الباحث القرآني

قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَهَذا كِتابٌ أنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فاتَّبِعُوهُ واتَّقُوا لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ ﴿أنْ تَقُولُوا إنَّما أُنْزِلَ الكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنا وإنْ كُنّا عن دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ﴾ ﴿أو تَقُولُوا لَوْ أنّا أُنْزِلَ عَلَيْنا الكِتابُ لَكُنّا أهْدى مِنهم فَقَدْ جاءَكم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكم وهُدًى ورَحْمَةٌ فَمَن أظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وصَدَفَ عنها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عن آياتِنا سُوءَ العَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ﴾ "وَهَذا"؛ إشارَةٌ إلى القُرْآنِ؛ و"مُبارَكٌ"؛ وصْفٌ بِما فِيهِ مِنَ التَوَسُّعاتِ؛ وإزالَةِ (p-٤٩٧)أحْكامِ الجاهِلِيَّةِ؛ وتَحْرِيماتِها؛ وجَمْعِ كَلِمَةِ العَرَبِ؛ ووَحْدَةِ أيْدِي مُتَّبِعِيهِ؛ وفَتَحَ اللهُ تَعالى عَلى المُؤْمِنِينَ بِهِ؛ ومَعْناهُ: "مُنَمًّى خَيْرُهُ مُكَثَّرٌ"؛ و"اَلْبَرَكَةُ": اَلزِّيادَةُ؛ والنُمُوُّ؛ و"فاتَّبِعُوهُ"؛ دُعاءٌ إلى الدِينِ؛ و"واتَّقُوا": اَلْأظْهَرُ فِيهِ أنَّهُ أمْرٌ بِالتَقْوى العامَّةِ في جَمِيعِ الأشْياءِ؛ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾. و"أنْ"؛ مِن قَوْلِهِ تَعالى ﴿أنْ تَقُولُوا﴾ ؛ في مَوْضِعِ نَصْبٍ؛ والعامِلُ فِيهِ "أنْزَلْناهُ"؛ والتَقْدِيرُ: "وَهَذا كِتابٌ أنْزَلْناهُ كَراهِيَةَ أنْ..."؛ وهَذا أصَحُّ الأقْوالِ؛ وأضْبَطُها لِلْمَعْنى المَقْصُودِ؛ وقِيلَ: اَلْعامِلُ في "أنْ"؛ قَوْلُهُ تَعالى "واتَّقُوا"؛ فَكَأنَّهُ قالَ: "واتَّقُوا أنْ تَقُولُوا..."؛ وهَذا تَأْوِيلٌ يُتَخَرَّجُ عَلى مَعْنى: "واتَّقُوا أنْ تَقُولُوا كَذا؛ لِأنَّهُ لا حُجَّةَ لَكم فِيهِ"؛ ولَكِنْ يَعْرِضُ فِيهِ قَلَقٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعالى - أثْناءَ ذَلِكَ -: ﴿لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ ؛ وفي التَأْوِيلِ الأوَّلِ يَتَّسِقُ نَظْمُ الآيَةِ. والطائِفَتانِ: اَلْيَهُودُ والنَصارى؛ بِإجْماعٍ مِنَ المُتَأوِّلِينَ؛ والدِراسَةُ: اَلْقِراءَةُ؛ والتَعَلُّمُ بِها؛ و"إنْ"؛ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وَإنْ كُنّا﴾ ؛ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَقِيلَةِ؛ واللامُ في قَوْلِهِ تَعالى "لَغافِلِينَ"؛ لامُ تَوْكِيدٍ؛ هَذا مَذْهَبُ البَصْرِيِّينَ؛ وحَكى سِيبَوَيْهِ عن بَعْضِ العَرَبِ أنَّهم يُخَفِّفُونَها؛ ويُبْقُونَها عَلى عَمَلِها؛ ومِنهُ قِراءَةُ بَعْضِ أهْلِ المَدِينَةِ: "وَإنْ كُلًّا"؛ وأمّا المَشْهُورُ فَإنَّها إذا خُفِّفَتْ تَرْجِعُ حَرْفَ ابْتِداءٍ؛ لا تَعْمَلُ؛ وأمّا عَلى مَذْهَبِ الكُوفِيِّينَ فَـ "إنْ"؛ في هَذِهِ الآيَةِ؛ بِمَعْنى "ما"؛ النافِيَةِ؛ واللامُ بِمَعْنى "إلّا"؛ فَكَأنَّهُ قالَ: "وَما كُنّا عن دِراسَتِهِمْ إلّا غافِلِينَ". (p-٤٩٨)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: مَعْنى هَذِهِ الآيَةِ إزالَةُ الحُجَّةِ عن أيْدِي قُرَيْشٍ؛ وسائِرِ العَرَبِ؛ بِأنَّهم لَمْ يَكُنْ لَهم كِتابٌ؛ فَكَأنَّهُ قالَ: "وَهَذا القُرْآنُ يا مَعْشَرَ العَرَبِ أُنْزِلَ حُجَّةً عَلَيْكُمْ؛ لِئَلّا تَقُولُوا: إنَّما أُنْزِلَتِ التَوْراةُ والإنْجِيلُ بِغَيْرِ لِسانِنا عَلى غَيْرِنا؛ ونَحْنُ لَمْ نَعْرِفْ ذَلِكَ؛ فَهَذا كِتابٌ بِلِسانِكُمْ؛ ومَعَ رَجُلٍ مِنكُمْ". وقَوْلُهُ تَعالى ﴿ "أو تَقُولُوا"؛﴾ جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلى الجُمْلَةِ الأُولى؛ وهي في غَرَضِها؛ مِنَ الِاحْتِجاجِ عَلى الكُفّارِ؛ وقَطْعِ تَعَلُّقِهِمْ في الآخِرَةِ بِأنَّ الكُتُبَ إنَّما أُنْزِلَتْ عَلى غَيْرِهِمْ؛ وأنَّهم غافِلُونَ عَنِ الدِراسَةِ والنَظَرِ في الشَرْعِ؛ وأنَّهم لَوْ نُزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتابٌ لَكانُوا أسْرَعَ إلى الهُدى مِنَ الناسِ كُلِّهِمْ؛ فَقِيلَ لَهُمْ: "قَدْ جاءَكم بَيانٌ مِنَ اللهِ تَعالى وهُدًى ورَحْمَةٌ". ولَمّا تَقَرَّرَ أنَّ البَيِّنَةَ قَدْ جاءَتْ؛ والحُجَّةَ قَدْ قامَتْ؛ حَسُنَ - بَعْدَ ذَلِكَ - أنْ يَقَعَ التَقْرِيرُ بِقَوْلِهِ تَعالى "فَمَن أظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِهَذِهِ الآياتِ البَيِّناتِ؟". و"صَدَفَ"؛ مَعْناهُ: حادَ؛ وراغَ؛ وأعْرَضَ؛ وقَرَأ يَحْيى بْنُ وثّابٍ ؛ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "كَذَبَ"؛ بِتَخْفِيفِ الذالِ؛ والجُمْهُورُ: "كَذَّبَ"؛ بِتَشْدِيدِ الذالِ؛ و"سَنَجْزِي الَّذِينَ"؛ وعِيدٌ؛ وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "يَصْدِفُونَ"؛ بِكَسْرِ الدالِ؛ وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "يَصْدُفُونَ"؛ بِضَمِّ الدالِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب