الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وفَتْحٌ قَرِيبٌ وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ﴾ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَن أنْصارِي إلى اللهِ قالَ الحَوارِيُّونَ نَحْنُ أنْصارَ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مَن بَنِي إسْرائِيلَ وكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأيَّدْنا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأصْبَحُوا ظاهِرِينَ﴾ قَوْلُهُ تَعالى: "وَأُخْرى" قالَ الأخْفَشُ: هي في مَوْضِعِ خَفْضٍ عَطْفًا عَلى "تِجارَةٍ"، وهَذا قَوْلٌ قَلِقٌ قَدْ رَدَّ عَلَيْهِ ناسٌ واحْتَجَّ لَهُ آخَرُونَ، والصَحِيحُ ضَعْفُهُ لِأنَّ هَذِهِ "الأُخْرى" لَيْسَتْ مِمّا دَلَّ عَلَيْهِ، إنَّما هي مِمّا أعْطى ثَمَنًا وجَزاءً عَلى الإيمانِ والجِهادِ بِالنَفْسِ والمالِ. وقالَ الفَرّاءُ: "وَأُخْرى" في مَوْضِعِ رَفْعٍ، وقالَ قَوْمٌ: "أُخْرى" في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإضْمارِ فِعْلٍ، كَأنَّهُ تَعالى قالَ: يَغْفِرْ ذُنُوبَكم ويُدْخِلْكم جَنّاتٍ ويَمْنَحْكم أُخْرى وهي النَصْرُ والفَتْحُ القَرِيبُ، وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "نَصْرًا مِنَ اللهِ وفَتْحًا" بِالنَصْبِ فِيهِما، ووَصَفَها تَعالى بِأنَّ النُفُوسَ تُحِبُّها مِن حَيْثُ هي عاجِلَةٌ في الدُنْيا، وقَدْ وُكِّلَتِ النَفْسُ بِحُبِّ العاجِلِ، فَفي هَذا تَحْرِيضٌ، ثُمَّ قَوّاهُ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ﴾، وهَذِهِ الألْفاظُ في غايَةِ الإيجازِ وبَراعَةِ المَعْنى. ثُمَّ نَدَبَ تَعالى المُؤْمِنِينَ إلى النُصْرَةِ، ووَضَعَ لَهم هَذا الِاسْمَ وإنْ كانَ العُرْفُ قَدْ خَصَّ بِهِ الأوسَ والخَزْرَجَ، وسَمّاهُمُ اللهُ تَعالى بِهِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، والأعْرَجُ، وعِيسى: "أنْصارًا" مُنَوَّنًا "لِلَّهِ"، وقَرَأ الباقُونَ، والحَسَنُ، والجَحْدَرِيُّ بِالإضافَةِ، وفي حَرْفِ عَبْدِ اللهِ: "أنْتُمْ أنْصارُ اللهِ". ثُمَّ ضَرَبَ تَعالى المَثَلَ بِقَوْمٍ بادَرُوا حِينَ دُعُوا، وهُمُ الحَوارِيُّونَ، والحَوارِيُّونَ (p-٢٩٨)خُلْصانُ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمْ السَلامُ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأنَّهُ رَدَّدَ اخْتِيارَهم وتَصْفِيَتَهم وكَذَلِكَ رَدَّدَ تَخَيُّلُ الحَوارِيِّ، واللَفْظَتانِ مِن "الحَوَرِ"، وقِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لِبَياضِ ثِيابِهِمْ، وكانُوا غَسّالِينَ نَصَرُوا عِيسى عَلَيْهِ السَلامُ، واسْتَعْمَلَ اسْمَهم حَتّى قِيلَ لِلنّاصِرِ العاضِدِ: حِوارِيٌّ، وقالَ النَبِيُّ ﷺ: « "وَحَوارِيِّي الزُبَيْرِ "،» وافْتِراقِ طَوائِفَ بَنِي إسْرائِيلَ هو في أمْرِ عِيسى عَلَيْهِ السَلامُ، قالَ قَتادَةُ: والطائِفَةُ الكافِرَةُ ثَلاثُ فِرَقٍ: اليَعْقُوبِيَّةُ: وهم قالُوا: هو اللهُ، والإسْرائِيلِيَّةُ وهم قالُوا: هو ابْنُ اللهِ، والنَسْطُورِيَّةُ وهم قالُوا: هو إلَهٌ، وأُمُّهُ إلَهٌ، واللهُ تَعالى ثالِثُهُما، تَعالى اللهُ سُبْحانَهُ عن أقْوالِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأيَّدْنا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأصْبَحُوا ظاهِرِينَ﴾، قِيلَ: ذَلِكَ مُحَمَّدٌ ﷺ، وبَعْدَ فَتْرَةٍ مِن رَفْعِ عِيسى عَلَيْهِ السَلامُ، رَدَّ اللهُ تَعالى الكَرَّةَ لِمَن آمَنَ بِهِ فَغَلَبُوا الكافِرِينَ الَّذِينَ قَتَلُوا صاحِبَهُ الَّذِي أُلْقِيَ عَلَيْهِ الشَبَهُ، وقِيلَ: ذَلِكَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ، أصْبَحَ المُؤْمِنُ بِعِيسى عَلَيْهِ السَلامُ ظاهِرًا لِإيمانِهِ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وذَلِكَ لِأنَّهُ لا يُؤْمِنُ أحَدٌ حَقَّ الإيمانِ بِعِيسى عَلَيْهِ السَلامُ ظاهِرًا لِإيمانِهِ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وذَلِكَ لِأنَّهُ لا يُؤْمِنُ أحَدٌ حَقَّ الإيمانِ بِعِيسى عَلَيْهِ السَلامُ إلّا وفي ضِمْنِ ذَلِكَ الإيمانُ بِمُحَمَّدٍ ﷺ؛ لِأنَّهُ بُشِّرَ بِهِ وحَرَّضَ عَلَيْهِ، وقِيلَ: كانَ المُؤْمِنُونَ قَدِيمًا بِهِ ظاهِرِينَ بِالحُجَّةِ وإنْ ظَلُّوا مُفْتَرِقِينَ في البِلادِ، مَغْلُوبِينَ في ظاهِرِ الحَياةِ الدُنْيا، وقَرَأ مُجاهِدٌ، وحُمَيْدٌ، والأعْرَجُ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ: "فَأيَّدْنا" مُخَفَّفَةَ الياءِ مَمْدُودَةَ الألِفِ. كَمُلَ تَفْسِيرُ سُورَةِ [الصَفِّ] والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب