الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿وَهُوَ الَّذِي أنْزَلَ مِنَ السَماءِ ماءً فَأخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأخْرَجْنا مِنهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنهُ حَبًّا مُتَراكِبًا ومِنَ النَخْلِ مِنَ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وجَنّاتٍ مِنَ أعْنابٍ والزَيْتُونَ والرُمّانَ مُشْتَبِهًا وغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إلى ثَمَرِهِ إذا أثْمَرَ ويَنْعِهِ إنَّ في ذَلِكم لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾
"اَلسَّماءُ" - في هَذا المَوْضِعِ -: اَلسَّحابُ؛ وكُلُّ ما أظَلَّكَ فَهو سَماءٌ؛ و"ماءٌ"؛ أصْلُهُ "مَوَهٌ"؛ تَحَرَّكَتِ الواوُ؛ وانْفَتَحَ ما قَبْلَها؛ فَجاءَ "ماهٌ"؛ فَبُدِّلَتِ الهاءُ بِالهَمْزَةِ؛ لِجَلَدِ الهَمْزَةِ؛ لِأنَّ الألِفَ والهاءَ ضَعِيفانِ؛ مَهْمُوسانِ.
وقَوْلُهُ: ﴿نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ ؛ قالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: أيْ: مِمّا يَنْبُتُ؛ وحَسُنَ إطْلاقُ العُمُومِ في "كُلِّ شَيْءٍ"؛ لِأنَّ ذِكْرَ النَباتِ قَبْلَهُ قَدْ قَيَّدَ المَقْصِدَ؛ وقالَ الطَبَرِيُّ: والمُرادُ بِـ "كُلِّ شَيْءٍ": ما يَنْمُو مِن جَمِيعِ الحَيَواناتِ؛ والنَباتِ؛ والمَعادِنِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَتَغَذّى؛ ويَنْمُو بِنُزُولِ الماءِ مِنَ السَماءِ؛ والضَمِيرُ في "مِنهُ"؛ يَعُودُ عَلى النَباتِ؛ وفي الثانِي يَعُودُ عَلى الخَضِرِ؛ و"خَضِرًا"؛ بِمَعْنى "أخْضَرَ"؛ ومِنهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ -: « "اَلدُّنْيا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ"؛» بِمَعْنى: "خَضْراءُ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وكَأنَّ "خَضِرًا"؛ إنَّما يَأْتِي أبَدًا لِمَعْنى النَضارَةِ؛ ولَيْسَ لِلَّوْنِ فِيهِ مَدْخَلٌ؛ و"أخْضَرُ" إنَّما تَمَكُّنُهُ في اللَوْنِ؛ وهو في النَضارَةِ تَجَوُّزٌ.
(p-٤٢٩)وَقَوْلُهُ: ﴿حَبًّا مُتَراكِبًا﴾ ؛ يَعُمُّ جَمِيعَ السَنابِلِ؛ وما شاكَلَها؛ كالصَنَوْبَرِ؛ والرُمّانِ؛ وغَيْرِهِما مِن جَمِيعِ النَباتِ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَمِنَ النَخْلِ﴾ ؛ تَقْدِيرُهُ: ونُخْرِجُ مِنَ النَخْلِ؛ و﴿مِن طَلْعِها قِنْوانٌ﴾ ؛ اِبْتِداءٌ؛ خَبَرُهُ مُقَدَّمٌ؛ والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ المَفْعُولِ بِـ "نُخْرِجُ"؛ و"اَلطَّلْعُ": أوَّلُ ما يَخْرُجُ مِنَ النَخْلَةِ في أكْمامِهِ؛ و"قِنْوانٌ"؛ جَمْعُ "قِنْوٌ"؛ وهو العِذْقُ؛ بِكَسْرِ العَيْنِ؛ وهي الكِباسَةُ؛ و"اَلْعُرْجُونُ": عُودُهُ الَّذِي يَنْتَظِمُ التَمْرَ.
قَرَأ الأعْرَجُ: "قَنْوانٌ"؛ بِفَتْحِ القافِ؛ وقالَ أبُو الفَتْحِ: يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ اسْمًا لِلْجَمْعِ؛ غَيْرَ مُكَسَّرٍ؛ لِأنَّ "فَعْلانٌ"؛ لَيْسَ مِن أمْثِلَةِ الجَمْعِ؛ قالَ المَهْدَوِيُّ: ورُوِيَ عَنِ الأعْرَجِ ضَمُّ القافِ؛ وذَلِكَ أنَّهُ جَمْعُ "قُنْوٌ"؛ بِضَمِّ القافِ؛ قالَ الفَرّاءُ: وهي لُغَةُ قَيْسٍ وأهْلِ الحِجازِ؛ والكَسْرُ أشْهَرُ في العَرَبِ؛ و"قِنْوٌ"؛ يُثَنّى "قَنْوانِ"؛ مُنْصَرِفَةَ النُونِ؛ و"دانِيَةٌ"؛ مَعْناهُ: قَرِيبَةٌ مِنَ المُتَناوَلِ؛ قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ ؛ والبَراءُ بْنُ عازِبٍ ؛ والضَحّاكُ ؛ وقِيلَ: قَرِيبَةٌ بَعْضُها مِن بَعْضٍ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: "وَجَنّاتٍ"؛ بِنَصْبِ "وَجَنّاتٍ"؛ عَطْفًا عَلى قَوْلِهِ تَعالى "نَباتَ"؛ وقَرَأ الأعْمَشُ ؛ ومُحَمَّدُ بْنُ أبِي لَيْلى؛ ورُوِيَتْ عن أبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُ - عن عاصِمٍ: "وَجَنّاتٌ"؛ بِالرَفْعِ؛ عَلى تَقْدِيرِ: "وَلَكم جَنّاتٌ"؛ أو نَحْوِ هَذا؛ وقالَ الطَبَرِيُّ: وهو عُطِفَ عَلى "قِنْوانٌ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقَوْلُهُ ضَعِيفٌ.
﴿والزَيْتُونَ والرُمّانَ﴾ ؛ بِالنَصْبِ؛ إجْماعًا؛ عَطْفًا عَلى قَوْلِهِ تَعالى "حَبًّا"؛ و﴿مُشْتَبِهًا وغَيْرَ مُتَشابِهٍ﴾ ؛ قالَ قَتادَةُ: مَعْناهُ: تَتَشابَهُ في اللَوْنِ؛ وتَتَبايَنُ في الثَمَرِ؛ وقالَ الطَبَرِيُّ: جائِزٌ أنْ تَتَشابَهَ في الثَمَرِ؛ وتَتَبايَنَ في الطَعْمِ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ: تَتَشابَهُ في الطَعْمِ؛ وتَتَبايَنُ في المَنظَرِ؛ وهَذِهِ الأحْوالُ مَوْجُودَةٌ بِالِاعْتِبارِ في أنْواعِ الثَمَراتِ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿ "انْظُرُوا"؛﴾ هو نَظَرُ بَصَرٍ؛ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِكْرَةُ قَلْبٍ؛ وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ؛ وأبُو عَمْرٍو ؛ ونافِعٌ ؛ وابْنُ عامِرٍ ؛ وعاصِمٌ: ﴿ "إلى ثَمَرِهِ"؛﴾ بِفَتْحِ الثاءِ؛ والمِيمِ؛ وهو جَمْعُ "ثَمَرَةٌ"؛ (p-٤٣٠)كَـ "بَقَرَةٌ"؛ و"بَقَرٌ"؛ و"شَجَرَةٌ"؛ و"شَجَرٌ"؛ وقَرَأ يَحْيى بْنُ وثّابٍ ؛ ومُجاهِدٌ: "ثُمُرِهِ"؛ قالا: وهي أصْنافُ المالِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: كَأنَّ المَعْنى: "اُنْظُرُوا إلى الأمْوالِ الَّتِي تُتَحَصَّلُ مِنهُ"؛ وهي قِراءَةُ حَمْزَةَ ؛ والكِسائِيِّ ؛ قالَ أبُو عَلِيٍّ: والأحْسَنُ فِيهِ أنْ يَكُونَ جَمْعَ "ثَمَرَةٌ"؛ كَـ "خَشَبَةٌ"؛ و"خُشُبٌ"؛ و"أكَمَةٌ"؛ و"أُكَمٌ"؛ ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ .............. ∗∗∗ تَرى الأُكْمَ فِيهِ سُجَّدًا لِلْحَوافِرِ
ونَظِيرُهُ في المُعْتَلِّ: "لابَةٌ"؛ و"لُوبٌ"؛ و"ناقَةٌ"؛ و"نُوقٌ"؛ و"ساحَةٌ"؛ و"سُوحٌ"؛ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ جَمْعَ جَمْعٍ؛ فَتَقُولَ: "ثَمَرَةٌ"؛ و"ثِمارٌ"؛ و"ثُمُرٌ"؛ مِثْلَ "حِمارٌ"؛ و"حُمُرٌ"؛ وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "إلى ثُمْرِهِ"؛ بِضَمِّ الثاءِ؛ وإسْكانِ المِيمِ؛ كَأنَّها ذَهَبَتْ إلى طَلَبِ الخِفَّةِ في تَسْكِينِ المِيمِ؛ و"اَلثَّمَرُ"؛ في اللُغَةِ: جَنى الشَجَرِ؛ وما يَطْلُعُ؛ وإنْ سُمِّيَ الشَجَرُ "ثِمارًا"؛ فَتَجَوُّزٌ.
وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "وَيَنْعِهِ"؛ بِفَتْحِ الياءِ؛ وهو مَصْدَرُ "يَنَعَ؛ يَيْنَعُ"؛ إذا نَضِجَ؛ يُقالُ: "يَنَعَ"؛ و"أيْنَعَ"؛ وبِالنُضْجِ فَسَّرَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما - هَذِهِ الآيَةَ؛ ومِنهُ قَوْلُ الحَجّاجِ: "إنِّي لِأرى رُؤُوسًا قَدْ أيْنَعَتْ"؛ ويُسْتَعْمَلُ "يَنَعَ"؛ بِمَعْنى: "اِسْتَقَلَّ؛ واخْضَرَّ ناضِرًا"؛ ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ في قِبابٍ حَوْلَ دَسْكَرَةٍ ∗∗∗ ∗∗∗ حَوْلَها الزَيْتُونُ قَدْ يَنَعا
وقِيلَ في "يَنْعِهِ": إنَّهُ جَمْعُ "يانِعٌ"؛ مِثْلُ: "تاجِرٌ"؛ و"تَجْرٌ"؛ و"راكِبٌ"؛ و"رَكْبٌ"؛ ذَكَرَهُ الطَبَرِيُّ.
وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ؛ وقَتادَةُ ؛ والضَحّاكُ: "وَيُنْعِهِ"؛ بِضَمِّ الياءِ؛ أيْ: نُضْجِهِ؛ وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ ؛ واليَمانِيُّ: "وَيانِعِهِ"؛ وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ في ذَلِكم لآياتٍ﴾ إيجابُ تَنْبِيهٍ؛ وتَذْكِيرٍ؛ وتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مِثْلِهِ.
{"ayah":"وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَیۡءࣲ فَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهُ خَضِرࣰا نُّخۡرِجُ مِنۡهُ حَبࣰّا مُّتَرَاكِبࣰا وَمِنَ ٱلنَّخۡلِ مِن طَلۡعِهَا قِنۡوَانࣱ دَانِیَةࣱ وَجَنَّـٰتࣲ مِّنۡ أَعۡنَابࣲ وَٱلزَّیۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشۡتَبِهࣰا وَغَیۡرَ مُتَشَـٰبِهٍۗ ٱنظُرُوۤا۟ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦۤ إِذَاۤ أَثۡمَرَ وَیَنۡعِهِۦۤۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكُمۡ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











