ هَؤُلاءِ الكُفّارَ قالُوا: هَذا سِحْرٌ مُبِينٌ، و"البَيِّناتُ" هي الآياتُ والعَلاماتُ، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "هَذا سِحْرٌ" إشارَةٌ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ.
(p-٢٩٥)وَقَوْلُهُ تَعالى: "وَمَن أظْلَمُ" تَعْجِيبٌ وتَقْرِيرٌ، أيْ: لا أحَدَ أظْلَمُ مِنهُ، و"افْتِراءُ الكَذِبِ" هو قَوْلُهُمْ: "هَذا سِحْرٌ" وما جَرى مَجْرى هَذا مِنَ الأقْوالِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "يُدْعى" عَلى بِناءِ الفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ، وقَرَأ طَلْحَةُ بْن مُصَرِّفٍ: "يَدَّعِي" بِمَعْنى: يَنْتَمِي ويَنْتَسِبُ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ فَرَمَيْتُ فَوْقَ مُلاءَةٍ مَحْبُوكَةٍ وأبَنْتُ لِلْأشْهادِ حَزَّةُ أدَّعِي
والمَعْنى -عَلى هَذِهِ القِراءَةِ- إنَّما هو إشارَةٌ إلى الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَلامُ، لِما حُكِيَ عَنِ الكُفّارِ أنَّهم قالُوا: "هَذا سِحْرٌ" بَيِّنٌ بَعْدَ ذَلِكَ أنَّ العَقْلَ لا يَقْبَلُهُ، أيْ: وهَلْ أظْلَمُ مِن هَذا الَّذِي يَزْعُمُ أنَّهُ نَبِيٌّ ويَدَّعِي إلى الإسْلامِ وهو مَعَ ذَلِكَ مُفْتَرٍ عَلى رَبِّهِ؟ وهَذا دَلِيلٌ واضِحٌ لِأنَّ مَسالِكَ أهْلِ الِافْتِراءِ والمَخْرَقَةِ إنَّما هي دُونَ هَذا وفي أُمُورٍ خَسِيسَةٍ، وضَبَطَ النَقّاشُ هَذِهِ القِراءَةَ "يُدَّعى" بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الدالِ المُشَدَّدَةِ عَلى ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.
والضَمِيرُ في "يُرِيدُونَ" لِلْكُفّارِ، واللامُ في قَوْلِهِ تَعالى: "لِيُطْفِؤُا" لامٌ مُؤَكِّدَةٌ، دَخَلَتْ عَلى المَفْعُولِ؛ لِأنَّ التَقْدِيرَ: يُرِيدُونَ أنْ يُطْفِئُوا، وأنَّ مَعَ الفِعْلِ بِتَأْوِيلِ المَصْدَرِ، فَكَأنَّهُ تَعالى قالَ: يُرِيدُونَ إطْفاءً، وأكْثَرُ ما تَلْزَمُ هَذِهِ اللامُ المَفْعُولَ إذا تَقَدَّمَ، تَقُولُ: لِزَيْدٍ ضَرَبْتٌ ولِرُؤْيَتِكً قَصَدْتُ. و"نُورُ اللهِ" هو شَرْعُهُ وبَراهِينُهُ، وقَوْلُهُ تَبارَكَ وتَعالى: "بِأفْواهِهِمْ" إشارَةٌ إلى الأقْوالِ، أيْ: بِقَوْلِهِمْ: سِحْرٌ وشِعْرٌ وتَكَهُّنٌ وغَيْرُ ذَلِكَ. وقَرَأ نافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو بَكْرٍ عن عاصِمٍ، وابْنِ مُحَيْصِنٍ، والحَسَنُ وطَلْحَةُ، والأعْرَجُ: "واللهُ مُتِمُّ" بِالتَنْوِينِ "نُورَهُ" بِالنَصْبِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ عن عاصِمٍ، والأعْمَشُ: "واللهُ مُتِمُّ نُورِهِ" بِالإضافَةِ، وهي في مَعْنى الِانْفِصالِ، وفي هَذا نَظَرٌ.
(p-٢٩٦)
{"ayahs_start":6,"ayahs":["وَإِذۡ قَالَ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ یَـٰبَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ إِنِّی رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَیۡكُم مُّصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولࣲ یَأۡتِی مِنۢ بَعۡدِی ٱسۡمُهُۥۤ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَاۤءَهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ قَالُوا۟ هَـٰذَا سِحۡرࣱ مُّبِینࣱ","وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُوَ یُدۡعَىٰۤ إِلَى ٱلۡإِسۡلَـٰمِۚ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ","یُرِیدُونَ لِیُطۡفِـُٔوا۟ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَ ٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ"],"ayah":"وَإِذۡ قَالَ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ یَـٰبَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ إِنِّی رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَیۡكُم مُّصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولࣲ یَأۡتِی مِنۢ بَعۡدِی ٱسۡمُهُۥۤ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَاۤءَهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ قَالُوا۟ هَـٰذَا سِحۡرࣱ مُّبِینࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق