الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى ودِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أدُلُّكم عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكم مِن عَذابٍ ألِيمٍ﴾ ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللهِ ورَسُولِهِ وتُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ بِأمْوالِكم وأنْفُسِكم ذَلِكم خَيْرٌ لَكم إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿يَغْفِرْ لَكم ذُنُوبَكم ويُدْخِلْكم جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ ومَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنّاتٍ عَدْنٍ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ هَذا تَأْكِيدٌ لِأمْرِ الرِسالَةِ وشَدٌّ لِأزْرِها، كَما يَقُولُ الإنْسانُ لِأمْرٍ يُثْبِتُهُ ويُقَوِّيهِ: أنا فَعَلْتُهُ، أيْ: فَمَن يَقْدِرُ عَلى مُعارَضَتِهِ فَلْيُعارِضْ، و"الرَسُولُ" المُشارُ إلَيْهِ هو مُحَمَّدٌ ﷺ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَلى الدِينِ كُلِّهِ﴾ لَفْظٌ يَصْلُحُ لِلْعُمُومِ، وأنْ يَكُونَ المَعْنى: ألّا يَبْقى مَوْضِعٌ فِيهِ دِينٌ غَيْرُ الإسْلامِ، وهَذا لا يَكُونُ إلّا عِنْدَ نُزُولِ عِيسى عَلَيْهِ السَلامُ، قالَهُ أبُو هُرَيْرَةَ، ومُجاهِدٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: أنْ يُظْهِرَهُ حَتّى لا يُوجَدَ دِينٌ إلّا والإسْلامُ أظْهَرُ مِنهُ، وهَذا قَدْ كانَ ووُجِدَ. ثُمَّ نَدَبَ تَعالى المُؤْمِنِينَ وحَضَّهم عَلى الجِهادِ بِهَذِهِ التِجارَةِ الَّتِي بَيَّنَها، وهي أنْ يُعْطِيَ المَرْءُ نَفْسَه وَمالَهُ ويَأْخُذَ ثَمَنًا جَنَّةَ الخُلْدِ، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ والقُرّاءُ: "تُنْجِيكُمْ" بِتَخْفِيفِ النُونِ وكَسْرِ الجِيمِ دُونَ شَدٍّ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحْدَهُ، والحَسَنُ، والأعْرَجُ، وابْنُ أبِي إسْحاقَ: "تُنَجِّيكُمْ" بِفَتْحِ النُونِ وشَدِّ الجِيمِ. وقَوْلُهُ تَعالى: "تُؤْمِنُونَ" لَفْظُهُ لَفْظُ الخَبَرِ ومَعْناهُ الأمْرُ، أيْ: آمَنُوا، وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ "ألِيمٌ، آمِنُوا بِاللهِ ورَسُولِهِ وجاهِدُوا". وقَوْلُهُ تَعالى: "تُؤْمِنُونَ" فِعْلٌ مَرْفُوعٌ تَقْدِيرُهُ: ذَلِكَ أنَّهُ تُؤْمِنُونَ، وقالَ الأخْفَشُ: هو عَطْفُ بَيانٍ عَلى "تِجارَةٍ"، قالَ المَبَرِّدً: هو بِمَعْنى: آمَنُوا عَلى الأمْرِ، ولِذَلِكَ جاءَ "يَغْفِرْ" مَجْزُومًا، وقَوْلُهُ تَعالى: "ذَلِكُمْ" أشارَ إلى الجِهادِ والإيمانِ، و"خَيْرٌ" هُنا يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ لِلتَّفْضِيلِ، فالمَعْنى: مِن كُلِّ عَمَلٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ إخْبارًا، أنَّ هَذا خَيْرٌ في ذاتِهِ ونَفْسِهِ. والجَزْمُ قَوْلُهُ تَعالى: "يَغْفِرْ" عَلى الجَوابِ لِلْأمْرِ المُقَدَّرِ في "تُؤْمِنُونَ"، أو عَلى ما يَتَضَمَّنُهُ قَوْلُهُ: "هَلْ أدُلُّكُمْ" مِنَ الحَضِّ والأمْرِ، وإلى نَحْوِ هَذا ذَهَبَ الفَرّاءُ، ورُوِيَ (p-٢٩٧)عن أبِي عَمْرِو بْنِ العَلاءِ أنَّهُ قَرَأ: "يُغْفِلُكُمْ" بِإدْغامِ الراءِ في اللامِ، ولا يُجَوِّزُ ذَلِكَ سِيبَوَيْهِ، وقَوْلُهُ تَعالى: "وَمَساكِنَ" عَطْفٌ عَلى "جَنّاتٍ"، و"طَيِّبُ المَساكِنِ": سِعَتُها وجَمالُها، وقِيلَ: طَيِّبُها المَعْرِفَةُ بِدَوامِ أمْرِها. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا هو الصَحِيحُ، وأيُّ طَيِّبٍ مَعَ الفَناءِ والمَوْتِ؟
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب