الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ حَتّى إذا جاءَتْهُمُ الساعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وهم يَحْمِلُونَ أوزارَهم عَلى ظُهُورِهِمْ ألا ساءَ ما يَزِرُونَ﴾
هَذا اسْتِئْنافُ إخْبارٍ عن خَسارَةِ المُكَذِّبِينَ؛ يَتَضَمَّنُ تَعْظِيمَ المُصابِ الَّذِي حَلَّ بِهِمْ؛ وتُسْتَعْمَلُ الخَسارَةُ في مِثْلِ هَذا؛ لِأنَّهُ مَن أخَذَ الكُفْرَ واتَّبَعَهُ؛ فَكَأنَّهُ قَدْ أعْطى الإيمانَ واطَّرَحَهُ؛ فَأشْبَهَتْ صَفْقَةَ أخْذٍ وإعْطاءٍ.
والإشارَةُ بِهَذِهِ الآيَةِ إلى الَّذِينَ قالُوا: "إنَّما هي حَياتُنا الدُنْيا"؛ وقَوْلُهُ: ﴿ "بِلِقاءِ اللهِ"؛﴾ مَعْناهُ: بِالرُجُوعِ إلَيْهِ؛ وإلى أحْكامِهِ؛ وقُدْرَتِهِ؛ كَما تَقُولُ: "لَقِيَ فُلانٌ أعْمالَهُ"؛ أيْ: "لَقِيَ عَواقِبَها؛ ومَآلَها"؛ و"اَلسّاعَةُ": يَوْمُ القِيامَةِ؛ وأُدْخِلَ عَلَيْها تَعْرِيفُ العَهْدِ دُونَ تَقَدُّمِ ذِكْرِها لِشُهْرَتِها؛ واسْتِقْرارِها في النُفُوسِ؛ وذُيُوعِ أمْرِها؛ وأيْضًا فَقَدْ تَضَمَّنَها قَوْلُهُ تَعالى ﴿ "بِلِقاءِ اللهِ".﴾
و"بَغْتَةً"؛ مَعْناهُ: فَجْأةً؛ تَقُولُ: "بَغَتَنِي الأمْرُ"؛ أيْ: "فَجَأنِي"؛ ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ ولَكِنَّهم تابُوا ولَمْ أخْشَ بَغْتَةً ∗∗∗ وأفْظَعُ شَيْءٍ حِينَ يَفْجَؤُكَ البَغْتُ
ونَصْبُها عَلى المَصْدَرِ؛ في مَوْضِعِ الحالِ؛ كَما تَقُولُ: "قَتَلْتُهُ صَبْرًا"؛ ولا يُجِيزُ سِيبَوَيْهِ القِياسَ عَلَيْهِ؛ ولا تَقُولُ: "جاءَ فُلانٌ سُرْعَةً"؛ ونَحْوَهُ.
(p-٣٤٧)وَنِداءُ الحَسْرَةِ عَلى تَعْظِيمِ الأمْرِ وتَشْنِيعِهِ؛ قالَ سِيبَوَيْهِ: وكَأنَّ الَّذِي يُنادِي الحَسْرَةَ؛ أوِ العَجَبَ؛ أوِ السُرُورَ؛ أوِ الوَيْلَ؛ يَقُولُ: "اِقْرَبِي؛ أوِ احْضَرِي؛ فَهَذا وقْتُكِ؛ وزَمَنُكِ"؛ وفي ذَلِكَ تَعْظِيمٌ لِلْأمْرِ عَلى نَفْسِ المُتَكَلِّمِ؛ وعَلى سامِعِهِ؛ إنْ كانَ ثَمَّ سامِعٌ؛ وهَذا التَعْظِيمُ عَلى النَفْسِ والسامِعِ هو المَقْصُودُ أيْضًا بِنِداءِ الجَماداتِ؛ كَقَوْلِكَ: "يا دارُ"؛ و"يا رَبْعُ"؛ وفي نِداءِ ما لا يَعْقِلُ؛ كَقَوْلِهِمْ: "يا جَمَلُ"؛ ونَحْوِ هَذا.
و"فَرَّطْنا"؛ مَعْناهُ: قَصَّرْنا مَعَ القُدْرَةِ عَلى تَرْكِ التَقْصِيرِ؛ وهَذِهِ حَقِيقَةُ التَفْرِيطِ؛ والضَمِيرُ في قَوْلِهِ: "فِيها"؛ عائِدٌ عَلى الساعَةِ؛ أيْ: في التَقْدِمَةِ لَها؛ وهَذا قَوْلُ الحَسَنِ؛ وقالَ الطَبَرِيُّ: يَعُودُ عَلى الصَفْقَةِ الَّتِي يَتَضَمَّنُها ذِكْرُ الخَسارَةِ في أوَّلِ الآيَةِ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ الضَمِيرُ عَلى الدُنْيا؛ إذِ المَعْنى يَقْتَضِيها؛ وتَجِيءَ الظَرْفِيَّةُ أمْكَنَ؛ بِمَنزِلَةِ: "زَيْدٌ في الدارِ"؛ وعَوْدُهُ عَلى الساعَةِ إنَّما مَعْناهُ: في أُمُورِها؛ والِاسْتِعْدادِ لَها؛ بِمَنزِلَةِ: "زِيدٌ في العِلْمِ مُشْتَغِلٌ".
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَهم يَحْمِلُونَ أوزارَهُمْ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ الواوُ واوُ الحالِ؛ والأوزارُ: جَمْعُ " وِزْرٌ "؛ بِكَسْرِ الواوِ؛ وهو الثِقْلُ مِنَ الذُنُوبِ؛ تَقُولُ مِنهُ: " وزَرَ ؛ يَزِرُ"؛ إذا حَمَلَ؛ قالَ اللهُ تَعالى ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ؛ وتَقُولُ: " وزَرَ الرَجُلُ؛ فَهو مَوْزُورٌ"؛ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: والعامَّةُ تَقُولُ: "مَأْزُورٌ"؛ وأمّا إذا اقْتَرَنَ ذَلِكَ بِمَأْجُورٍ فَإنَّ العَرَبَ تَقُولُ: "مَأْزُورٌ"؛ وقَدْ «قالَ النَبِيُّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - لِنِساءٍ لَقِيَهُنَّ مُقْبِلاتٍ مِنَ المَقابِرِ: "اِرْجِعْنَ مَأْزُوراتٍ؛ غَيْرَ مَأْجُوراتٍ"؛» قالَ أبُو عَلِيٍّ وغَيْرُهُ: فَهَذا لِلْإتْباعِ اللَفْظِيِّ؛ والوِزْرُ هُنا تَجَوُّزٌ وتَشْبِيهٌ بِثِقْلِ الأحْمالِ؛ وقَوّى التَشْبِيهَ بِأنْ جَعْلَهُ عَلى الظُهُورِ؛ إذْ هي في العادَةِ مَوْضِعُ حَمْلِ الأثْقالِ؛ ومَن قالَ إنَّهُ مِن "اَلْوَزَرُ"؛ (p-٣٤٨)وَهُوَ الجَبَلُ الَّذِي يُلْتَجَأُ إلَيْهِ؛ ومِنهُ: "اَلْوَزِيرُ"؛ وهو "اَلْمُعِينُ"؛ فَهي مَقالَةٌ غَيْرُ بَيِّنَةٍ؛ وقالَ الطَبَرِيُّ وغَيْرُهُ: هَذا عَلى جِهَةِ الحَقِيقَةِ؛ ورَوَوْا في ذَلِكَ خَبَرًا أنَّ المُؤْمِنَ يَلْقاهُ عَمَلُهُ في أحْسَنِ صُورَةٍ؛ وأفْوَحِها؛ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ؛ ويَقُولُ لَهُ: "طالَما رَكِبْتُكَ في الدُنْيا؛ وأجْهَدْتُكَ؛ فارْكَبْنِي اليَوْمَ"؛ قالَ فَيَحْمِلُهُ تِمْثالُ العَمَلِ؛ وأنَّ الكافِرَ يَلْقاهُ عَمَلُهُ في أقْبَحِ صُورَةٍ؛ وأنْتَنِها؛ فَيَشْتُمُهُ؛ ويَقُولُ: "أنا عَمَلُكَ الخَبِيثُ؛ طالَما رَكِبْتَنِي في الدُنْيا بِشَهَواتِكَ؛ فَأنا أرْكَبُكَ اليَوْمَ"؛ قالَ: فَيَحْمِلُ تِمْثالَ عَمَلِهِ وأوزارِهِ عَلى ظَهْرِهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿ألا ساءَ ما يَزِرُونَ﴾ ؛ إخْبارٌ عن سُوءٍ ما يَأْثَمُونَ؛ مُضَمَّنٌ التَعْظِيمَ لِذَلِكَ؛ والإشادَةَ بِهِ؛ وهَذا كَقَوْلِ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -:« "ألا فَلْيُبَلِّغِ الشاهِدُ الغائِبَ"؛» وقَوْلِهِ: « "ألا هَلْ بَلَّغْتُ؟"؛» فَإنَّما أرادَ الإشادَةَ؛ والتَشْهِيدَ؛ وهَذا كُلُّهُ يَتَضَمَّنُهُ "ألا"؛ وأمّا ﴿ "ساءَ ما يَزِرُونَ"؛﴾ فَهو خَبَرٌ مُجَرَّدٌ؛ كَقَوْلِ الشاعِرِ:
؎ رَضِيتُ خُطَّةَ خَسْفٍ غَيْرَ طائِلَةٍ ∗∗∗ ∗∗∗ فَساءَ هَذا رِضًا يا قَيْسُ عِيلانا
و"ساءَ"؛ فِعْلٌ ماضٍ؛ و"ما"؛ فاعِلَةٌ بِهِ؛ كَما تَقُولُ: "ساءَنِي أمْرُ كَذا"؛ ويُحْتَمَلُ أنْ تُجْرى "ساءَ" هُنا مُجْرى "بِئْسَ"؛ ويُقَدَّرَ لَها ما يُقَدَّرُ لِـ "بِئْسَ"؛ إذْ قَدْ جاءَ في كِتابِ اللهِ تَعالى ﴿ساءَ مَثَلا القَوْمُ﴾ [الأعراف: ١٧٧].
{"ayah":"قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِلِقَاۤءِ ٱللَّهِۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةࣰ قَالُوا۟ یَـٰحَسۡرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطۡنَا فِیهَا وَهُمۡ یَحۡمِلُونَ أَوۡزَارَهُمۡ عَلَىٰ ظُهُورِهِمۡۚ أَلَا سَاۤءَ مَا یَزِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق