الباحث القرآني

(p-٣٤٩)قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَما الحَياةُ الدُنْيا إلا لَعِبٌ ولَهْوٌ ولَلدّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ ﴿قَدْ نَعْلَمُ إنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ ولَكِنَّ الظالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ﴾ هَذا ابْتِداءُ خَبَرٍ عن حالِ الدُنْيا؛ والمَعْنى: "إنَّها إذا كانَتْ فانِيَةً؛ مُنْقَضِيَةً؛ لا طائِلَ لَها؛ أشْبَهَتِ اللَعِبَ واللهْوَ الَّذِي لا طائِلَ لَهُ إذا انْقَضى. وقَرَأ السِتَّةُ مِنَ القُرّاءِ: "وَلَلدّارُ"؛ بِلامَيْنِ؛ و"اَلْآخِرَةُ"؛ نَعْتٌ لِلدّارِ؛ وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحْدَهُ: "وَلَدارُ"؛ بِلامٍ واحِدَةٍ؛ وكَذَلِكَ وقَعَ في مَصاحِفِ الشامِ؛ بِإضافَةِ "اَلدّارُ"؛ إلى "اَلْآخِرَةِ"؛ وهَذا نَحْوُ: "مَسْجِدُ الجامِعِ"؛ أيْ: "مَسْجِدُ اليَوْمِ الجامِعِ"؛ فَكَذَلِكَ هَذا: "وَلَدارُ الحَياةِ الآخِرَةِ". وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ؛ وأبُو عَمْرٍو ؛ وحَمْزَةُ ؛ والكِسائِيُّ ؛ وأبُو بَكْرٍ ؛ عن عاصِمٍ: "يَعْقِلُونَ"؛ عَلى إرادَةِ الغائِبِ؛ وقَرَأ نافِعٌ ؛ وابْنُ عامِرٍ ؛ وحَفْصٌ ؛ عن عاصِمٍ: "تَعْقِلُونَ"؛ عَلى إرادَةِ المُخاطَبِينَ؛ وكَذَلِكَ في "اَلْأعْرافِ"؛ وفي آخِرِ "يُوسُفَ"؛ ووافَقَهم أبُو بَكْرٍ في آخِرِ "يُوسُفَ"؛ فَأمّا "أفَلا يَعْقِلُونَ"؛ في "يـس" فَقَرَأهُ نافِعٌ وابْنُ ذَكْوانَ بِتاءٍ؛ والباقُونَ بِياءٍ. وهَذِهِ الآيَةُ تَتَضَمَّنُ الرَدَّ عَلى قَوْلِهِمْ: ﴿إنْ هي إلا حَياتُنا الدُنْيا﴾ [الأنعام: ٢٩] ؛ وهو المَقْصُودُ بِها؛ ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ ؛ عَلى مَعْنى: "فَقُلْ لَهم يا مُحَمَّدُ؛ إذِ الحالُ عَلى هَذِهِ الصِفَةِ: أفَلا تَعْقِلُونَ؟". وقَوْلُهُ تَعالى ﴿ "قَدْ نَعْلَمُ"؛﴾ اَلْآيَةَ؛ "قَدْ"؛ اَلْمُلازِمُ لِلْفِعْلِ؛ حَرْفٌ يَجِيءُ مَعَ التَوَقُّعِ؛ إمّا عِنْدَ المُتَكَلِّمِ؛ وإمّا عِنْدَ السامِعِ؛ أو مُقَدَّرًا عِنْدَهُ؛ فَإذا كانَ الفِعْلُ خالِصًا لِلِاسْتِقْبالِ؛ كانَ التَوَقُّعُ مِنَ المُتَكَلِّمِ؛ كَقَوْلِكَ: "قَدْ يَقُومُ زَيْدٌ"؛ و"قَدْ يَنْزِلُ المَطَرُ في شَهْرِ كَذا"؛ وإذا كانَ الفِعْلُ ماضِيًا؛ أو فِعْلَ حالٍ بِمَعْنى المُضِيِّ؛ مِثْلَ آيَتِنا هَذِهِ؛ فَإنَّ التَوَقُّعَ لَيْسَ مِنَ المُتَكَلِّمِ؛ بَلِ المُتَكَلِّمُ مُوجِبٌ ما أخْبَرَ بِهِ؛ وإنَّما كانَ التَوَقُّعُ عِنْدَ السامِعِ؛ فَيُخْبِرُهُ المُتَكَلِّمُ بِأحَدِ المُتَوَقَّعَيْنِ. و"نَعْلَمُ"؛ تَتَضَمَّنُ - إذا كانَتْ مِنَ اللهِ تَعالى - اسْتِمْرارَ العِلْمِ؛ وقِدَمَهُ؛ فَهي تَعُمُّ الماضِي؛ والحالَ؛ والِاسْتِقْبالَ؛ ودَخَلَتْ "أنَّ"؛ لِلْمُبالَغَةِ في التَأْكِيدِ. وقَرَأ نافِعٌ وحْدَهُ: "لَيُحْزِنُكَ"؛ مِن "أحْزَنَ"؛ وقَرَأ الباقُونَ: "لَيَحْزُنُكَ"؛ مِن "حَزِنَ الرَجُلُ"؛ وقَرَأ أبُو رَجاءٍ: "لِيُحْزِنْكَ" بِكَسْرِ اللامِ والزايِ؛ وجَزْمِ النُونِ؛ وقَرَأ الأعْمَشُ: (p-٣٥٠)"أنَّهُ" بِفَتْحِ الهَمْزَةِ؛ "يَحْزُنُكَ"؛ بِغَيْرِ لامٍ؛ قالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: تَقُولُ العَرَبُ: "حَزِنَ الرَجُلُ"؛ بِكَسْرِ الزايِ؛ "يَحْزَنُ؛ حَزَنًا وحُزْنًا"؛ و"حَزَنْتُهُ أنا"؛ وحُكِيَ عَنِ الخَلِيلِ أنَّ قَوْلَهُمْ: "حَزَنْتُهُ"؛ لَيْسَ هو تَغْيِيرَ "حَزِنَ"؛ عَلى نَحْوِ "دَخَلَ"؛ و"أدْخَلْتُهُ"؛ ولَكِنَّهُ بِمَعْنى: "جَعَلْتُ فِيهِ حُزْنًا"؛ كَما تَقُولُ: "كَحَلْتُهُ"؛ و"دَهَنْتُهُ"؛ قالَ الخَلِيلُ: ولَوْ أرَدْتَ تَغْيِيرَ "حَزِنَ"؛ لَقُلْتَ: "أحْزَنْتُهُ"؛ وحَكى أبُو زَيْدٍ الأنْصارِيُّ - في كِتابِ "خَبْأةٌ"؛ عَنِ العَرَبِ: "أحْزَنْتُ الرَجُلَ"؛ قالَ أبُو عَلِيٍّ: و"حَزَنْتُ الرَجُلَ"؛ أكْثَرُ اسْتِعْمالًا عِنْدَهم مِن "أحْزَنْتُهُ"؛ فَمَن قَرَأ: "لَيُحْزِنُكَ"؛ بِضَمِّ الياءِ؛ فَهو عَلى القِياسِ في التَغْيِيرِ؛ ومَن قَرَأ: "لَيَحْزُنُكَ"؛ بِفَتْحِ الياءِ؛ وضَمِّ الزايِ؛ فَهو عَلى كَثْرَةِ الِاسْتِعْمالِ. و"اَلَّذِي يَقُولُونَ"؛ لَفْظٌ يَعُمُّ جَمِيعَ أقْوالِهِمُ الَّتِي تَتَضَمَّنُ الرَدَّ عَلى النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ والدَفْعَ في صَدْرِ نُبُوَّتِهِ؛ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: "إنَّهُ كَذّابٌ؛ مُفْتَرٍ؛ ساحِرٌ"؛ وقَوْلِ بَعْضِهِمْ: "إنَّهُ مَجْنُونٌ؛ مَسْحُورٌ"؛ وقَوْلِ بَعْضِهِمْ: "لَهُ رَئِيٌّ مِنَ الجِنِّ"؛ ونَحْوِ هَذا. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ؛ وابْنُ عامِرٍ ؛ وأبُو عَمْرٍو ؛ وعاصِمٌ ؛ وحَمْزَةُ: "لا يُكَذِّبُونَكَ"؛ بِتَشْدِيدِ الذالِ؛ وفَتْحِ الكافِ؛ وقَرَأها ابْنُ عَبّاسٍ ؛ ورَدَّها عَلى قارِئٍ عَلَيْهِ: "يُكَذِّبُونَكَ"؛ بِضَمِّ الياءِ؛ وقالَ: إنَّهم كانُوا يُسَمُّونَهُ الأمِينَ؛ وقَرَأ نافِعٌ ؛ والكِسائِيُّ ؛ بِسُكُونِ الكافِ؛ وتَخْفِيفِ الذالِ؛ وقَرَأها عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُ -؛ وهُما قِراءَتانِ مَشْهُورَتانِ؛ صَحِيحَتانِ؛ واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في مَعْناهُما؛ فَقالَتْ فِرْقَةٌ: هُما بِمَعْنًى واحِدٍ؛ كَما تَقُولُ: "سَقَيْتُ" و"أسْقَيْتُ"؛ و"قَلَّلْتُ"؛ و"أقْلَلْتُ"؛ و"كَثَّرْتُ"؛ و"أكْثَرْتُ"؛ وحَكى الكِسائِيُّ أنَّ العَرَبَ تَقُولُ: "كَذَّبْتُ الرَجُلَ"؛ إذا وجَدَتْهُ كَذّابًا؛ كَما تَقُولُ: "أحْمَدْتُهُ"؛ إذا وجَدَتْهُ مَحْمُودًا؛ فالمَعْنى عَلى قِراءَةِ مَن قَرَأ: "يُكَذِّبُونَكَ"؛ بِتَشْدِيدِ الذالِ؛ أيْ: "لا تَحْزَنْ؛ فَإنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ تَكْذِيبًا يَضُرُّكَ؛ إذْ لَسْتَ بِكاذِبٍ في حَقِيقَتِكَ؛ فَتَكْذِيبُهم كَلا تَكْذِيبَ"؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ: ﴿ "فَإنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ"﴾ عَلى جِهَةِ الإخْبارِ عنهم أنَّهم لا يُكَذِّبُونَ؛ وأنَّهم يَعْلَمُونَ صِدْقَهُ؛ ونُبُوَّتَهُ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ ولَكِنَّهم يَجْحَدُونَ عِنادًا مِنهُمْ؛ وظُلْمًا؛ والآيَةُ عَلى هَذا لا تَتَناوَلُ جَمِيعَ الكُفّارِ؛ بَلْ تَخُصُّ الطائِفَةَ الَّتِي حَكى عنها أنَّها كانَتْ تَقُولُ: "إنّا لَنَعْلَمُ أنَّ مُحَمَّدًا صادِقٌ؛ ولَكِنْ إذا آمَنّا بِهِ فَضَلَتْنا بَنُو هاشِمٍ بِالنُبُوَّةِ؛ فَنَحْنُ لا نُؤْمِنُ بِهِ أبَدًا"؛ رُوِيَتْ هَذِهِ المَقالَةُ عن أبِي جَهْلٍ؛ ومَن جَرى مُجْراهُ؛ وحَكى النَقّاشُ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في الحارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنافٍ؛ فَإنَّهُ كانَ يُكَذِّبُ في العَلانِيَةِ؛ ويُصَدِّقُ في السِرِّ؛ ويَقُولُ: "نَخافُ أنْ تَتَخَطَّفَنا العَرَبُ؛ (p-٣٥١)وَنَحْنُ أكَلَةُ رَأْسٍ"؛ والمَعْنى - عَلى قِراءَةِ مَن قَرَأ: "يُكْذِبُونَكَ"؛ بِتَخْفِيفِ الذالِ - يَحْتَمِلُ ما ذَكَرْناهُ أوَّلًا في "يُكَذِّبُونَكَ"؛ أيْ: "لا يَجِدُونَكَ كاذِبًا في حَقِيقَتِكَ"؛ ويَحْتَمِلُ هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ اللَذَيْنِ ذَكَرْتُ في "يُكَذِّبُونَكَ"؛ بِشَدِّ الذالِ. وآياتُ اللهِ: عَلاماتُهُ؛ وشَواهِدُ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ و"يَجْحَدُونَ"؛ حَقِيقَتُهُ في كَلامِ العَرَبِ: اَلْإنْكارُ بَعْدَ مَعْرِفَةٍ؛ وهو ضِدُّ الإقْرارِ؛ ومَعْناهُ - عَلى تَأْوِيلِ مَن رَأى الآيَةَ في المُعانِدِينَ - مُتَرَتِّبٌ عَلى حَقِيقَتِهِ؛ وهو قَوْلُ قَتادَةَ ؛ والسُدِّيِّ ؛ وغَيْرِهِما؛ وعَلى قَوْلِ مَن رَأى أنَّ الآيَةَ في الكُفّارِ قاطِبَةً؛ دُونَ تَخْصِيصِ أهْلِ العِنادِ؛ يَكُونُ في اللَفْظَةِ تَجَوُّزٌ؛ وذَلِكَ أنَّهم لَمّا أنْكَرُوا نُبُوَّتَهُ؛ ورامُوا تَكْذِيبَهُ بِالدَعْوى الَّتِي لا تُعَضِّدُها حُجَّةٌ؛ عَبَّرَ عن إنْكارِهِمْ بِأقْبَحِ وُجُوهِ الإنْكارِ؛ وهو الجَحْدُ؛ تَغْلِيظًا عَلَيْهِمْ؛ وتَقْبِيحًا لِفِعْلِهِمْ؛ إذْ مُعْجِزاتُهُ؛ وآياتُهُ نَيِّرَةٌ؛ يَلْزَمُ كُلَّ مَفْطُورٍ أنْ يَعْلَمَها؛ ويُقِرَّ بِها. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وجَمِيعُ ما في هَذِهِ التَأْوِيلاتِ؛ مِن نَفْيِ التَكْذِيبِ؛ إنَّما هو عَنِ اعْتِقادِهِمْ؛ وأمّا أقْوالُهم جَمِيعِهِمْ؛ فَمُكَذِّبَةٌ؛ إمّا لَهُ؛ وإمّا لِلَّذِي جاءَ بِهِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وكُفْرُ العِنادِ جائِزُ الوُقُوعِ؛ بِمُقْتَضى النَظَرِ؛ وظَواهِرُ القُرْآنِ تُعْطِيهِ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿وَجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ﴾ [النمل: ١٤] ؛ وغَيْرِها؛ وذَهَبَ بَعْضُ المُتَكَلِّمِينَ إلى المَنعِ مِن جَوازِهِ؛ وذَهَبُوا إلى أنَّ المَعْرِفَةَ تَقْتَضِي الإيمانَ؛ والجَحْدَ يَقْتَضِي الكُفْرَ؛ ولا سَبِيلَ إلى اجْتِماعِهِما؛ وتَأوَّلُوا ظَواهِرَ القُرْآنِ؛ فَقالُوا - في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ "وَجَحَدُوا بِها"﴾ [النمل: ١٤] -: "إنَّها في أحْكامِ التَوْراةِ الَّتِي بَدَّلُوها؛ كَآيَةِ الرَجْمِ؛ وغَيْرِها". قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: (p-٣٥٢)وَدَفْعُ ما يُتَصَوَّرُ ويُعْقَلُ مِن جَوازِ كُفْرِ العِنادِ عَلى هَذِهِ الطَرِيقَةِ صَعْبٌ؛ أما إنَّ كُفْرَ العِنادِ مِنَ العارِفِ بِاللهِ تَعالى وبِالنُبُوَّةِ بَعِيدٌ؛ لِأنَّهُ لا داعِيَةَ إلى كُفْرِ العِنادِ إلّا الحَسَدُ؛ ومَن عَرَفَ اللهَ تَعالى والنُبُوَّةَ؛ وأنَّ مُحَمَّدًا - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - يَجِيئُهُ مَلَكٌ مِنَ السَماءِ؛ فَلا سَبِيلَ إلى بَقاءِ الحَسَدِ مَعَ ذَلِكَ؛ أما إنَّهُ جائِزٌ؛ فَقَدْ رَأى أبُو جَهْلٍ عَلى رَأْسِ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - فَحْلًا عَظِيمًا مِنَ الإبِلِ قَدْ هَمَّ بِأبِي جَهْلٍ؛ ولَكِنَّهُ كَفَرَ مَعَ ذَلِكَ؛ وأسْنَدَ الطَبَرِيُّ «أنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَلامُ - وجَدَ النَبِيَّ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ - حَزِينًا؛ فَسَألَهُ؛ فَقالَ: "كَذَّبَنِي هَؤُلاءِ"؛ فَقالَ: "إنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ؛ بَلْ يَعْلَمُونَ أنَّكَ صادِقٌ؛ ولَكِنَّ الظالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ".» والَّذِي عِنْدِي في كُفْرِ حُيَيِّ بْنِ أخْطَبَ؛ ومَن جَرى مُجْراهُ؛ أنَّهم كانُوا يَرَوْنَ صِفاتِ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ ويَعْرِفُونَها؛ أو أكْثَرَها؛ ثُمَّ يَرَوْنَ مِن آياتِهِ زائِدًا عَلى ما عِنْدَهُمْ؛ فَيَتَعَلَّقُونَ في مُغالَطَةِ أنْفُسِهِمْ بِكُلِّ شُبْهَةٍ؛ بِأضْعَفِ سَبَبٍ؛ وتَتَخالَجُ ظُنُونُهُمْ؛ فَيَقُولُونَ مَرَّةً: "هُوَ ذاكَ"؛ ومَرَّةً: "عَساهُ لَيْسَهُ"؛ ثُمَّ يَنْضافُ إلى هَذا حَسَدُهُمْ؛ وفَقْدُهُمُ الرِياسَةَ؛ فَيَتَزَيَّدُ؛ ويَتَمَكَّنُ إعْراضُهُمْ؛ وكُفْرُهُمْ؛ فَهم عَلى هَذا؛ وإنْ عَرَفُوا أشْياءَ وعانَدُوا فِيها؛ فَقَدْ قَطَعُوا في ذَلِكَ بِأنْفُسِهِمْ عَنِ الوُصُولِ إلى غايَةِ المَعْرِفَةِ؛ وبَقُوا في ظُلْمَةِ الجَهْلِ؛ فَهم جاهِلُونَ بِأشْياءَ؛ مُعانِدُونَ في أشْياءَ غَيْرِها؛ وأنا أسْتَبْعِدُ العِنادَ مَعَ المَعْرِفَةِ التامَّةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب