الباحث القرآني

قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿ثُمَّ آتَيْنا مُوسى الكِتابَ تَمامًا عَلى الَّذِي أحْسَنَ وتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ وهُدًى ورَحْمَةً لَعَلَّهم بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ﴾ "ثُمَّ"؛ في هَذِهِ الآيَةِ إنَّما مُهْلَتُها في تَرْتِيبِ القَوْلِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ كَأنَّهُ قالَ: "ثُمَّ مِمّا قَضَيْناهُ أنّا آتَيْنا مُوسى الكِتابَ"؛ ويَدْعُو إلى ذَلِكَ أنَّ مُوسى - عَلَيْهِ السَلامُ - مُتَقَدِّمٌ بِالزَمانِ عَلى مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ وتِلاوَتِهِ ما حَرَّمَ اللهُ تَعالى ؛ و"اَلْكِتابَ": اَلتَّوْراةُ؛ و"تَمامًا"؛ نُصِبَ عَلى المَصْدَرِ. (p-٤٩٦)وَقَوْلُهُ تَعالى ﴿عَلى الَّذِي أحْسَنَ﴾ ؛ مُخْتَلَفٌ في مَعْناهُ؛ فَقالَتْ فِرْقَةٌ: "اَلَّذِي"؛ بِمَعْنى: "اَلَّذِينَ"؛ و"أحْسَنَ"؛ فِعْلٌ ماضٍ؛ صِلَةُ "اَلَّذِينَ"؛ وكَأنَّ الكَلامَ: "وَآتَيْنا مُوسى الكِتابَ تَفَضُّلًا عَلى المُحْسِنِينَ مِن أهْلِ مِلَّتِهِ؛ وإتْمامًا لِلنِّعْمَةِ عِنْدَهُمْ"؛ هَذا تَأْوِيلُ مُجاهِدٍ ؛ وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ: "تَمامًا عَلى الَّذِينَ أحْسَنُوا"؛ فَهَذا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ التَأْوِيلَ؛ وقالَتْ فِرْقَةٌ: "اَلَّذِي"؛ غَيْرُ مَوْصُولَةٍ؛ والمَعْنى: "تَمامًا عَلى ما أحْسَنَ هو مِن عِبادَةِ رَبِّهِ؛ والِاضْطِلاعِ بِأُمُورِ نُبُوَّتِهِ"؛ يُرِيدُ مُوسى - عَلَيْهِ السَلامُ -؛ هَذا تَأْوِيلُ الرَبِيعِ؛ وقَتادَةَ ؛ وقالَتْ فِرْقَةٌ: اَلْمَعْنى: "تَمامًا - أيْ: تَفَضُّلًا وإكْمالًا - عَلى الَّذِي أحْسَنَ اللهُ تَعالى فِيهِ إلى عِبادِهِ؛ مِنَ النُبُوّاتِ؛ والنِعَمِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَـ "اَلَّذِي"؛ أيْضًا في هَذا التَأْوِيلِ غَيْرُ مَوْصُولَةٍ؛ وهَذا تَأْوِيلُ ابْنِ زَيْدٍ. وقَرَأ يَحْيى بْنُ يَعْمُرَ ؛ وابْنُ أبِي إسْحاقَ: "تَمامًا عَلى الَّذِي أحْسَنُ"؛ بِضَمِّ النُونِ؛ فَجَعَلَها صِفَةَ تَفْضِيلٍ؛ ورَفْعُها عَلى خَبَرِ ابْتِداءٍ مُضْمَرٍ؛ تَقْدِيرُهُ: "عَلى الَّذِي هو أحْسَنُ"؛ وضَعَّفَ أبُو الفَتْحِ هَذِهِ القِراءَةَ؛ لِقُبْحِ حَذْفِ المُبْتَدَإ العائِدِ؛ وقالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الكُوفَةِ: يَصِحُّ أنْ يَكُونَ "أحْسَنَ"؛ صِفَةً لِـ "اَلَّذِي"؛ مِن حَيْثُ قارَبَ المَعْرِفَةَ؛ إذْ لا تَدْخُلُهُ الألِفُ واللامُ؛ كَما تَقُولُ العَرَبُ: "مَرَرْتُ بِالَّذِي خَيْرٍ مِنكَ"؛ ولا يَجُوزُ: "بِالَّذِي عالِمٍ"؛ وخَطَّأ الزَجّاجُ هَذا القَوْلَ الكُوفِيَّ؛ و"وَتَفْصِيلًا"؛ يُرِيدُ: بَيانًا؛ وتَقْسِيمًا؛ و"لَعَلَّهُمْ"؛ تَرَجٍّ؛ بِالإضافَةِ إلى البَشَرِ؛ و"بِلِقاءِ رَبِّهِمْ"؛ أيْ بِالبَعْثِ؛ الَّذِي الإيمانُ بِهِ نِهايَةُ تَصْدِيقِ الأنْبِياءِ - صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ -؛ إذْ لا تُلْزَمُهُ العُقُولُ بِذَواتِها؛ وإنَّما ثَبَتَ بِالسَمْعِ؛ مَعَ تَجْوِيزِ العَقْلِ لَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب