الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكم في الدِينِ ولَمْ يُخْرِجُوكم مِن دِيارِكم أنْ تَبَرُّوهم وتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللهُ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾ ﴿إنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكم في الدِينِ وأخْرَجُوكم مِن دِيارِكم وظاهَرُوا عَلى إخْراجِكم أنْ تَوَلَّوْهم ومَن يَتَوَلَّهم فَأُولَئِكَ هُمُ الظالِمُونَ﴾ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا جاءَكُمُ المُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أعْلَمُ بِإيمانِهِنَّ فَإنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إلى الكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهم ولا هم يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾
اخْتَلَفَ الناسُ في هَؤُلاءِ الَّذِينَ لَمْ يَنْهَ عنهم أنْ يَبَرُّوا مِنهُمْ، فَقالَ مُجاهِدٌ: هُمُ المُؤْمِنُونَ مِن أهْلِ مَكَّةَ الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يُهاجِرُوا وكانُوا لِذَلِكَ في رُتْبَةِ سُوءٍ لِتَرْكِهِمْ فُرَصَ الهِجْرَةِ، وقالَ آخَرُونَ: أرادَ المُؤْمِنِينَ التارِكِينَ لِلْهِجْرَةِ كانُوا مِن أهْلِ مَكَّةَ ومِن غَيْرِها، وقالَ الحَسَنُ، وأبُو صالِحٍ: أرادَ خُزاعَةَ وبَنِي الحارِثِ وقَبائِلَ مِنَ العَرَبِ كُفّارًا إلّا أنَّهم كانُوا مُظاهِرِينَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، مُحِبِّينَ فِيهِ وفي ظُهُورِهِ، ومِنهم كِنانَةُ وبَنُو الحارِثِ بْنُ عَبْدِ مَناةَ ومُزَيْنَةَ، وقالَ قَوْمٌ: أرادَ مِن كُفّارِ قُرَيْشٍ مَن لَمْ يُقاتِلْ ولا أُخْرِجَ ولا أظْهَرَ سُوءًا، وعَلى هَذَيْنَ القَوْلَيْنِ فالآيَةُ مَنسُوخَةٌ بِالقِتالِ، وقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عنهُما: أرادَ النِساءَ والصِبْيانَ مِنَ الكَفَرَةِ، وقالَ: إنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ بِسَبَبٍ أُمِّ أسْماءَ حِينَ اسْتَأْذَنَتِ النَبِيَّ ﷺ في بِرِّها وصِلَتِها فَأذِنَ لَها، وكانَتِ المَرْأةُ خالَتَها فِيما رُوِيَ فَسَمَّتْها في حَدِيثِها أُمًّا، وقالَ أبُو جَعْفَرِ بْنِ النَحّاسِ، والثَعْلَبِيُّ: أرادَ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَطِيعُوا الهِجْرَةَ، وهَذا قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وقالَ مُرَّةُ الهَمْدانِيُّ، وعَطِيَّةُ العَوْفِيُّ: نَزَلَتْ في قَوْمٍ مِن بَنِي هاشِمٍ مِنهُمُ العَبّاسُ رَضِيَ اللهُ تَعالى عنهُ، وقالَ قَتادَةُ: نَسَخَتْها "فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ". وقَوْلُهُ تَعالى: "أنْ تَبَرُّوهُمْ" بَدَلٌ، وهَذا هو بَدَلُ (p-٢٨٣)الِاشْتِمالِ، و"الإقْساطُ": العَدْلُ، و"ظاهَرُوا" مَعْناهُ: عاوَنُوا، و"الَّذِينَ قاتَلُوا في الدِينِ وأخْرَجُوهُمْ" مَرَدَةُ قُرَيْشٍ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا جاءَكُمُ المُؤْمِناتُ﴾ الآيَةُ... نَزَلَتْ إثْرَ صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ، وذَلِكَ أنَّ الصُلْحَ تَضَمَّنَ أنْ يَرُدَّ المُؤْمِنُونَ إلى الكُفّارِ كُلَّ مَن جاءَ مُسْلِمًا مِن رَجُلٍ وامْرَأةٍ، فَنَقَضَ اللهُ تَعالى مِن ذَلِكَ أمْرَ النِساءِ بِهَذِهِ الآيَةِ، وحَكَمَ أنَّ المُهاجِرَةَ المُؤْمِنَةَ لا تُرَدُّ إلى الكُفْرِ بَلْ تَبْقى تَسْتَبْرِئُ وتَتَزَوَّجُ، ويُعْطى زَوْجُها الكافِرُ الصَداقَ الَّذِي أنْفَقَ، وأمَرَ أيْضًا المُؤْمِنِينَ بِطَلَبِ صَداقِ مَن فَرَّتِ امْرَأتُهُ مِنَ المُؤْمِنِينَ، وحَكَمَ تَعالى بِهَذا في النازِلَةِ، وسَمّاهُنَّ مُؤْمِناتٍ قَبْلَ أنْ يُتَيَقَّنَ ذَلِكَ لِأنَّهُ ظاهِرُ أمْرِهِنَّ، و"مُهاجِراتٍ" نُصِبَ عَلى الحالِ، و"امْتَحِنُوهُنَّ" مَعْناهُ: جَرِّبُوهُنَّ واسْتَخْبِرُوا حَقِيقَةَ ما عِنْدَهُنَّ.
واخْتَلَفَ الناسُ في هَذا الِامْتِحانِ، كَيْفَ كانَ؟ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ، ومُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ: كانَ بِأنْ تَسْتَحْلِفَ المَرْأةُ أنَّها ما هاجَرَتْ لِبُغْضِ زَوْجِها، وبِجَرِيرَةٍ جَرَّتْها، ولا بِسَبَبٍ مِن أعْراضِ الدُنْيا سِوى حُبِّ اللهِ تَعالى ورَسُولِهِ ﷺ والدارِ الآخِرَةِ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما أيْضًا: الِامْتِحانُ أنْ تُطْلَبَ بِأنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلَهَ إلّا اللهُ وأنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَإذا فَعَلْتَ ذَلِكَ لَمْ تُرِدْ، فَقالَ فَرِيقٌ مِنهم عائِشَةُ أُمُّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عنهُا: الِامْتِحانُ هو أنْ تَعْرِضَ عَلَيْها الشُرُوطَ الَّتِي في الآيَةِ بَعْدَ هَذا مِن تَرْكِ السَرِقَةِ والزِنا والبُهْتانِ والعِصْيانِ، فَإذا أقَرَّتْ بِذَلِكَ فَهو امْتِحانُها، وقِيلَ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في أُمَيْمَةَ بِنْتِ بِشْرٍ امْرَأةِ حَسّانَ بْنِ الدَحْداحَةِ، وفي كِتابِ الثَعْلَبِيِّ أنَّها نَزَلَتْ في سُبَيْعَةَ بِنْتِ الحارِثِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿اللهُ أعْلَمُ بِإيمانِهِنَّ﴾ إشارَةٌ إلى الِاسْتِرابَةِ بِبَعْضِهِنَّ، وحَضَّ عَلى امْتِحانِهِنَّ، وذَكَرَ تَعالى العِلَّةَ في ألّا يُرَدَّ النِساءُ إلى الكُفّارِ وهي امْتِناعُ الوَطْءِ وحُرْمَتُهُ، وقَرَأ طَلْحَةُ: "لا هُنَّ يَحْلَلْنَ لَهُمْ".
{"ayahs_start":8,"ayahs":["لَّا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ لَمۡ یُقَـٰتِلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَلَمۡ یُخۡرِجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوۤا۟ إِلَیۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ","إِنَّمَا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ قَـٰتَلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ وَظَـٰهَرُوا۟ عَلَىٰۤ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن یَتَوَلَّهُمۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا جَاۤءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ مُهَـٰجِرَ ٰتࣲ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِیمَـٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَـٰتࣲ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلࣱّ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ یَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّاۤ أَنفَقُوا۟ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَاۤ ءَاتَیۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُوا۟ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ وَسۡـَٔلُوا۟ مَاۤ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡیَسۡـَٔلُوا۟ مَاۤ أَنفَقُوا۟ۚ ذَ ٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ یَحۡكُمُ بَیۡنَكُمۡۖ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ"],"ayah":"إِنَّمَا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ قَـٰتَلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ وَظَـٰهَرُوا۟ عَلَىٰۤ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن یَتَوَلَّهُمۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق