الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿قُلْ لا أجِدُ في ما أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلا أنْ يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ ولا عادٍ فَإنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
(p-٤٨٠)هَذا أمْرٌ مِنَ اللهِ - عَزَّ وجَلَّ - بِأنْ يَشْرَعَ لِلنّاسِ جَمِيعًا؛ ويُبَيِّنَ عَنِ اللهِ تَعالى ما أُوحِيَ إلَيْهِ؛ وهَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْبِمَكَّةَ؛ ولَمْ يَكُنْ في الشَرِيعَةِ في ذَلِكَ الوَقْتِ شَيْءٌ مُحَرَّمٌ غَيْرُ هَذِهِ الأشْياءِ؛ ثُمَّ نَزَلَتْ سُورَةُ "اَلْمائِدَةِ" بِالمَدِينَةِ؛ وزِيدَ في المُحَرَّماتِ؛ كالمُنْخَنِقَةِ؛ والمَوْقُوذَةِ؛ والمُتَرَدِّيَةِ؛ والنَطِيحَةِ؛ فَإنَّ هَذِهِ - وإنْ كانَتْ في حُكْمِ المَيْتَةِ - فَكانَ في النَظَرِ احْتِمالٌ أنْ تُلْحَقَ بِالمُذَكَّياتِ؛ لِأنَّها بِأسْبابٍ؛ ولَيْسَتْ حَتْفَ الأنْفِ؛ فَلَمّا بَيَّنَ النَصُّ إلْحاقَها بِالمَيْتَةِ؛ كانَتْ زِيادَةً في المُحَرَّماتِ؛ ثُمَّ نَزَلَ النَصُّ عَلى رَسُولِ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - في تَحْرِيمِ الخَمْرِ؛ بِوَحْيٍ غَيْرِ مُعْجِزٍ؛ وبِتَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نابٍ مِنَ السِباعِ؛ فَهَذِهِ كُلُّها زِياداتٌ في التَحْرِيمِ؛ ولَفْظَةُ التَحْرِيمِ إذا ورَدَتْ عَلى لِسانِ رَسُولِ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - فَإنَّها صالِحَةٌ أنْ تَنْتَهِيَ بِالشَيْءِ المَذْكُورِ إلى غايَةِ المَنعِ والحَظْرِ؛ وصالِحَةٌ - بِحَسَبِ اللُغَةِ - أنْ تَقِفَ دُونَ الغايَةِ في حَيِّزِ الكَراهِيَةِ؛ ونَحْوِها؛ فَما اقْتَرَنَتْ بِهِ قَرِينَةُ التَسْلِيمِ مِنَ الصَحابَةِ المُتَأوِّلِينَ؛ وأجْمَعَ عَلَيْهِ الكُلُّ مِنهُمْ؛ ولَمْ يَضْطَرِبْ فِيهِ ألْفاظُ الأحادِيثِ؛ وأمْضاهُ الناسُ عَلى أذْلالِهِ؛ وجَبَ بِالشَرْعِ أنْ يَكُونَ تَحْرِيمُهُ قَدْ وصَلَ الغايَةَ مِنَ الحَظْرِ؛ والمَنعِ؛ ولَحِقَ بِالخِنْزِيرِ؛ والمَيْتَةِ؛ وهَذِهِ صِفَةُ تَحْرِيمِ الخَمْرِ؛ وما اقْتَرَنَتْ بِهِ قَرِينَةُ ألْفاظِ الحَدِيثِ؛ واخْتَلَفَتِ الأُمَّةُ فِيهِ؛ مَعَ عِلْمِهِمْ بِالأحادِيثِ؛ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ -: « "كُلُّ ذِي نابٍ مِنَ السِباعِ حَرامٌ"؛» وقَدْ رُوِيَ «نَهْيُ رَسُولِ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - عن أكْلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِنَ السِباعِ؛» ثُمَّ اخْتَلَفَ الصَحابَةُ؛ ومَن بَعْدَهُمْ؛ في تَحْرِيمِ ذَلِكَ؛ فَجازَ - لِهَذِهِ الوُجُوهِ - لِمَن يَنْظُرُ أنْ يُجْمِلَ لَفْظَ التَحْرِيمِ عَلى المَنعِ؛ الَّذِي هو الكَراهِيَةُ؛ ونَحْوُها؛ وما اقْتَرَنَتْ بِهِ قَرِينَةُ التَأْوِيلِ كَتَحْرِيمِهِ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ - لُحُومَ (p-٤٨١)الحُمُرِ الإنْسِيَّةِ؛ فَتَأوَّلَ بَعْضُ الصَحابَةِ الحاضِرِينَ ذَلِكَ لِأنَّها نَجَسٌ؛ وتَأوَّلَ بَعْضُهم أنَّ ذَلِكَ لِئَلّا تَفْنى حَمُولَةُ الناسِ؛ وتَأوَّلَ بَعْضُهُمُ التَحْرِيمَ المَحْضَ؛ وثَبَتَ في الأُمَّةِ الِاخْتِلافُ في تَحْرِيمِ لَحْمِها؛ فَجائِزٌ لِمَن يَنْظُرُ مِنَ العُلَماءِ أنْ يَحْمِلَ لَفْظَ التَحْرِيمِ - بِحَسَبِ اجْتِهادِهِ وقِياسِهِ - عَلى كَراهِيَةٍ؛ أو نَحْوِها.
ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عامِرٍ أنَّهُ قَرَأ: "فِيما أوحى إلَيَّ"؛ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ؛ والحاءِ؛ وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "يَطْعَمُهُ"؛ وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ؛ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: "يَطَّعِمُهُ"؛ بِتَشْدِيدِ الطاءِ؛ وكَسْرِ العَيْنِ؛ وقَرَأ مُحَمَّدُ بْنُ الحَنَفِيَّةِ ؛ وعائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عنها -؛ وأصْحابُ عَبْدِ اللهِ: "طَعِمَهُ"؛ بِفِعْلٍ ماضٍ؛ وقَرَأ نافِعٌ ؛ والكِسائِيُّ ؛ وأبُو عَمْرٍو ؛ وعاصِمٌ: "إلّا أنْ يَكُونَ"؛ بِالياءِ؛ عَلى تَقْدِيرِ: "إلّا أنْ يَكُونَ المَطْعُومُ..."؛ وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ؛ وحَمْزَةُ ؛ وأبُو عَمْرٍو أيْضًا: "إلّا أنْ تَكُونَ"؛ بِالتاءِ؛ مِن فَوْقُ؛ "مَيْتَةً"؛ عَلى تَقْدِيرِ: "إلّا أنْ تَكُونَ المَطْعُومَةُ..."؛ وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحْدَهُ - وذَكَرَها مَكِّيٌّ عن أبِي جَعْفَرٍ -: "إلّا أنْ تَكُونَ"؛ بِالتاءِ؛ "مَيْتَةٌ"؛ بِالرَفْعِ؛ عَلى أنْ تُجْعَلَ "تَكُونَ"؛ بِمَعْنى "تَقَعَ"؛ ويُحْتاجُ - عَلى هَذِهِ القِراءَةِ أنْ يُعْطَفَ "دَمًا"؛ عَلى مَوْضِعِ "أنْ تَكُونَ"؛ لِأنَّها في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالِاسْتِثْناءِ؛ و"اَلْمَسْفُوحُ": اَلْجارِي؛ الَّذِي يَسِيلُ؛ وجَعَلَ اللهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - هَذا فارِقًا بَيْنَ القَلِيلِ؛ والكَثِيرِ؛ و"اَلْمَسْفُوحُ": اَلسّائِلُ مِنَ الدَمِ؛ ونَحْوِهِ؛ ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ - وهو طَرَفَةُ -:
؎ إذا ما عادَهُ مِنّا نِساءٌ ∗∗∗ سَفَحْنَ الدَمْعَ مِن بَعْدِ الرَنِينِ
وقَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:
؎ وإنَّ شِفائِي عَبْرَةٌ إنْ سَفَحْتُها ∗∗∗ ∗∗∗ وهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دارِسٍ مِن مُعَوَّلِ
فالدَمُ المُخْتَلِطُ بِاللَحْمِ؛ والدَمُ الخارِجُ مِن مَرَقِ اللَحْمِ؛ وما شاكَلَ هَذا؛ حَلالٌ؛ والدَمُ غَيْرُ المَسْفُوحِ هو هَذا؛ وهو مَعْفُوٌّ عنهُ؛ وقِيلَ لِأبِي مِجْلَزٍ - في القِدْرِ تَعْلُوها الحُمْرَةُ مِنَ الدَمِ - قالَ: إنَّما حَرَّمَ اللهُ المَسْفُوحُ؛ وقالَتْ نَحْوَهُ عائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عنها - وغَيْرُها؛ وعَلَيْهِ إجْماعُ العُلَماءِ؛ وقِيلَ: اَلدَّمُ حَرامٌ؛ لِأنَّهُ إذا زايَلَ فَقَدِ انْسَفَحَ.
(p-٤٨٢)وَ"اَلرِّجْسُ": اَلنَّتِنُ؛ والحَرامُ؛ يُوصَفُ بِذَلِكَ الأجْرامُ؛ والمَعانِي؛ كَما قالَ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ -: « "دَعُوها فَإنَّها مُنْتِنَةٌ"؛» اَلْحَدِيثَ؛ فَكَذَلِكَ قِيلَ في الأزْلامِ: "رِجْسٌ"؛ و"اَلرِّجْسُ"؛ أيْضًا: اَلْعَذابُ؛ لُغَةً بِمَعْنى "اَلرِّجْزُ"؛ وقَوْلُهُ تَعالى ﴿ "أو فِسْقًا"؛﴾ يُرِيدُ ذَبائِحَهُمُ الَّتِي يَخْتَصُّونَ بِها أصْنامَهم.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ أباحَ اللهُ تَعالى فِيها - مَعَ الضَرُورَةِ - رُكُوبَ المَحْظُورِ؛ دُونَ بَغْيٍ؛ واخْتَلَفَ الناسُ: فِيمَ ذا؟ فَقالَتْ فِرْقَةٌ: دُونَ أنْ يَبْغِيَ الإنْسانُ في أكْلِهِ؛ فَيَأْكُلَ فَوْقَ ما يُقِيمُ رَمَقَهُ؛ ويَنْتَهِيَ إلى حَدِّ الشَبَعِ؛ وفَوْقَهُ؛ وقالَتْ فِرْقَةٌ: بَلْ دُونَ أنْ يَبْغِيَ في أنْ يَكُونَ سَفَرُهُ في قَطْعِ طَرِيقٍ؛ أو قَتْلِ نَفْسٍ؛ أو يَكُونَ تَصَرُّفُهُ في مَعْصِيَةٍ؛ فَإنَّ ذَلِكَ لا رُخْصَةَ لَهُ؛ وأمّا مَن لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الأحْوالِ فاضْطُرَّ؛ فَلَهُ أنْ يَشْبَعَ؛ ويَتَزَوَّدَ؛ وهَذا مَشْهُورُ قَوْلِ مالِكِ بْنِ أنَسٍ - رَحِمَهُ اللهُ -؛ وقالَ بِالأوَّلِ؛ الَّذِي هو الِاقْتِصارُ عَلى سَدِّ الرَمَقِ؛ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ - رَحِمَهُ اللهُ تَعالى.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿فَإنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ إباحَةٌ تُعْطِيها قُوَّةُ اللَفْظِ.
{"ayah":"قُل لَّاۤ أَجِدُ فِی مَاۤ أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمࣲ یَطۡعَمُهُۥۤ إِلَّاۤ أَن یَكُونَ مَیۡتَةً أَوۡ دَمࣰا مَّسۡفُوحًا أَوۡ لَحۡمَ خِنزِیرࣲ فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ أَوۡ فِسۡقًا أُهِلَّ لِغَیۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَیۡرَ بَاغࣲ وَلَا عَادࣲ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق