الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وعَدْلا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وهو السَمِيعُ العَلِيمُ﴾ ﴿وَإنْ تُطِعْ أكْثَرَ مَن في الأرْضِ يُضِلُّوكَ عن سَبِيلِ اللهِ إنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظَنَّ وإنْ هم إلا يَخْرُصُونَ﴾ ﴿إنَّ رَبَّكَ هو أعْلَمُ مَن يَضِلُّ عن سَبِيلِهِ وهو أعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ﴾
(p-٤٤٧)﴿ "وَتَمَّتْ"﴾ - في هَذا المَوْضِعِ - بِمَعْنى: "اِسْتَمَرَّتْ؛ وصَحَّتْ في الأزَلِ صِدْقًا؛ وعَدْلًا"؛ ولَيْسَ بِتَمامٍ مِن نَقْصٍ؛ ومِثْلُهُ ما وقَعَ في السِيرَةِ مِن قَوْلِهِمْ: "وَتَمَّ حَمْزَةُ عَلى إسْلامِهِ"؛ في الحَدِيثِ مَعَ أبِي جَهْلٍ.
و"اَلْكَلِماتُ": ما نَزَلَ عَلى عِبادِهِ؛ وقَرَأ عاصِمٌ ؛ وحَمْزَةُ ؛ والكِسائِيُّ: "كَلِمَةُ"؛ بِالإفْرادِ؛ هُنا؛ وفي "يُونُسَ"؛ في المَوْضِعَيْنِ؛ وفي "حـم اَلْمُؤْمِنُ"؛ وقَرَأ نافِعٌ ؛ وابْنُ عامِرٍ جَمِيعَ ذَلِكَ "كَلِماتُ"؛ بِالجَمْعِ؛ وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ؛ وأبُو عَمْرٍو ؛ هُنا فَقَطْ؛ "كَلِماتُ"؛ بِالجَمْعِ؛ وذَهَبَ الطَبَرِيُّ إلى أنَّهُ القُرْآنُ؛ كَما يُقالُ: "كَلِمَةُ فُلانٍ"؛ في قَصِيدَةِ الشِعْرِ؛ والخُطْبَةِ البَلِيغَةِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا عِنْدِي بَعِيدٌ مُعْتَرَضٌ؛ وإنَّما القَصْدُ العِبارَةُ عن نُفُوذِ قَوْلِهِ تَعالى "صِدْقًا"؛ فِيما تَضَمَّنَهُ مِن خَبَرٍ؛ و"عَدْلًا"؛ فِيما تَضَمَّنَهُ مِن حُكْمٍ؛ وهُما مَصْدَرانِ في مَوْضِعِ الحالِ؛ قالَ الطَبَرِيُّ: "نُصِبا عَلى التَمْيِيزِ"؛ وهَذا غَيْرُ صَوابٍ؛ و﴿لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ﴾ ؛ مَعْناهُ: في مَعانِيها؛ بِأنْ يُبَيِّنَ أحَدٌ أنَّ خَبَرَهُ بِخِلافِ ما أخْبَرَ بِهِ؛ أو يُبَيِّنَ أنَّ أمْرَهُ لا يُنَفَّذُ؛ والمِثالُ مِن هَذا أنَّ اللهَ تَعالى قالَ لِنَبِيِّهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: ﴿فَإنْ رَجَعَكَ اللهُ إلى طائِفَةٍ مِنهم فاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ﴾ [التوبة: ٨٣] ؛ إلى: ﴿الخالِفِينَ﴾ [التوبة: ٨٣] ؛ فَقالَ المُنافِقُونَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - ولِلْمُؤْمِنِينَ: ﴿ "ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ"؛﴾ [الفتح: ١٥] فَقالَ اللهُ تَعالى لِنَبِيِّهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: ﴿يُرِيدُونَ أنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذَلِكم قالَ اللهِ مِن قَبْلُ﴾ [الفتح: ١٥] ؛ أو في قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أبَدًا﴾ [التوبة: ٨٣] ؛ لِأنَّ مُضَمَّنَهُ الخَبَرَ بِألّا يُباحَ لَهم خُرُوجٌ؛ وأمّا الألْفاظُ فَقَدْ بَدَّلَتْها بَنُو إسْرائِيلَ؛ وغَيَّرَتْها؛ هَذا مَذْهَبُ جَماعَةٍ مِنَ العُلَماءِ؛ ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما - أنَّهم إنَّما بَدَّلُوا بِالتَأْوِيلِ؛ والأوَّلُ أرْجَحُ؛ وفي حَرْفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ".
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَإنْ تُطِعْ أكْثَرَ مَن في الأرْضِ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ اَلْمَعْنى: "فامْضِ يا مُحَمَّدُ لِما أُمِرْتَ بِهِ؛ وانْفُذْ لِرِسالَتِكَ؛ فَإنَّكَ إنْ تُطِعْ أكْثَرَ مَن في الأرْضِ يُضِلُّوكَ"؛ وذَكَرَ - سُبْحانَهُ -: "أكْثَرَ"؛ لِأنَّ أهْلَ الأرْضِ حِينَئِذٍ كانَ أكْثَرُهم كافِرِينَ؛ ولَمْ يَكُنِ المُؤْمِنُونَ إلّا قِلَّةً.
(p-٤٤٨)وَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: "اَلْأرْضِ"؛ هُنا: اَلدُّنْيا؛ وحُكِيَ أنَّ سَبَبَ هَذِهِ الآيَةِ أنَّ المُشْرِكِينَ جادَلُوا رَسُولَ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ في أمْرِ الذَبائِحِ؛ وقالُوا: تَأْكُلُ ما تَقْتُلُ؛ وتَتْرُكُ ما قَتَلَ اللهُ؟ فَنَزَلَتِ الآيَةُ؛ ووَصَفَهم - عَزَّ وجَلَّ - بِأنَّهم يَقْتَدُونَ بِظُنُونِهِمْ؛ ويَتَّبِعُونَ تَخَرُّصَهُمْ؛ و"اَلْخَرْصُ": اَلْحَزْرُ؛ والظَنُّ؛ وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "يَضِلُّ"؛ بِفَتْحِ الياءِ؛ وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: "يُضِلُّ"؛ بِضَمِّ الياءِ؛ ورَواهُ أحْمَدُ بْنُ أبِي شُرَيْحٍ عَنِ الكِسائِيِّ ؛ و"مَن" في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ "مَن يَضِلُّ"؛﴾ في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ؛ تَقْدِيرُهُ: "يَعْلَمُ مَن"؛ وقِيلَ: في مَوْضِعِ رَفْعٍ؛ كَأنَّهُ قالَ: "أيٌّ يَضِلُّ عن سَبِيلِهِ"؛ ذَكَرَهُ أبُو الفَتْحِ؛ وضَعَّفَهُ أبُو عَلِيٍّ ؛ وقِيلَ: في مَوْضِعِ خَفْضٍ بِإضْمارِ باءِ الجَرِّ؛ كَأنَّهُ قالَ: "بِمَن يَضِلُّ عن سَبِيلِهِ"؛ وهَذا ضَعِيفٌ؛ قالَ أبُو الفَتْحِ: هَذا هو المُرادُ؛ فَحُذِفَتْ باءُ الجَرِّ؛ ووَصَلَ "أعْلَمُ"؛ بِنَفْسِهِ؛ قالَ: ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ "أعْلَمُ"؛ مُضافًا إلى "مَن"؛ لِأنَّ أفْعَلَ التَفْضِيلِ بَعْضُ ما يُضافُ إلَيْهِ؛ وهَذِهِ الآيَةُ خَبَرٌ في ضِمْنِهِ وعِيدٌ لِلضّالِّينَ؛ ووَعْدٌ لِلْمُهْتَدِينَ.
{"ayahs_start":115,"ayahs":["وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقࣰا وَعَدۡلࣰاۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـٰتِهِۦۚ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ","وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِی ٱلۡأَرۡضِ یُضِلُّوكَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ إِن یَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا یَخۡرُصُونَ","إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ مَن یَضِلُّ عَن سَبِیلِهِۦۖ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِینَ"],"ayah":"وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِی ٱلۡأَرۡضِ یُضِلُّوكَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ إِن یَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا یَخۡرُصُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق