الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكم أوَّلَ مَرَّةٍ وتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكم وراءَ ظُهُورِكم وما نَرى مَعَكم شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنَّهم فِيكم شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكم وضَلَّ عنكم ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾
هَذِهِ حِكايَةٌ عَمّا يُقالُ لَهم بَعْدَ قَبْضِ أرْواحِهِمْ؛ فَإمّا عِنْدَ خُرُوجِها مِنَ الأجْسادِ؛ وإمّا يَوْمَ القِيامَةِ؛ كُلُّ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ.
و"فُرادى"؛ مَعْناهُ: فَرْدًا فَرْدًا؛ والألِفُ في آخِرِهِ ألِفُ تَأْنِيثٍ؛ ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ تَرى النُعَراتِ الزُرْقَ تَحْتَ لَبانِهِ ∗∗∗ فُرادى ومَثْنى أضْعَفَتْها صَواهِلُهْ
(p-٤٢٢)وَقَرَأ أبُو حَيْوَةَ: "فُرادًا"؛ مُنَوَّنًا؛ عَلى وزْنِ "فُعالًا"؛ وهي لُغَةُ تَمِيمٍ؛ "وَفُرادى"؛ قِيلَ: هو جَمْعُ "فَرَدٌ"؛ بِفَتْحِ الراءِ؛ وقِيلَ: جَمْعُ "فَرْدٌ"؛ بِإسْكانِ الراءِ؛ والمَقْصِدُ في الآيَةِ تَوْقِيفُ الكُفّارِ عَلى انْفِرادِهِمْ؛ وقِلَّةِ النَصِيرِ؛ واحْتِياجِهِمْ إلى اللهِ - عَزَّ وجَلَّ - بِفَقْدِ الخَوَلِ؛ والشُفَعاءِ؛ فَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿كَما خَلَقْناكم أوَّلَ مَرَّةٍ﴾ ؛ تَشْبِيهًا بِالِانْفِرادِ الأوَّلِ؛ في وقْتِ الخِلْقَةِ؛ ويُتَوَجَّهُ مَعْنًى آخَرُ؛ وهُوَ: أنْ يَتَضَمَّنَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿كَما خَلَقْناكُمْ﴾ ؛ زِيادَةَ مَعانٍ عَلى الِانْفِرادِ؛ كَأنَّهُ قالَ: "وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى؛ وبِأحْوالِ كَذا"؛ والإشارَةُ - عَلى هَذا - بِقَوْلِهِ تَعالى "كَما"؛ هي إلى ما قالَهُ النَبِيُّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - في صِفَةِ مَن يُحْشَرُ [مِن] أنَّهم يُحْشَرُونَ حُفاةً؛ عُراةً؛ غُرْلًا.
و"خَوَّلْناكُمْ"؛ مَعْناهُ: أعْطَيْناكُمْ؛ وكانَ أبُو عَمْرِو بْنُ العَلاءِ يُنْشِدُ بَيْتَ زُهَيْرٍ:
؎ هُنالِكَ إنْ يُسْتَخْوَلُوا المالَ يُخْوِلُوا ∗∗∗ ∗∗∗ وإنْ يُسْألُوا يُعْطُوا وإنْ يَيْسِرُوا يُغْلُوا
"وَراءَ ظُهُورِكُمْ"؛ إشارَةٌ إلى الدُنْيا؛ لِأنَّهم يَتْرُكُونَ ذَلِكَ مَوْجُودًا.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَما نَرى مَعَكم شُفَعاءَكُمُ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ تَوْقِيفٌ عَلى الخَطَإ في عِبادَةِ الأصْنامِ؛ وتَعْظِيمِها؛ قالَ الطَبَرِيُّ: ورُوِيَ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في النَضْرِ بْنِ الحارِثِ ؛ لِأنَّهُ قالَ: سَوْفَ تَشْفَعُ لِيَ اللاتُ والعُزّى.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ومَن كانَ مِنَ العَرَبِ يَعْتَقِدُ أنَّها تَشْفَعُ؛ وتُقَرِّبُ إلى اللهِ تَعالى زُلْفى؛ ويَرى شَرِكَتَها بِهَذا الوَجْهِ؛ فَمُخاطَبَتُهم بِالآيَةِ مُتَمَكِّنَةٌ؛ وهَكَذا كانَ الأكْثَرُ؛ ومَن كانَ مِنهم لا يُقِرُّ بِإلَهِ غَيْرِها فَلَيْسَ هو في هَذِهِ الآيَةِ.
(p-٤٢٣)وَقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ؛ وأبُو عَمْرٍو ؛ وعاصِمٌ ؛ وابْنُ عامِرٍ ؛ وحَمْزَةُ: "بَيْنُكُمْ"؛ بِالرَفْعِ؛ وقَرَأ نافِعٌ ؛ والكِسائِيُّ: "بَيْنَكُمْ"؛ بِالنَصْبِ؛ أمّا الرَفْعُ فَعَلى وُجُوهٍ: أوَّلُها أنَّ الظَرْفَ اسْتُعْمِلَ اسْمًا؛ وأُسْنِدَ إلَيْهِ الفِعْلَ؛ كَما قَدِ اسْتَعْمَلُوهُ اسْمًا في قَوْلِهِ تَعالى مِن بَيْنِنا وبَيْنِكَ حِجابٌ ؛ وكَقَوْلِهِمْ فِيما حَكى سِيبَوَيْهِ: "أحْمَرُ بَيْنَ العَيْنَيْنِ"؛ ورَجَّحَ هَذا القَوْلَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ ؛ والوَجْهُ الآخَرُ أنَّ بَعْضَ المُفَسِّرِينَ - مِنهُمُ الزَهْراوِيُّ ؛ والمَهْدَوِيُّ؛ وأبُو الفَتْحِ؛ وسِواهم - حَكَوْا أنَّ "اَلْبَيْنَ"؛ في اللُغَةِ يُقالُ عَلى الِافْتِراقِ؛ وعَلى الوَصْلِ؛ فَكَأنَّهُ قالَ: "لَقَدْ تَقَطَّعَ وصْلُكُمْ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وفي هَذا عِنْدِي اعْتِراضٌ لِأنَّ ذَلِكَ لَمْ يُرْوَ مَسْمُوعًا عَنِ العَرَبِ؛ وإنَّما انْتُزِعَ مِنَ الآيَةِ؛ والآيَةُ مُحْتَمَلَةٌ؛ قالَ الخَلِيلُ في "اَلْعَيْنُ": "والبَيْنُ: اَلْوَصْلُ؛ لِقَوْلِهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ "؛ فَعَلَّلَ سَوْقَ اللَفْظَةِ بِالآيَةِ؛ والآيَةُ مُعَرَّضَةٌ لِغَيْرِ ذَلِكَ؛ أما إنَّ أبا الفَتْحِ قَوّى أنَّ البَيْنَ: اَلْوَصْلُ؛ وقالَ: "وَقَدْ أتْقَنَ ذَلِكَ بَعْضُ المُحَدِّثِينَ بِقَوْلِهِ: قَدْ أنْصَفَ البَيْنُ مِنَ البَيْنِ"؛ والوَجْهُ الثالِثُ مِن وُجُوهِ الرَفْعِ أنْ يَكُونَ "اَلْبَيْنُ"؛ عَلى أصْلِهِ في الفُرْقَةِ؛ مِن: "بانَ؛ يَبِينُ"؛ إذا بَعُدَ؛ ويَكُونَ في قَوْلِهِ تَعالى "تَقَطَّعَ"؛ تَجَوُّزٌ عَلى نَحْوِ ما يُقالُ في الأمْرِ البَعِيدِ في المَسافَةِ: "تَقَطَّعَتِ الفِجاجُ بَيْنَ كَذا؛ وكَذا"؛ عِبارَةً عن بُعْدِ ذَلِكَ؛ ويَكُونَ المَقْصِدُ: "لَقَدْ تَقَطَّعَتِ المَسافَةُ بَيْنَكم لِطُولِها"؛ فَعَبَّرَ عن ذَلِكَ بِالبَيْنِ؛ الَّذِي هو الفُرْقَةُ.
وأمّا وجْهُ قِراءَةِ النَصْبِ فَأنْ يَكُونَ ظَرْفًا؛ ويَكُونَ الفِعْلُ مُسْتَنِدًا إلى شَيْءٍ مَحْذُوفٍ؛ وتَقْدِيرُهُ: "لَقَدْ تَقَطَّعَ الِاتِّصالُ؛ أو الِارْتِباطُ بَيْنَكُمْ"؛ أو نَحْوُ هَذا.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا وجْهٌ واضِحٌ؛ وعَلَيْهِ فَسَّرَهُ الناسُ: مُجاهِدٌ ؛ والسُدِّيُّ ؛ وغَيْرُهُما؛ ووَجْهٌ (p-٤٢٤)آخَرُ يَراهُ أبُو الحَسَنِ الأخْفَشُ ؛ وهو أنْ يَكُونَ الفِعْلُ مُسْنَدًا إلى الظَرْفِ؛ ويَبْقى الظَرْفُ عَلى حالِ نَصْبِهِ؛ وهو في النِيَّةِ مَرْفُوعٌ؛ ومِثْلُ هَذا عِنْدَهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وَأنّا مِنّا الصالِحُونَ ومِنّا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الجن: ١١].
وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ ؛ ومُجاهِدٌ ؛ والأعْمَشُ: "تَقَطَّعَ ما بَيْنَكُمْ"؛ بِزِيادَةِ "ما"؛ "وَضَلَّ"؛ مَعْناهُ: تَلَفَ؛ وذَهَبَ؛ و﴿ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ ؛ يُرِيدُ دَعْواهم أنَّها تَشْفَعُ؛ وتُشارِكُ اللهَ تَعالى في الأُلُوهِيَّةِ.
{"ayah":"وَلَقَدۡ جِئۡتُمُونَا فُرَ ٰدَىٰ كَمَا خَلَقۡنَـٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةࣲ وَتَرَكۡتُم مَّا خَوَّلۡنَـٰكُمۡ وَرَاۤءَ ظُهُورِكُمۡۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمۡ شُفَعَاۤءَكُمُ ٱلَّذِینَ زَعَمۡتُمۡ أَنَّهُمۡ فِیكُمۡ شُرَكَـٰۤؤُا۟ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَیۡنَكُمۡ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق