الباحث القرآني

قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَوَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ ويَعْقُوبَ كُلا هَدَيْنا ونُوحًا هَدَيْنا مِن قَبْلُ ومِن ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وسُلَيْمانَ وأيُّوبَ ويُوسُفَ ومُوسى وهارُونَ وكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ ﴿وَزَكَرِيّا ويَحْيى وعِيسى وإلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصالِحِينَ﴾ ﴿وَإسْماعِيلَ واليَسَعَ ويُونُسَ ولُوطًا وكُلا فَضَّلْنا عَلى العالَمِينَ﴾ "وَوَهَبْنا"؛ عُطِفَ عَلى "آتَيْناها"؛ وإسْحاقُ: اِبْنُهُ مِن سارَةَ؛ ويَعْقُوبُ هو ابْنُ إسْحاقَ ؛ و"كُلًّا"؛ و"نُوحًا"؛ مَنصُوبانِ عَلى المَفْعُولِ؛ مُقَدَّمانِ عَلى الفِعْلِ؛ وقَوْلُهُ: "مِن قَبْلُ"؛ لِقِدَمِهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ وقَوْلُهُ: "وَمِن ذُرِّيَّتِهِ"؛ اَلْمَعْنى: "وَهَدَيْنا مِن ذُرِّيَّتِهِ..."؛ والضَمِيرُ في "ذُرِّيَّتِهِ": قالَ الزَجّاجُ: جائِزٌ أنْ يَعُودَ عَلى إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَلامُ -؛ ويُعْتَرَضَ هَذا بِذِكْرِ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَلامُ -؛ وهو لَيْسَ مِن ذُرِّيَّةِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَلامُ -؛ بَلْ هو ابْنُ أخِيهِ؛ وقِيلَ: اِبْنُ (p-٤٠٩)أُخْتِهِ؛ ويُتَخَرَّجُ عِنْدَ مَن يَرى الخالَ أبًا؛ وقِيلَ: يَعُودُ الضَمِيرُ عَلى نُوحٍ؛ وهَذا هو الجَيِّدُ. وداوُدُ: يُقالُ: هو ابْنُ أيْشى؛ وسُلَيْمانُ: اِبْنُهُ؛ وأيُّوبُ هو - فِيما يُقالُ - أيُّوبُ بْنُ رازِحَ بْنِ عِيصُو بْنِ إسْحاقَ بْنِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَلامُ -؛ ويُوسُفُ هو ابْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحاقَ؛ ومُوسى؛ وهارُونُ - عَلَيْهِما السَلامُ - هُما ابْنا عِمْرانَ بْنِ يَصْهَرَ بْنِ قاهِثَ بْنِ لاوِي بْنِ يَعْقُوبَ؛ ونَصْبُ "داوُدَ"؛ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ بِـ "وَوَهَبْنا"؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ بِـ "هَدَيْنا". وهَذِهِ الأسْماءُ كُلُّها فِيها العُجْمَةُ والتَعْرِيفُ؛ فَهي غَيْرُ مُنْصَرِفَةٍ؛ ومُوسى عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وزْنُهُ "مُفْعِلٌ"؛ فَعَلى هَذا يَنْصَرِفُ في النَكِرَةِ؛ وقِيلَ: وزْنُهُ "فُعْلى"؛ فَعَلى هَذا لا يَنْصَرِفُ في مَعْرِفَةٍ ولا نَكِرَةٍ. ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ ؛ وعْدٌ مِنَ اللهِ - عَزَّ وجَلَّ - لِمَن أحْسَنَ في عَمَلِهِ؛ وتَرْغِيبٌ في الإحْسانِ؛ وزَكَرِيّا - عَلَيْهِ السَلامُ - فِيما يُقالُ - هو ابْنُ آذَنَ بْنِ بَرْكَنا؛ " وعِيسى " - عَلَيْهِ السَلامُ - ابْنُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرانَ بْنِ ياشَهْمَ بْنِ آمُونَ بْنِ حَزْقِياءَ؛ وإلْياسُ - عَلَيْهِ السَلامُ - هو ابْنُ نَسْمى بْنِ فِنْحاصَ بْنِ العَيْزارِ بْنِ هارُونَ بْنِ عِمْرانَ ؛ ورُوِيَ عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُ - أنَّهُ قالَ: إدْرِيسُ هو إلْياسُ - عَلَيْهِ السَلامُ -؛ ورَدَّ ذَلِكَ الطَبَرِيُّ وغَيْرُهُ بِأنَّ إدْرِيسَ هو جَدُّ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَلامُ -؛ تَظاهَرَتْ بِذَلِكَ الرِواياتُ؛ و"زَكَرِيّاءُ"؛ قَرَأتْهُ طائِفَةٌ بِالمَدِّ؛ وقَرَأتْهُ طائِفَةٌ بِالقَصْرِ "زَكَرِيّا"؛ وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ - بِاخْتِلافٍ عنهُ -؛ والحَسَنُ ؛ وقَتادَةُ ؛ بِتَسْهِيلِ الهَمْزَةِ مِن "إلْياسَ". وفِي هَذِهِ الآيَةِ أنَّ عِيسى - عَلَيْهِ السَلامُ - مِن ذُرِّيَّةِ نُوحٍ؛ أو إبْراهِيمَ - عَلَيْهِما السَلامُ -؛ بِحَسَبِ الِاخْتِلافِ في عَوْدِ الضَمِيرِ مِن "ذُرِّيَّتِهِ"؛ وهو ابْنُ ابْنَتِهِ؛ وبِهَذا يُسْتَدَلُّ في الأحْباسِ عَلى أنَّ ولَدَ البِنْتِ مِنَ الذُرِّيَّةِ؛ وإسْماعِيلُ - عَلَيْهِ السَلامُ - هو أكْبَرُ ولَدَيْ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَلامُ -؛ وهو مِن "هاجَرَ"؛ واليَسَعُ: قالَ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: وهو يُوشَعُ بْنُ نُونٍ؛ وقالَ: غَيْرُهُ: هو اليَسَعُ بْنُ أخُطُوبَ بْنِ العَجُوزِ؛ وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "واليَسَعَ"؛ وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: "واللَيْسَعَ"؛ كَأنَّ الألِفَ واللامَ دَخَلَتْ عَلى "فَيْعَلَ"؛ قالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: (p-٤١٠)فالألِفُ واللامُ في "اَلْيَسَعَ"؛ زائِدَةٌ لا تُؤْثِرُ مَعْنى تَعْرِيفٍ؛ لِأنَّها لَيْسَتْ لِلْعَهْدِ؛ كَـ "اَلرَّجُلُ"؛ و"اَلْغُلامُ"؛ ولا لِلْجِنْسِ؛ كَـ "اَلْإنْسانُ"؛ و"اَلْبَهائِمُ"؛ ولا صِفَةً غالِبَةً؛ كَـ " اَلْعَبّاسُ "؛ و" اَلْحارِثُ "؛ لِأنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أنْ يَكُونَ "اَلْيَسَعَ" فِعْلًا؛ وحِينَئِذٍ يَجْرِي صِفَةً؛ وإذا كانَ فِعْلًا وجَبَ أنْ يَلْزَمَهُ الفاعِلُ؛ ووَجَبَ أنْ يُحْكى؛ إذْ هي جُمْلَةٌ؛ ولَوْ كانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِحاقُ اللامِ لَهُ؛ إذِ اللامُ لا تَدْخُلُ عَلى الفِعْلِ؛ فَلَمْ يَبْقَ إلّا أنْ تَكُونَ الألِفُ واللامُ زائِدَةً؛ كَما هي زائِدَةٌ في قَوْلِهِمْ: "اَلْخَمْسَةَ العَشَرَ دِرْهَمًا"؛ وفي قَوْلِ الشاعِرِ: ؎ يا لَيْتَ أُمَّ العَمْرِ كانَتْ صاحِبِي بِالعَيْنِ؛ غَيْرَ مَنقُوطَةٍ؛ وفي قَوْلِهِ: ؎ وجَدْنا الوَلِيدَ بْنَ اليَزِيدِ مُبارَكًا ∗∗∗ ∗∗∗ شَدِيدًا بِأعْباءِ الخِلافَةِ كاهِلُهْ وأمّا "اَللَّيْسَعَ"؛ فالألِفُ واللامُ فِيهِ بِمَنزِلَتِها في " اَلْحارِثُ "؛ و" اَلْعَبّاسُ "؛ لِأنَّهُ مِن أبْنِيَةِ الصِفاتِ؛ لَكِنَّها بِمَنزِلَةِ "اَلْيَسَعَ"؛ في أنَّهُ خارِجٌ عَمّا عَلَيْهِ الأسْماءُ الأعْجَمِيَّةُ؛ إذْ لَمْ يَجِئْ فِيها شَيْءٌ هو عَلى هَذا الوَزْنِ؛ كَما لَمْ يَجِئْ مِنها شَيْءٌ فِيهِ لامُ تَعْرِيفٍ؛ فَهُما مِنَ الأسْماءِ الأعْجَمِيَّةِ؛ إلّا أنَّهُما مُخالِفانِ لِلْأسْماءِ فِيما ذُكِرَ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وأمّا "اَلْيَزِيدَ"؛ فَإنَّهُ لَمّا سُمِّيَ بِهِ أُزِيلَ مِنهُ مَعْنى الفِعْلِ؛ وأُفْرِدَتْ فِيهِ الِاسْمِيَّةُ؛ فَحَصَلَ فِيهِ العَلَمِيَّةُ؛ وزِيدَتْ فِيهِ الألِفُ واللامُ لا لِتَعْرِيفٍ؛ وقالَ الطَبَرِيُّ: دَخَلَتِ الألِفُ واللامُ إتْباعًا لِلَفْظِ "اَلْوَلِيدُ". ويُونُسُ هو ابْنُ مَتّى؛ ويُقالُ: "يُونُسُ"؛ و"يُونَسُ"؛ و"يُونِسُ"؛ وكَذَلِكَ: "يُوسُفُ"؛ و"يُوسَفُ"؛ و"يُوسِفُ"؛ وبِكَسْرِ النُونِ مِن "يُونِسَ"؛ والسِينِ مِن "يُوسِفَ"؛ قَرَأ الحَسَنُ؛ وابْنُ (p-٤١١)مُصَرِّفٍ؛ وابْنُ وثّابٍ ؛ وعِيسى بْنُ عُمَرَ ؛ والأعْمَشُ ؛ في جَمِيعِ القُرْآنِ؛ و"العالَمِينَ"؛ مَعْناهُ: عالَمِي زَمانِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب