الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهم وكانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنهم في شَيْءٍ إنَّما أمْرُهم إلى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهم بِما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ ﴿مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِها ومَن جاءَ بِالسَيِّئَةِ فَلا يُجْزى إلا مِثْلَها وهم لا يُظْلَمُونَ﴾
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ ؛ والصَحابَةُ؛ وقَتادَةُ: اَلْمُرادُ بِـ "اَلَّذِينَ": اَلْيَهُودُ والنَصارى؛ أيْ: فَرَّقُوا دِينَ إبْراهِيمَ؛ الحَنِيفِيَّةَ؛ وأُضِيفَ الدِينُ إلَيْهِمْ مِن حَيْثُ كانَ يَنْبَغِي أنْ يَلْتَزِمُوهُ؛ إذْ هو دِينُ اللهِ تَعالى الَّذِي ألْزَمَهُ العِبادَ؛ فَهو دِينُ جَمِيعِ الناسِ بِهَذا الوَجْهِ؛ ووَصَفَهم بِالشِيَعِ؛ إذْ كُلُّ طائِفَةٍ مِنهم لَها فِرَقٌ؛ واخْتِلافاتٌ؛ فَفي الآيَةِ حَضٌّ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - عَلى الِائْتِلافِ؛ وقِلَّةِ الِاخْتِلافِ؛ وقالَ أبُو الأحْوَصِ ؛ وأُمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عنها -؛ زَوْجُ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: اَلْآيَةُ في أهْلِ البِدَعِ؛ والأهْواءِ؛ والفِتَنِ؛ ومَن جَرى مُجْراهم مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ -؛ أيْ: فَرَّقُوا دِينَ الإسْلامِ.
(p-٥٠٢)وَقَرَأ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ ؛ وحَمْزَةُ ؛ والكِسائِيُّ: "فارَقُوا"؛ ومَعْناهُ: "تَرَكُوا"؛ ثُمَّ بَيَّنَ قَوْلُهُ: "وَكانُوا شِيَعًا"؛ أنَّهم فَرَّقُوهُ أيْضًا؛ والشِيَعُ: جَمْعُ "شِيعَةٌ"؛ وهي الفِرْقَةُ؛ عَلى مَقْصِدِ ما يَتَشايَعُونَ عَلَيْهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿لَسْتَ مِنهم في شَيْءٍ﴾ ؛ أيْ: "لا تَشْفَعُ لَهُمْ؛ ولا لَهم بِكَ تَعَلُّقٌ"؛ وهَذا عَلى الإطْلاقِ في الكُفّارِ؛ وعَلى جِهَةِ المُبالَغَةِ في العُصاةِ؛ والمُتَنَطِّعِينَ في الشَرْعِ؛ لِأنَّهم لَهم حَظٌّ مِن تَفْرِيقِ الدِينِ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿إنَّما أمْرُهم إلى اللهِ﴾ ؛ إلى آخِرِ الآيَةِ؛ وعِيدٌ مَحْضٌ؛ والقَرِينَةُ المُتَقَدِّمَةُ تَقْتَضِي أنَّ: ﴿أمْرُهم إلى اللهِ﴾ ؛ فِيهِ وعِيدٌ؛ كَما أنَّ القَرِينَةَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَمَن جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِن رَبِّهِ فانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وأمْرُهُ إلى اللهِ﴾ [البقرة: ٢٧٥] ؛ تُعْطِي أنَّ في ذَلِكَ الأمْرِ رَجاءً؛ كَأنَّهُ قالَ: "وَأمْرُهُ في إقْبالٍ؛ وإلى خَيْرٍ".
وقَرَأ النَخَعِيُّ ؛ والأعْمَشُ ؛ وأبُو صالِحٍ: "فَرَّقُوا"؛ بِتَخْفِيفِ الراءِ؛ وقالَ السُدِّيُّ: هَذِهِ آيَةٌ لَمْ يُؤْمَرْ فِيها بِقِتالٍ؛ وهي مَنسُوخَةٌ بِالقِتالِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا كَلامٌ غَيْرُ مُتْقَنٍ؛ فَإنَّ الآيَةَ خَبَرٌ؛ لا يَدْخُلُهُ نَسْخٌ؛ ولَكِنَّها تَضَمَّنَتْ بِالمَعْنى أمْرًا بِمُوادَعَةٍ؛ فَيُشْبِهُ أنْ يُقالَ: إنَّ النَسْخَ وقَعَ في ذَلِكَ المَعْنى الَّذِي تَقَرَّرَ في آياتٍ أُخَرَ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ قالَ أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ ؛ وعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -: هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ في الأعْرابِ الَّذِينَ آمَنُوا بَعْدَ الهِجْرَةِ؛ فَضاعَفَ اللهُ حَسَناتِهِمْ؛ لِلْحَسَنَةِ عَشْرٌ؛ وكانَ المُهاجِرُونَ قَدْ ضُوعِفَ لَهُمُ؛ لِلْحَسَنَةِ سَبْعُمِائَةٍ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا تَأْوِيلٌ يَحْتاجُ إلى سَنَدٍ يَقْطَعُ العُذْرَ.
وقالَتْ فِرْقَةٌ: هَذِهِ الآيَةُ لِجَمِيعِ الأُمَّةِ؛ أيْ: "إنَّ اللهَ تَعالى يُضاعِفُ الحَسَنَةَ بِعَشْرٍ؛ ثُمَّ بَعْدَ هَذا (p-٥٠٣)المَضْمُونِ قَدْ يَزِيدُ ما يَشاءُ؛ وقَدْ يَزِيدُ أيْضًا عَلى بَعْضِ الأعْمالِ كَنَفَقَةِ الجِهادِ؛ وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ؛ ومُجاهِدٌ ؛ والقاسِمُ بْنُ أبِي بَزَّةَ؛ وغَيْرُهُمْ: اَلْحَسَنَةُ هَهُنا: "لا إلَهَ إلّا اللهُ"؛ والسَيِّئَةُ: "اَلْكُفْرُ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذِهِ هي الغايَةُ مِنَ الطَرَفَيْنِ.
وقالَتْ فِرْقَةٌ: ذَلِكَ لَفْظٌ عامٌّ في جَمِيعِ الحَسَناتِ والسَيِّئاتِ؛ وهَذا هو الظاهِرُ؛ وأُنِّثَ لَفْظُ العَشْرِ لِأنَّ الأمْثالَ هَهُنا بِالمَعْنى حَسَناتٌ؛ ويُحْتَمَلُ أنَّ الأمْثالَ أُنِّثَ لَمّا أُضِيفَ إلى مُؤَنَّثٍ؛ وهو الضَمِيرُ؛ كَما قالَ الشاعِرُ:
؎ مَشَيْنَ كَما اهْتَزَّتْ رِماحٌ تَسَفَّهَتْ ∗∗∗ أعالِيَها مَرُّ الرِياحِ النَواسِمِ
فَأنَّثَ.
وقَرَأ الحَسَنُ؛ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ؛ وعِيسى بْنُ عُمَرَ ؛ والأعْمَشُ ؛ ويَعْقُوبُ: "فَلَهُ عَشْرٌ"؛ بِالتَنْوِينِ؛ "أمْثالُها"؛ بِالرَفْعِ.
ورُوِيَ عَنِ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - أنَّهُ قالَ: « "اَلْأعْمالُ سِتٌّ مُوجِبَةٌ ومُوجِبَةٌ؛ ومُضَعَّفَةٌ ومُضَعَّفَةٌ؛ ومِثْلٌ ومِثْلٌ؛ فَلا إلَهَ إلّا اللهُ تُوجِبُ الجَنَّةَ؛ والشِرْكُ يُوجِبُ النارَ؛ ونَفَقَةُ الجِهادِ تُضَعَّفُ سَبْعَمِائَةِ ضِعْفٍ؛ والنَفَقَةُ عَلى الأهْلِ حَسَنَتُها بِعَشْرٍ؛ والسَيِّئَةُ جَزاؤُها مِثْلُها؛ ومَن هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ مِثْلُها".»
(p-٥٠٤)وَقَوْلُهُ تَعالى ﴿ "لا يُظْلَمُونَ"؛﴾ أيْ: لا يُوضَعُ في جَزائِهِمْ شَيْءٌ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ؛ وتَقْدِيرُ الآيَةِ: "مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ ثَوابُ عَشْرِ أمْثالِها"؛ والمُماثَلَةُ بَيْنَ الحَسَنَةِ والثَوابِ مُتَرَتِّبَةٌ إذا تَدَبَّرْتَ؛ وقالَ الطَبَرِيُّ: قَوْلُهُ: "مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ"؛ اَلْآيَةَ؛ يُرِيدُ: مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ؛ أيْ: "مَن جاءَ مُؤْمِنًا فَلَهُ الجَنَّةُ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: والقَصْدُ بِالآيَةِ إلى العُمُومِ في جَمِيعِ العالَمِ ألْيَقُ بِاللَفْظِ.
{"ayahs_start":159,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ فَرَّقُوا۟ دِینَهُمۡ وَكَانُوا۟ شِیَعࣰا لَّسۡتَ مِنۡهُمۡ فِی شَیۡءٍۚ إِنَّمَاۤ أَمۡرُهُمۡ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ یُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا۟ یَفۡعَلُونَ","مَن جَاۤءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَاۖ وَمَن جَاۤءَ بِٱلسَّیِّئَةِ فَلَا یُجۡزَىٰۤ إِلَّا مِثۡلَهَا وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ"],"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ فَرَّقُوا۟ دِینَهُمۡ وَكَانُوا۟ شِیَعࣰا لَّسۡتَ مِنۡهُمۡ فِی شَیۡءٍۚ إِنَّمَاۤ أَمۡرُهُمۡ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ یُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا۟ یَفۡعَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق