الباحث القرآني

قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكم عن سَبِيلِهِ ذَلِكم وصّاكم بِهِ لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ اَلْإشارَةُ هي إلى الشَرْعِ الَّذِي جاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - بِجُمْلَتِهِ؛ وقالَ الطَبَرِيُّ: اَلْإشارَةُ هي إلى هَذِهِ الوَصايا الَّتِي تَقَدَّمَتْ؛ مِن قَوْلِهِ - تَبارَكَ وتَعالى -: ﴿قُلْ تَعالَوْا أتْلُ﴾ [الأنعام: ١٥١]. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ؛ ونافِعٌ ؛ وعاصِمٌ ؛ وأبُو عَمْرٍو: "وَأنَّ هَذا"؛ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ؛ وتَشْدِيدِ النُونِ؛ "صِراطِي"؛ ساكِنَ الياءِ؛ وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: "وَإنَّ"؛ بِكَسْرِ الألِفِ؛ وتَشْدِيدِ النُونِ؛ وقَرَأ عَبْدُ اللهِ بْنُ أبِي إسْحاقَ؛ وابْنُ عامِرٍ ؛ مِنَ السَبْعَةِ: "وَأنْ"؛ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ؛ وسُكُونِ النُونِ؛ "صِراطِيَ"؛ مَفْتُوحَ الياءِ؛ فَأمّا مَن فَتَحَ الألِفَ فالمَعْنى عِنْدَهُ كَأنَّهُ قالَ: "وَلِأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ"؛ أيْ: "اِتَّبِعُوهُ؛ لِكَوْنِهِ كَذا"؛ وتَكُونُ الواوُ - عَلى هَذا - إنَّما عَطَفَتْ جُمْلَةً عَلى جُمْلَةٍ؛ ويَصِحُّ غَيْرُ هَذا؛ أنْ يَعْطِفَ عَلى "ألّا تُشْرِكُوا"؛ وكَأنَّ المُحَرَّمَ مِن هَذا اتِّباعُ السُبُلِ؛ والتَنْكِيبُ عَنِ الصِراطِ الأقْوَمِ؛ ومَن قَرَأ بِتَخْفِيفِ النُونِ عَطَفَ عَلى قَوْلِهِ: ﴿ "ألا تُشْرِكُوا"؛﴾ [الأنعام: ١٥١] ومَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أنَّها المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَقِيلَةِ؛ وأنَّ التَقْدِيرَ: "وَأنَّهُ هَذا صِراطِي"؛ ومَن قَرَأ بِكَسْرِ الألِفِ وتَشْدِيدِ النُونِ؛ فَكَأنَّهُ اسْتَأْنَفَ الكَلامَ؛ وقَطَعَهُ مِنَ الأوَّلِ؛ وفي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "وَهَذا صِراطِي"؛ بِحَذْفِ "أنَّ". وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ اللهَ تَعالى جَعَلَ طَرِيقًا صِراطًا مُسْتَقِيمًا؛ طَرَفُهُ مُحَمَّدٌ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - وشَرْعُهُ؛ ونِهايَتُهُ الجَنَّةُ؛ وتَتَشَعَّبُ مِنهُ طُرُقٌ؛ فَمَن سَلَكَ الجادَّةَ نَجا؛ ومَن خَرَجَ إلى تِلْكَ الطُرُقِ أفْضَتْ بِهِ إلى النارِ؛ وقالَ أيْضًا: خَطَّ لَنا رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - يَوْمًا خَطًّا؛ (p-٤٩٥)فَقالَ: "هَذا سَبِيلُ اللهِ"؛ ثُمَّ خَطَّ عن يَمِينِ ذَلِكَ الخَطِّ؛ وعن شِمالِهِ؛ خُطُوطًا؛ فَقالَ: "هَذِهِ سُبُلٌ؛ عَلى كُلِّ سَبِيلٍ مِنها شَيْطانٌ يَدْعُو إلَيْها"؛ ثُمَّ قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذِهِ الآيَةُ تَعُمُّ أهْلَ الأهْواءِ؛ والبِدَعِ؛ والشُذُوذِ؛ في الفُرُوعِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ مِن أهْلِ التَعَمُّقِ في الجَدَلِ؛ والخَوْضِ في الكَلامِ؛ هَذِهِ كُلُّها عُرْضَةٌ لِلزَّلَلِ؛ ومَظِنَّةٌ لِسُوءِ المُعْتَقَدِ. وتَقَدَّمَ القَوْلُ في ﴿ "ذَلِكم وصّاكُمْ"؛﴾ [الأنعام: ١٥١] وفي قَوْلِهِ: "لَعَلَّكُمْ"؛ ومِن حَيْثُ كانَتِ المُحَرَّماتُ الأُوَلُ لا يَقَعُ فِيها عاقِلٌ قَدْ نَظَرَ بِعَقْلِهِ؛ جاءَتِ العِبارَةُ: ﴿لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام: ١٥١] ؛ والمُحَرَّماتُ الأُخَرُ شَهَواتٍ؛ وقَدْ يَقَعُ فِيها مِنَ العُقَلاءِ مَن لَمْ يَتَذَكَّرْ؛ جاءَتِ العِبارَةُ: ﴿لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٢] ؛ ثُمَّ لَمّا كانَ رُكُوبُ الجادَّةِ الكامِلَةِ يَتَضَمَّنُ فِعْلَ الفَضائِلِ؛ وتِلْكَ دَرَجَةُ التَقْوى؛ جاءَتِ العِبارَةُ: ﴿لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب