الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أو يَأْتِيَ رَبُّكَ أو يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبُّكَ يَوْمَ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبُّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أو كَسَبَتْ في إيمانُها خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ﴾
اَلضَّمِيرُ في "يَنْظُرُونَ"؛ هو لِلطّائِفَةِ الَّتِي قِيلَ لَها قَبْلُ: ﴿فَقَدْ جاءَكم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكُمْ﴾ [الأنعام: ١٥٧] ؛ وهُمُ العادِلُونَ بِرَبِّهِمْ؛ مِنَ العَرَبِ الَّذِينَ مَضَتْ أكْثَرُ آياتِ السُورَةِ في جِدالِهِمْ؛ و"يَنْظُرُونَ"؛ مَعْناهُ: يَنْتَظِرُونَ؛ و"اَلْمَلائِكَةُ"؛ هُنا؛ يُرادُ بِها مَلائِكَةُ المَوْتِ؛ الَّذِينَ يَصْحَبُونَ "عِزْرائِيلَ"؛ اَلْمَخْصُوصَ بِقَبْضِ الأرْواحِ؛ قالَهُ مُجاهِدٌ ؛ وقَتادَةُ ؛ وابْنُ جُرَيْجٍ ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ المَلائِكَةَ الَّذِينَ يَتَصَرَّفُونَ في قِيامِ الساعَةِ؛ وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: "إلّا أنْ يَأْتِيَهُمُ"؛ بِالياءِ؛ وقَرَأ الباقُونَ: "تَأْتِيَهُمُ"؛ بِالتاءِ مِن فَوْقُ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿أو يَأْتِيَ رَبُّكَ﴾ ؛ قالَ الطَبَرِيُّ: "لِمَوْقِفِ الحِسابِ يَوْمَ القِيامَةِ"؛ وأسْنَدَ ذَلِكَ إلى قَتادَةَ وجَماعَةٍ مِنَ المُتَأوِّلِينَ؛ ويَحْكِي الزَجّاجُ أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿أو يَأْتِيَ (p-٤٩٩)رَبُّكَ﴾ ؛ أيْ: "اَلْعَذابُ الَّذِي يُسَلِّطُهُ اللهُ تَعالى في الدُنْيا عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ؛ كالصَيْحاتِ؛ والرَجْفاتِ؛ والخَسْفِ؛ ونَحْوِها".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا الكَلامُ - عَلى كُلِّ تَأْوِيلٍ - فَإنَّما هو بِحَذْفِ مُضافٍ؛ تَقْدِيرُهُ: "أمْرُ رَبِّكَ"؛ أو: "بَطْشُ رَبِّكَ"؛ أو: "حِسابُ رَبِّكَ"؛ وإلّا فالإتْيانُ المَفْهُومُ مِنَ اللُغَةِ مُسْتَحِيلٌ في حَقِّ اللهِ تَعالى ؛ ألا تَرى أنَّ اللهَ تَعالى يَقُولُ: ﴿فَأتاهُمُ اللهُ مِن حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾ [الحشر: ٢] ؟ فَهَذا إتْيانٌ قَدْ وقَعَ؛ وهو عَلى المَجازِ؛ وحَذْفِ المُضافِ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿أو يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ﴾ ؛ أمّا ظاهِرُ اللَفْظِ - لَوْ وقَفْنا مَعَهُ - فَيَقْتَضِي أنَّهُ تَوَعَّدَهم بِالشَهِيرِ الفَظِيعِ مِن أشْراطِ الساعَةِ؛ دُونَ أنْ يَخُصَّ مِن ذَلِكَ شَرْطًا؛ يُرِيدُ بِذَلِكَ الإبْهامَ؛ الَّذِي يَتْرُكُ السامِعَ مَعَ أقْوى تَخَيُّلِهِ؛ لَكِنْ لَمّا قالَ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها﴾ ؛ وبَيَّنَتِ الآثارُ الصِحاحُ؛ في البُخارِيِّ ومُسْلِمٍ ؛ أنَّ الآيَةَ الَّتِي مَعَها هَذا الشَرْطُ هي طُلُوعُ الشَمْسِ مِنَ المَغْرِبِ؛ وقَوّى أنَّ الإشارَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿أو يَأْتِيَ رَبُّكَ أو يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبُّكَ﴾ ؛ إنَّما هي إلى طُلُوعِ الشَمْسِ مِن مَغْرِبِها؛ وقالَ بِهَذا التَأْوِيلِ مُجاهِدٌ ؛ وقَتادَةُ ؛ والسُدِّيُّ ؛ وغَيْرُهُمْ؛ ويُقَوِّي أيْضًا أنْ تَكُونَ الإشارَةُ إلى غَرْغَرَةِ الإنْسانِ عِنْدَ المَوْتِ؛ أو ما يَكُونُ في مَثابِتِها؛ لِمَن لَمْ يُغَرْغِرْ؛ فَفي الحَدِيثِ أنَّ تَوْبَةَ العَبْدِ تُقْبَلُ؛ ما لَمْ يُغَرْغِرْ؛ وهَذا إجْماعٌ؛ لِأنَّ مَن غَرْغَرَ؛ وعايَنَ؛ فَهو في عِدادِ المَوْتى؛ وكَوْنِ المَرْءِ في هَذِهِ الحالَةِ مِن آياتِ اللهِ تَعالى ؛ وهَذا عَلى مَن يَرى المَلائِكَةَ المُتَصَرِّفِينَ في قِيامِ الساعَةِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: فَمَقْصِدُ هَذِهِ الآيَةِ تَهْدِيدُ الكافِرِينَ بِأحْوالٍ لا يَخْلُونَ مِنها؛ كَأنَّهُ قالَ: "هَلْ يَنْظُرُونَ - مَعَ إقامَتِهِمْ عَلى الكُفْرِ - إلّا المَوْتَ الَّذِي لَهم بَعْدَهُ أشَدُّ العَذابِ؛ والأخْذاتِ المَعْهُودَةِ لِلَّهِ - عَزَّ وجَلَّ -؛ أوِ الآياتِ الَّتِي تَرْفَعُ التَوْبَةَ؛ وتُعْلِمُ بِقُرْبِ القِيامَةِ؟".
(p-٥٠٠)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ويَصِحُّ أنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: ﴿أو يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ﴾ ؛ جَمِيعَ ما يُقْطَعُ بِوُقُوعِهِ مِن أشْراطِ الساعَةِ؛ ثُمَّ خَصَّصَ - بَعْدَ ذَلِكَ - بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿أو يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ الَّتِي تَرْفَعُ التَوْبَةَ مَعَها؛ وقَدْ بَيَّنَتِ الأحادِيثُ أنَّها طُلُوعُ الشَمْسِ مِن مَغْرِبِها.
وقَرَأ زُهَيْرُ الفُرْقُبِيُّ: "يَوْمُ يَأْتِي"؛ بِالرَفْعِ؛ وهو عَلى الِابْتِداءِ؛ والخَبَرُ في الجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ: "لا يَنْفَعُ"؛ إلى آخِرِ الآيَةِ؛ والعائِدُ مِنَ الجُمْلَةِ مَحْذُوفٌ؛ لِطُولِ الكَلامِ؛ وقَرَأ ابْنُ سِيرِينَ ؛ وعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو ؛ وأبُو العالِيَةِ: "لا تَنْفَعُ"؛ بِتاءٍ؛ وأنَّثَ الإيمانَ؛ لَمّا أُضِيفَ إلى مُؤَنَّثٍ؛ أو لَمّا نُزِّلَ مَنزِلَةَ التَوْبَةِ؛ وقالَ جُمْهُورُ أهْلِ التَأْوِيلِ - كَما تَقَدَّمَ -: اَلْآيَةُ الَّتِي لا تَنْفَعُ التَوْبَةُ مِنَ الشِرْكِ؛ أو مِنَ المَعاصِي بَعْدَها؛ هي طُلُوعُ الشَمْسِ مِنَ المَغْرِبِ؛ ورُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّها إحْدى ثَلاثٍ؛ إمّا طُلُوعُ الشَمْسِ مِن مَغْرِبِها؛ وإمّا خُرُوجُ الدابَّةِ؛ وإمّا خُرُوجُ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا فِيهِ نَظَرٌ لِأنَّ الأحادِيثَ تَرُدُّهُ؛ وتُخَصِّصُ الشَمْسَ؛ ورُوِيَ في الحَدِيثِ أنَّ الشَمْسَ تَجْرِي كُلَّ يَوْمٍ حَتّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ؛ وتَسْتَأْذِنُهُ؛ فَيُؤْذَنُ لَها في الطُلُوعِ مِنَ المَشْرِقِ؛ وحَتّى إذا أرادَ اللهُ - عَزَّ وجَلَّ - سَدَّ بابِ التَوْبَةِ؛ أمَرَها بِالطُلُوعِ مِن مَغْرِبِها؛ قالَ (p-٥٠١)ابْنُ مَسْعُودٍ وغَيْرُهُ «عَنِ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: "فَتَطْلُعُ هي والقَمَرُ كالبَعِيرَيْنِ القَرِينَيْنِ"؛» ويُقَوِّي النَظَرَ أيْضًا أنَّ الغَرْغَرَةَ هي الآيَةُ الَّتِي تُرْفَعُ مَعَها التَوْبَةُ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿أو كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْرًا﴾ ؛ يُرِيدُ جَمِيعَ أعْمالِ البِرِّ؛ فَرْضَها ونَفْلَها؛ وهَذا الفَصْلُ هو لِلْعُصاةِ المُؤْمِنِينَ؛ كَما أنَّ قَوْلَهُ - تَبارَكَ وتَعالى -: ﴿لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ﴾ ؛ هو لِلْكُفّارِ؛ والآيَةُ المُشارُ إلَيْها تَقْطَعُ تَوْبَةَ الصِنْفَيْنِ؛ وقَرَأ أبُو هُرَيْرَةَ: "أو كَسَبَتْ في إيمانِها صالِحًا".
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿قُلِ انْتَظِرُوا﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ يَتَضَمَّنُ الوَعِيدَ؛ أيْ: فَسَتَرَوْنَ مَن يَحِقُّ كَلامُهُ؛ ويَتَّضِحُ ما أخْبَرَ بِهِ.
{"ayah":"هَلۡ یَنظُرُونَ إِلَّاۤ أَن تَأۡتِیَهُمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ أَوۡ یَأۡتِیَ رَبُّكَ أَوۡ یَأۡتِیَ بَعۡضُ ءَایَـٰتِ رَبِّكَۗ یَوۡمَ یَأۡتِی بَعۡضُ ءَایَـٰتِ رَبِّكَ لَا یَنفَعُ نَفۡسًا إِیمَـٰنُهَا لَمۡ تَكُنۡ ءَامَنَتۡ مِن قَبۡلُ أَوۡ كَسَبَتۡ فِیۤ إِیمَـٰنِهَا خَیۡرࣰاۗ قُلِ ٱنتَظِرُوۤا۟ إِنَّا مُنتَظِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق