الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿قُلْ أيُّ شَيْءٍ أكْبَرُ شَهادَةً قُلْ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وبَيْنَكم وأُوحِيَ إلَيَّ هَذا القُرْآنُ لأُنْذِرَكم بِهِ ومَن بَلَغَ أإنَّكم لَتَشْهَدُونَ أنَّ مَعَ اللهُ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أشْهَدُ قُلْ إنَّما هو إلَهٌ واحِدٌ وإنَّنِي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ﴾
"أيُّ": اِسْتِفْهامٌ؛ وهي مُعْرَبَةٌ مَعَ إبْهامِها؛ وإنَّما كانَ ذَلِكَ لِأنَّها تَلْتَزِمُ الإضافَةَ؛ ولِأنَّها تَتَضَمَّنُ عِلْمَ جُزْءٍ مِنَ المُسْتَفْهَمِ عنهُ غَيْرِ مُعَيَّنٍ؛ لِأنَّكَ إذا قُلْتَ: "أيُّ الرَجُلَيْنِ جاءَنا؟"؛ فَقَدْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ أحَدَهُما جاءَ؛ غَيْرَ مُعَيَّنٍ؛ فَأخْرَجَها هَذانِ الوَجْهانِ عن غَمْرَةِ الإبْهامِ فَأُعْرِبَتْ.
وتَتَضَمَّنُ هَذِهِ الآيَةُ أنَّ اللهَ - عَزَّ وجَلَّ - يُقالُ عَلَيْهِ: "شَيْءٍ"؛ كَما يُقالُ عَلَيْهِ: "مَوْجُودٌ"؛ ولَكِنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ - تَبارَكَ وتَعالى - شَيْءٌ.
و"شَهادَةً"؛ نُصِبَ عَلى التَمْيِيزِ؛ ويَصِحُّ عَلى المَفْعُولِ؛ بِأنْ يُحْمَلَ "أكْبَرُ" عَلى التَشْبِيهِ بِالصِفَةِ المُشَبَّهَةِ بِاسْمِ الفاعِلِ.
وهَذِهِ الآيَةُ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ لِمَن ما في السَماواتِ والأرْضِ قُلْ لِلَّهِ﴾ [الأنعام: ١٢] ؛ في أنِ اسْتَفْهَمَ عَلى جِهَةِ التَوْقِيفِ؛ والتَقْرِيرِ؛ ثُمَّ بادَرَ إلى الجَوابِ؛ إذْ لا تُتَصَوَّرُ فِيهِ مُدافَعَةٌ؛ وهَذا كَما تَقُولُ لِمَن تُخاصِمُهُ؛ وتَتَظَلَّمُ مِنهُ: "مَن أقْدَرُ مَن في البَلَدِ؟"؛ ثُمَّ تُبادِرُ وتَقُولُ: "اَلسُّلْطانُ؛ فَهو يَحُولُ بَيْنَنا"؛ ونَحْوِ هَذا مِنَ الأمْثِلَةِ؛ فَتَقْدِيرُ الآيَةِ أنَّهُ قالَ لَهُمْ: "أيُّ شَيْءٍ أكْبَرُ (p-٣٣٠)شَهادَةً؟ اَللَّهُ أكْبَرُ شَهادَةً؛ فَهو شَهِيدٌ بَيْنِي وبَيْنَكُمْ"؛ فَـ "اَللَّهُ"؛ رُفِعَ بِالِابْتِداءِ؛ وخَبَرُهُ مُضْمَرٌ؛ يَدُلُّ عَلَيْهِ ظاهِرُ الكَلامِ؛ كَما قَدَّرْناهُ؛ و"شَهِيدٌ"؛ خَبَرُ ابْتِداءٍ مُضْمَرٌ.
وقالَ مُجاهِدٌ: اَلْمَعْنى أنَّ اللهَ تَعالى قالَ لِنَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ -: "قُلْ لَهُمْ: أيُّ شَيْءٍ أكْبَرُ شَهادَةً؟ وقُلْ لَهُمْ: اَللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وبَيْنَكُمْ؛ لَمّا عَيُّوا عَنِ الجَوابِ"؛ فَـ "شَهِيدٌ"؛ عَلى هَذا التَأْوِيلِ خَبَرٌ لِـ "اَللَّهُ"؛ ولَيْسَ في هَذا التَأْوِيلِ مُبادَرَةٌ مِنَ السائِلِ إلى الجَوابِ المُرادِ بِقَوْلِهِ: ﴿شَهِيدٌ بَيْنِي وبَيْنَكُمْ﴾ ؛ أيْ: في تَبْلِيغِي.
وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "وَأوحى إلَيَّ هَذا القُرْآنَ"؛ عَلى الفِعْلِ الماضِي؛ ونَصْبِ "اَلْقُرْآنَ"؛ وفي "وَأوحى"؛ ضَمِيرٌ عائِدٌ عَلى اللهِ تَعالى ؛ مِن قَوْلِهِ: ﴿قُلِ اللهُ﴾ ؛ وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "وَأُوحِيَ"؛ عَلى بِناءِ الفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ؛ "اَلْقُرْآنُ"؛ رَفْعًا.
"لِأُنْذِرَكُمْ"؛ مَعْناهُ: لِأُخَوِّفَكم بِهِ العِقابَ؛ والآخِرَةَ؛ و"وَمَن"؛ عُطِفَ عَلى الكافِ والمِيمِ في قَوْلِهِ: "لِأُنْذِرَكُمْ"؛ "وَبَلَغَ"؛ مَعْناهُ - عَلى قَوْلِ الجُمْهُورِ -: بَلاغُ القُرْآنِ؛ أيْ: لِأُنْذِرَكُمْ؛ وأُنْذِرَ مَن بَلَغَهُ؛ فَفي "بَلَغَ"؛ ضَمِيرٌ مَحْذُوفٌ؛ لِأنَّهُ في صِلَةِ "وَمَن"؛ فَحُذِفَ لِطُولِ الكَلامِ؛ وقالَتْ فِرْقَةٌ: "وَمَن بَلَغَ الحُلُمَ"؛ فَفي "بَلَغَ" - عَلى هَذا التَأْوِيلِ - ضَمِيرٌ مُقَدَّرٌ راجِعٌ إلى "وَمَن".
ورُوِيَ في مَعْنى التَأْوِيلِ الأوَّلِ أحادِيثُ؛ مِنها أنَّ النَبِيَّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - قالَ: « "يا أيُّها الناسُ؛ بَلِّغُوا عَنِّي ولَوْ آيَةً؛ فَإنَّهُ مَن بُلِّغَ آيَةً مِن كِتابِ اللهِ تَعالى فَقَدْ بَلَغَهُ أمْرُ اللهِ تَعالى أخَذَهُ أو تَرَكَهُ"؛» ونَحْوُ هَذا مِنَ الأحادِيثِ؛ كَقَوْلِهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: « "مَن بَلَغَهُ هَذا القُرْآنُ فَأنا نَذِيرُهُ".»
(p-٣٣١)وَقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "آيِنَّكُمْ"؛ بِزِيادَةِ ألِفٍ بَيْنَ الهَمْزَةِ الأُولى والثانِيَةِ المُسَهَّلَةِ؛ عامِلَةٍ بَعْدَ هَذا التَسْهِيلِ المُعامَلَةَ قَبْلَ التَسْهِيلِ؛ وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "أيِنَّكُمْ"؛ بِهَمْزَتَيْنِ؛ الثانِيَةُ مُسَهَّلَةٌ؛ دُونَ ألِفٍ بَيْنَهُما؛ وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "آئِنَّكُمْ"؛ اِسْتَثْقَلَتِ اجْتِماعَ الهَمْزَتَيْنِ؛ فَزادَتْ ألِفًا بَيْنَ الهَمْزَتَيْنِ؛ وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "إنَّكُمْ"؛ بِالإيجابِ؛ دُونَ تَقْدِيرٍ.
وهَذِهِ الآيَةُ مَقْصِدُها التَوْبِيخُ؛ وتَسْفِيهُ الرَأْيِ.
و"أُخْرى"؛ صِفَةٌ لِـ "آلِهَةً"؛ وصِفَةُ جَمْعِ ما لا يَعْقِلُ تُجْرى في الإفْرادِ مُجْرى الواحِدَةِ المُؤَنَّثَةِ؛ كَقَوْلِهِ: "مَآرِبُ أُخْرى"؛ وكَذَلِكَ مُخاطَبَتُهُ جَمْعَ ما لا يَعْقِلُ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿يا جِبالُ أوِّبِي مَعَهُ﴾ [سبإ: ١٠] ؛ ونَحْوَ هَذا؛ ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الآلِهَةُ حِجارَةً؛ وعِيدانًا؛ أُجْرِيَتْ هَذا المُجْرى.
ثُمَّ أمَرَهُ اللهُ تَعالى بِالتَبَرِّي مِن شَهادَتِهِمْ؛ والإعْلانِ بِالتَوْحِيدِ لِلَّهِ - تَبارَكَ وتَعالى -؛ والتَبَرِّي مِن إشْراكِهِمْ.
و"وَإنَّنِي"؛ إيجابٌ أُلْحِقَ فِيهِ النُونُ الَّتِي تَلْحَقُ الفِعْلَ؛ لِتَبْقى حَرَكَتُهُ عِنْدَ اتِّصالِ الضَمِيرِ بِهِ؛ في قَوْلِكَ: "وَضَرَبَنِي"؛ ونَحْوِهِ.
وظاهِرُ الآيَةِ أنَّها في عَبَدَةِ الأصْنامِ؛ وذَكَرَ الطَبَرِيُّ أنَّهُ قَدْ ورَدَ مِن وجْهٍ لَمْ تَثْبُتْ صِحَّتُهُ أنَّها نَزَلَتْ في قَوْمٍ مِنَ اليَهُودِ؛ وأُسْنِدَ إلى ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما - قالَ: «جاءَ النَحّامُ بْنُ زَيْدٍ؛ وقَرْدَمُ بْنُ كَعْبٍ ؛ وبَحْرِيُّ بْنُ عُمَيْرٍ؛ فَقالُوا: يا مُحَمَّدُ؛ ما تَعْلَمُ مَعَ اللهِ إلَهًا غَيْرَهُ؟ فَقالَ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - لَهُمْ: "لا إلَهَ إلّا اللهُ؛ بِذَلِكَ أُمِرْتُ"؛ فَنَزَلَتِ الآيَةُ فِيهِمْ.»
{"ayah":"قُلۡ أَیُّ شَیۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَـٰدَةࣰۖ قُلِ ٱللَّهُۖ شَهِیدُۢ بَیۡنِی وَبَیۡنَكُمۡۚ وَأُوحِیَ إِلَیَّ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ أَىِٕنَّكُمۡ لَتَشۡهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخۡرَىٰۚ قُل لَّاۤ أَشۡهَدُۚ قُلۡ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱ وَإِنَّنِی بَرِیۤءࣱ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق