الباحث القرآني
(p-٣٥٩)قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿والَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وبُكْمٌ في الظُلُماتِ مَن يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ ومَن يَشَأِ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ﴿قُلْ أرَأيْتَكم إنْ أتاكم عَذابُ اللهِ أو أتَتْكُمُ الساعَةُ أغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ ﴿بَلْ إيّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إلَيْهِ إنْ شاءَ وتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ﴾
كَأنَّهُ قالَ: "وَما مِن دابَّةٍ؛ ولا طائِرٍ؛ ولا شَيْءٍ إلّا فِيهِ آيَةٌ مَنصُوبَةٌ عَلى وحْدانِيَّةِ اللهِ تَعالى ؛ ولَكِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا صُمٌّ؛ وبُكْمٌ؛ لا يَتَلَقَّوْنَ ذَلِكَ؛ ولا يَقْبَلُونَهُ"؛ وظاهِرُ الآيَةِ أنَّها تَعُمُّ كُلَّ مُكَذِّبٍ؛ وقالَ النَقّاشُ: نَزَلَتْ في بَنِي عَبْدِ الدارِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ مِنَ اللهِ - عَزَّ وجَلَّ -؛ بِمَشِيئَتِهِ في خَلْقِهِ؛ فَقالَ مُبْتَدِئًا الكَلامَ: ﴿مَن يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ﴾ ؛ شَرْطٌ وجَوابُهُ؛ وقَوْلُهُ: ﴿فِي الظُلُماتِ﴾ ؛ يَنُوبُ عن "عُمْيٌ"؛ و﴿فِي الظُلُماتِ﴾ ؛ أهْوَلُ عِبارَةً؛ وأفْصَحُ وأوقَعُ في النَفْسِ؛ و"اَلصِّراطُ": اَلطَّرِيقُ الواضِحُ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿قُلْ أرَأيْتَكُمْ﴾ ؛ اِبْتِداءُ احْتِجاجٍ عَلى الكُفّارِ الجاعِلِينَ لِلَّهِ شُرَكاءَ؛ والمَعْنى: "أرَأيْتُمْ إذا خِفْتُمْ عَذابَ اللهِ تَعالى ؛ أو خِفْتُمْ هَلاكًا؛ أو خِفْتُمُ الساعَةَ؛ أتَدْعُونَ أصْنامَكُمْ؛ وتَلْجَؤُونَ إلَيْها في كَشْفِ ذَلِكَ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في قَوْلِكُمْ: إنَّها آلِهَةٌ؟ بَلْ تَدْعُونَ اللهَ الخالِقَ الرَزّاقَ؛ فَيَكْشِفُ ما خِفْتُمُوهُ؛ إنْ شاءَ؛ وتَنْسَوْنَ أصْنامَكم - أيْ تَتْرُكُونَهُمْ"؛ فَعَبَّرَ عَنِ التَرْكِ بِأعْظَمِ وُجُوهِهِ؛ الَّذِي هو مَعَ التَرْكِ ذُهُولٌ؛ وإغْفالٌ؛ فَكَيْفَ يُجْعَلُ إلَهًا مَن هَذِهِ حالُهُ في الشَدائِدِ؛ والأزَماتِ؟
(p-٣٦٠)وَقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ؛ وعاصِمٌ ؛ وأبُو عَمْرٍو ؛ وابْنُ عامِرٍ ؛ وحَمْزَةُ: "أرَأيْتَكُمْ"؛ بِألِفٍ مَهْمُوزَةٍ؛ عَلى الأصْلِ؛ لِأنَّ الهَمْزَةَ عَيْنُ الفِعْلِ؛ وقَرَأ نافِعٌ بِتَخْفِيفِ الهَمْزَةِ بَيْنَ بَيْنَ؛ عَلى عُرْفِ التَخْفِيفِ وقِياسِهِ؛ ورُوِيَ عنهُ أنَّهُ قَرَأها بِألِفٍ ساكِنَةٍ؛ وحَذْفِ الهَمْزَةِ؛ وهَذا تَخْفِيفٌ عَلى غَيْرِ قِياسٍ؛ والكافُ فِي: "أرَأيْتَكَ زَيْدًا؟"؛ و"أرَأيْتَكُمْ؟"؛ لَيْسَتْ بِاسْمٍ؛ وإنَّما هي مُجَرَّدَةٌ لِلْخِطابِ؛ كَما هي في "ذَلِكَ"؛ و"أبْصِرْكَ زَيْدًا"؛ ونَحْوِهِ؛ ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ أنْ "رَأيْتَ"؛ بِمَعْنى العِلْمِ؛ إنَّما تَدْخُلُ عَلى الِابْتِداءِ؛ والخَبَرِ؛ فالأوَّلُ مِن مَفْعُولَيْها؛ هو الثانِي بِعَيْنِهِ؛ والكافُ في "أرَأيْتَكَ زَيْدًا"؛ لَيْسَتِ المَفْعُولَ الثانِيَ؛ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿أرَأيْتَكَ هَذا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ﴾ [الإسراء: ٦٢] ؛ فَإذا لَمْ تَكُنِ اسْمًا صَحَّ أنَّها مُجَرَّدَةٌ لِلْخِطابِ؛ وإذا تَجَرَّدَتْ لِلْخِطابِ صَحَّ أنَّ التاءَ لَيْسَتْ لِلْخِطابِ؛ كَما هي في "أنْتَ"؛ لِأنَّ عَلامَتَيْ خِطابٍ لا تَجْتَمِعانِ عَلى كَلِمَةٍ؛ كَما لا تَجْتَمِعُ عَلامَتا تَأْنِيثٍ؛ ولا عَلامَتا اسْتِفْهامٍ؛ فَلَمّا تَجَرَّدَتِ التاءُ مِنَ الخِطابِ؛ وبَقِيَتْ عَلامَةُ الفاعِلِ فَقَطِ اسْتُغْنِيَ عن إظْهارِ تَغْيِيرِ الجَمْعِ فِيها؛ والتَأْنِيثِ؛ لِظُهُورِ ذَلِكَ في الكَلامِ؛ وبَقِيَتِ التاءُ عَلى حَدٍّ واحِدٍ في الإفْرادِ؛ والتَثْنِيَةِ؛ والجَمْعِ؛ والتَأْنِيثِ؛ ورُوِيَ عن بَعْضِ بَنِي كِلابٍ أنَّهُ قالَ: "أتَعْلَمُكَ كانَ أحَدٌ أشْعَرَ مِن ذِي الرُمَّةِ ؟". فَهَذِهِ الكافُ صِلَةٌ في الخِطابِ.
و﴿أتاكم عَذابُ اللهِ﴾ ؛ مَعْناهُ: أتاكم خَوْفُهُ؛ وأماراتُهُ؛ وأوائِلُهُ؛ مِثْلُ الجُدْبِ؛ والبَأْساءِ؛ والأمْراضِ؛ ونَحْوِها؛ الَّتِي يُخافُ مِنها الهَلاكُ؛ ويَدْعُو إلى هَذا التَأْوِيلِ أنّا لَوْ قَدَّرْنا إتْيانَ العَذابِ؛ وحُلُولَهُ؛ لَمْ يَتَرَتَّبْ أنْ يَقُولَ - بَعْدَ ذَلِكَ - ﴿فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إلَيْهِ﴾ ؛ لِأنَّ ما قَدْ صَحَّ حُلُولُهُ ومَضى عَلى البَشَرِ؛ لا يَصِحُّ كَشْفُهُ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِـ "اَلسّاعَةُ"؛ في هَذِهِ الآيَةِ مَوْتُ الإنْسانِ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿بَلْ إيّاهُ تَدْعُونَ﴾ ؛ اَلْآيَةَ: اَلْمَعْنى: بَلْ لا مَلْجَأ لَكم إلّا اللهُ تَعالى ؛ وأصْنامُكم مُطَّرَحَةٌ؛ مَنسِيَّةٌ؛ و"ما"؛ بِمَعْنى: "اَلَّذِي تَدْعُونَ إلَيْهِ مِن أجْلِهِ"؛ ويَصِحُّ أنْ تَكُونَ "ما" ظَرْفِيَّةً؛ ويَصِحُّ أنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً؛ عَلى حَذْفٍ في الكَلامِ؛ قالَ الزَجّاجُ: هو مِثْلُ: ﴿واسْألِ القَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢] ؛ والضَمِيرُ في "إلَيْهِ"؛ يُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ إلى اللهِ تَعالى ؛ بِتَقْدِيرِ: (p-٣٦١)"فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ فِيهِ إلى اللهِ تَعالى "؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى "ما"؛ بِتَقْدِيرِ: "فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إلَيْهِ"؛ و"إنْ شاءَ"؛ اِسْتِثْناءٌ؛ لِأنَّ المِحْنَةَ إذا أظَلَّتْ عَلَيْهِمْ؛ فَدَعَوْا إلَيْهِ في كَشْفِها؛ وصَرْفِها؛ فَهو - لا إلَهَ إلّا هو - كاشِفٌ؛ إنْ شاءَ؛ ومُصِيبٌ؛ إنْ شاءَ؛ لا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ وتَقَدَّمَ مَعْنى: "تَنْسَوْنَ"؛ و"إيّاهُ"؛ اِسْمٌ مُضْمَرٌ؛ أُجْرِيَ مُجْرى المُظْهَراتِ في أنَّهُ يُضافُ أبَدًا؛ وقِيلَ: هو مُبْهَمٌ؛ ولَيْسَ بِالقَوِيِّ؛ لِأنَّ الأسْماءَ المُبْهَمَةَ مُضَمَّنَةٌ الإشارَةَ إلى حاضِرٍ؛ نَحْوَ: "ذاكَ"؛ و"تِلْكَ"؛ و"هَؤُلاءِ"؛ و"إيّا"؛ لَيْسَ فِيهِ مَعْنى الإشارَةِ.
{"ayahs_start":39,"ayahs":["وَٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا صُمࣱّ وَبُكۡمࣱ فِی ٱلظُّلُمَـٰتِۗ مَن یَشَإِ ٱللَّهُ یُضۡلِلۡهُ وَمَن یَشَأۡ یَجۡعَلۡهُ عَلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ","قُلۡ أَرَءَیۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوۡ أَتَتۡكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَیۡرَ ٱللَّهِ تَدۡعُونَ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ","بَلۡ إِیَّاهُ تَدۡعُونَ فَیَكۡشِفُ مَا تَدۡعُونَ إِلَیۡهِ إِن شَاۤءَ وَتَنسَوۡنَ مَا تُشۡرِكُونَ"],"ayah":"بَلۡ إِیَّاهُ تَدۡعُونَ فَیَكۡشِفُ مَا تَدۡعُونَ إِلَیۡهِ إِن شَاۤءَ وَتَنسَوۡنَ مَا تُشۡرِكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق