الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿قُلْ أغَيْرَ اللهِ أتَّخِذُ ولِيًّا فاطِرِ السَماواتِ والأرْضِ وهو يُطْعِمُ ولا يُطْعِمُ قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أنْ أكُونَ أوَّلَ مَن أسْلَمَ ولا تَكُونَنَّ مَن المُشْرِكِينَ﴾ ﴿قُلْ إنِّي أخافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ ﴿مَن يُصْرَفْ عنهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وذَلِكَ الفَوْزُ المُبِينُ﴾
قالَ الطَبَرِيُّ وغَيْرُهُ: أُمِرَ أنْ يَقُولَ هَذِهِ المَقالَةَ لِلْكَفَرَةِ الَّذِينَ دَعَوْهُ إلى عِبادَةِ أوثانِهِمْ؛ فَتَجِيءُ الآيَةُ - عَلى هَذا - جَوابًا لِكَلامِهِمْ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا التَأْوِيلُ يَحْتاجُ إلى سَنَدٍ في أنَّ هَذا نَزَلَ جَوابًا؛ وإلّا فَظاهِرُ الآيَةِ لا يَتَضَمَّنُهُ؛ والفَصِيحُ هو أنَّهُ لَمّا قَرَّرَ مَعَهم أنَّ اللهَ تَعالى لَهُ ما في السَماواتِ والأرْضِ؛ ولَهُ ما (p-٣٢٤)سَكَنَ في اللَيْلِ والنَهارِ؛ وأنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ؛ أُمِرَ أنْ يَقُولَ لَهم - عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ؛ والتَوْقِيفِ -: أغَيْرَ هَذا الَّذِي هَذِهِ صِفاتُهُ أتَّخِذُ ولِيًّا؟ بِمَعْنى أنَّ هَذا خَطَأٌ؛ لَوْ فَعَلْتُهُ؛ بَيِّنٌ؛ وتُعْطِي قُوَّةُ الكَلامِ أنَّ مَن فَعَلَهُ مِن سائِرِ الناسِ بَيِّنُ الخَطَإ؛ و"أتَّخِذُ"؛ عامِلٌ في قَوْلِهِ: "أغَيْرَ"؛ وفي قَوْلِهِ: "وَلِيًّا"؛ تَقَدَّمَ أحَدُ المَفْعُولَيْنِ.
والوَلِيُّ: لَفْظٌ عامٌّ لِمَعْبُودٍ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأسْبابِ الواصِلَةِ بَيْنَ العَبْدِ؛ ورَبِّهِ تَعالى ؛ ثُمَّ أخَذَ في صِفاتِ اللهِ تَعالى ؛ فَقالَ: "فاطِرِ"؛ بِخَفْضِ الراءِ؛ نَعْتٌ لِلَّهِ تَعالى ؛ و"فَطَرَ"؛ مَعْناهُ: اِبْتَدَعَ؛ وخَلَقَ؛ وأنْشَأ؛ و"فَطَرَ" - أيْضًا في اللُغَةِ -: شَقَّ؛ ومِنهُ: ﴿هَلْ تَرى مِن فُطُورٍ﴾ [الملك: ٣] ؛ أيْ: مِن شُقُوقٍ؛ ومِن هَذا انْفِطارُ السَماءِ؛ وفي هَذِهِ الجِهَةِ يَتَمَكَّنُ قَوْلُهُمْ: "فَطَرَ نابُ البَعِيرِ"؛ إذا خَرَجَ؛ لِأنَّهُ يَشُقُّ اللِثَةَ؛ وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -: ما كُنْتُ أعْرِفُ مَعْنى: ﴿فاطِرِ السَماواتِ﴾ ؛ حَتّى اخْتَصَمَ إلَيَّ أعْرابِيّانِ في بِئْرٍ؛ فَقالَ أحَدُهُما: "أنا فَطَرْتُها"؛ أيْ: اِخْتَرَعْتُها؛ وأنْشَأْتُها.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: فَحَمَلَهُ ابْنُ عَبّاسٍ عَلى هَذِهِ الجِهَةِ؛ ويَصِحُّ حَمْلُهُ عَلى الجِهَةِ الأُخْرى؛ أنَّهُ شَقَّ الأرْضَ؛ والبِئْرَ؛ حِينَ احْتَفَرَها.
وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "فاطِرُ"؛ بِرَفْعِ الراءِ؛ عَلى خَبَرِ ابْتِداءٍ مُضْمَرٍ؛ أو عَلى الِابْتِداءِ.
﴿يُطْعِمُ ولا يُطْعِمُ﴾: اَلْمَقْصُودُ بِهِ: يَرْزُقُ؛ ولا يُرْزَقُ؛ وخَصَّ الإطْعامَ مِن أنْواعِ الرِزْقِ؛ لِمَسِّ الحاجَةِ إلَيْهِ؛ وشُهْرَتِهِ؛ واخْتِصاصِهِ بِالإنْسانِ؛ وقَرَأ يَمانُ العَمّانِيُّ؛ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "يُطْعِمُ"؛ بِضَمِّ الياءِ؛ وكَسْرِ العَيْنِ؛ في الثانِي مِثْلَ الأوَّلِ؛ يَعْنِي الوَثَنَ أنَّهُ لا يُطْعِمُ؛ وقَرَأ مُجاهِدٌ ؛ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ؛ والأعْمَشُ ؛ وأبُو حَيْوَةَ؛ وعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ؛ وأبُو عَمْرِو بْنُ العَلاءِ - في رِوايَةٍ عنهُ - في الثانِي: "وَلا يَطْعَمُ"؛ بِفَتْحِ الياءِ؛ عَلى مُسْتَقْبَلِ "طَعِمَ"؛ فَهي صِفَةٌ تَتَضَمَّنُ التَبْرِيَةَ؛ أيْ: لا يَأْكُلُ؛ ولا يُشْبِهُ المَخْلُوقِينَ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿قُلْ إنِّي أُمِرْتُ﴾ ؛ إلى ﴿عَظِيمٍ﴾ ؛ قالَ المُفَسِّرُونَ: اَلْمَعْنى: "أوَّلَ مَن أسْلَمَ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ؛ وبِهَذِهِ الشَرِيعَةِ"؛ ولا يَتَضَمَّنُ الكَلامُ إلّا ذَلِكَ؛ قالَ طائِفَةٌ: في الكَلامِ حَذْفٌ؛ تَقْدِيرُهُ: "وَقِيلَ لِي: ولا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: (p-٣٢٥)وَتَلْخِيصُ هَذا أنَّهُ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ - أُمِرَ؛ فَقِيلَ لَهُ: "كُنْ أوَّلَ مَن أسْلَمَ؛ ولا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ"؛ فَلَمّا أُمِرَ في الآيَةِ أنْ يَقُولَ ما أُمِرَ بِهِ؛ جاءَ بَعْضُ ذَلِكَ عَلى المَعْنى؛ وبَعْضُهُ بِاللَفْظِ بِعَيْنِهِ.
ولَفْظَةُ "عَصَيْتُ"؛ عامَّةٌ في أنْواعِ المَعاصِي؛ ولَكِنَّها هَهُنا إنَّما تُشِيرُ إلى الشِرْكِ الَّذِي نُهِيَ عنهُ؛ واليَوْمُ العَظِيمُ هو يَوْمُ القِيامَةِ.
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ؛ ونافِعٌ ؛ وأبُو عَمْرٍو ؛ وابْنُ عامِرٍ ؛ وعاصِمٌ: "مَن يُصْرَفْ عنهُ"؛ بِضَمِّ الياءِ؛ وفَتْحِ الراءِ؛ والمَفْعُولُ الَّذِي أُسْنِدَ إلَيْهِ الفِعْلُ هو الضَمِيرُ العائِدُ عَلى العَذابِ؛ فَهو مُقَدَّرٌ؛ وقَرَأ حَمْزَةُ ؛ والكِسائِيُّ ؛ وعاصِمٌ - أيْضًا -: "مَن يَصْرِفْ عنهُ"؛ فَيُسْنِدُ الفِعْلَ إلى الضَمِيرِ العائِدِ إلى "رَبِّي"؛ ويَعْمَلُ في ضَمِيرِ العَذابِ المَذْكُورِ آنِفًا؛ لَكِنَّهُ مَفْعُولٌ مَحْذُوفٌ؛ وحُكِيَ أنَّهُ ظَهَرَ في قِراءَةِ عَبْدِ اللهِ ؛ وهِيَ: "مَن يَصْرِفْهُ عنهُ يَوْمَئِذٍ"؛ وفي قِراءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "مَن يَصْرِفْهُ اللهُ عنهُ"؛ وقِيلَ: إنَّها "مَن يَصْرِفِ اللهُ عنهُ"؛ قالَ أبُو عَلِيٍّ: وحَذْفُ هَذا الضَمِيرِ لا يَحْسُنُ؛ كَما يَحْسُنُ حَذْفُ الضَمِيرِ مِنَ الصِلَةِ؛ كَقَوْلِهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿أهَذا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولا﴾ [الفرقان: ٤١] ؛ وكَقَوْلِهِ: ﴿وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى﴾ [النمل: ٥٩] ؛ مَعْناهُ: "بَعَثَهُ"؛ و"اِصْطَفاهُمْ"؛ فَحَسُنَ هَذا لِلطُّولِ؛ كَما عَلَّلَهُ سِيبَوَيْهِ ؛ ولا يَحْسُنُ هَذا لِعَدَمِ الصِلَةِ؛ قالَ بَعْضُ الناسِ: اَلْقِراءَةُ بِفَتْحِ الياءِ "مَن يَصْرِفْ"؛ أحْسَنُ؛ لِأنَّهُ يُناسِبُ: ﴿فَقَدْ رَحِمَهُ﴾ ؛ وكانَ الأولى - عَلى القِراءَةِ الأُخْرى - "فَقَدْ رُحِمَ"؛ لِيَتَناسَبَ الفِعْلانِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا تَوْجِيهٌ لَفْظِيٌّ تَعَلُّقُهُ خَفِيفٌ؛ وأمّا بِالمَعْنى فالقِراءَتانِ واحِدٌ؛ ورَجَّحَ قَوْمٌ قِراءَةَ ضَمِّ الياءِ؛ لِأنَّها أقَلُّ إضْمارًا؛ وأشارَ أبُو عَلِيٍّ إلى تَحْسِينِ القِراءَةِ بِفَتْحِ الياءِ بِما ذَكَرْناهُ؛ وأما مَكِّيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ - رَحِمَهُ اللهُ - فَتَخَبَّطَ في كِتابِ "اَلْهِدايَةُ"؛ في تَرْجِيحِ القِراءَةِ بِفَتْحِ الياءِ؛ ومَثَّلَ في احْتِجاجِهِ بِأمْثِلَةٍ فاسِدَةٍ؛ واللهُ تَعالى ولِيُّ التَوْفِيقِ.
(p-٣٢٦)وَ"رَحِمَ"؛ عامِلٌ في الضَمِيرِ المُتَّصِلِ؛ وهو ضَمِيرُ "مَن"؛ ومُسْتَنِدٌ إلى الضَمِيرِ العائِدِ إلى "رَبِّي"؛ وقَوْلُهُ: "وَذَلِكَ"؛ إشارَةٌ إلى صَرْفِ العَذابِ؛ وإلى الرَحْمَةِ؛ والفَوْزِ؛ والنَجاةِ.
{"ayahs_start":14,"ayahs":["قُلۡ أَغَیۡرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِیࣰّا فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَهُوَ یُطۡعِمُ وَلَا یُطۡعَمُۗ قُلۡ إِنِّیۤ أُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَسۡلَمَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ","قُلۡ إِنِّیۤ أَخَافُ إِنۡ عَصَیۡتُ رَبِّی عَذَابَ یَوۡمٍ عَظِیمࣲ","مَّن یُصۡرَفۡ عَنۡهُ یَوۡمَىِٕذࣲ فَقَدۡ رَحِمَهُۥۚ وَذَ ٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡمُبِینُ"],"ayah":"قُلۡ أَغَیۡرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِیࣰّا فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَهُوَ یُطۡعِمُ وَلَا یُطۡعَمُۗ قُلۡ إِنِّیۤ أُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَسۡلَمَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق