الباحث القرآني

قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَلِتَصْغى إلَيْهِ أفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ولِيَرْضَوْهُ ولِيَقْتَرِفُوا ما هم مُقْتَرِفُونَ﴾ ﴿أفَغَيْرَ اللهِ أبْتَغِي حَكَمًا وهو الَّذِي أنْزَلَ إلَيْكُمُ الكِتابَ مُفَصَّلا والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْلَمُونَ أنَّهُ مُنَزَّلٌ مِن رَبِّكَ بِالحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِن المُمْتَرِينَ﴾ ﴿وَلِتَصْغى إلَيْهِ﴾ ؛ مَعْناهُ: "لِتَمِيلَ"؛ يُقالُ: "صَغى؛ يَصْغى"؛ وأصْلُها "يُصْغِي"؛ بِكَسْرِ الغَيْنِ؛ لَكِنْ رُدَّ حَرْفُ الحَلْقِ إلى الفَتْحِ؛ ويُقالُ: "صَغا؛ يَصْغُو"؛ و"أصْغى؛ يُصْغِي"؛ و"صَغِيَ؛ يَصْغى". (p-٤٤٥)وَ"أفْئِدَةُ": جَمْعُ "فُؤادٌ"؛ و"يَقْتَرِفُونَ"؛ مَعْناهُ: "يُواقِعُونَ؛ ويَجْتَرِحُونَ"؛ وهي مُسْتَعْمَلَةٌ أكْثَرَ ذَلِكَ في الشَرِّ؛ والذُنُوبِ؛ ونَحْوِها. والقُرّاءُ عَلى كَسْرِ اللامِ في الثَلاثَةِ الأفْعالِ؛ عَلى أنَّها لامُ "كَيْ"؛ فَإمّا أنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلى "غُرُورًا"؛ وإمّا أنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلٍ مُؤَخَّرٍ؛ تَقْدِيرُهُ: "فَعَلُوا ذَلِكَ"؛ أو: "جَعَلَنا ذَلِكَ"؛ فَهي لامُ صَيْرُورَةٍ؛ قالَهُ الزَجّاجُ ؛ ولا يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ هَذِهِ اللاماتُ - عَلى هَذِهِ القِراءَةِ - لامَ الأمْرِ؛ وضِمْنَها الوَعِيدُ؛ وتَبْقى في "وَلِتَصْغى"؛ عَلى نَحْوِ ما جاءَ مِن ذَلِكَ في قَوْلِ الشاعِرِ: ؎ ألَمْ يَأْتِيكَ............ ∗∗∗..................؟ إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِمّا قَدْ قُرِئَ بِهِ؛ قالَ أبُو الفَتْحِ: قَرَأها الحَسَنُ بِالتَسْكِينِ في الثَلاثَةِ؛ وهي لامُ "كَيْ"؛ وهي مَعْطُوفَةٌ عَلى قَوْلِهِ تَعالى "غُرُورًا"؛ والتَقْدِيرُ: "لِأجْلِ الغُرُورِ؛ ولِتَصْغى..."؛ وإسْكانُ هَذِهِ اللامِ شاذٌّ في الِاسْتِعْمالِ؛ قَوِيٌّ في القِياسِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ويَظْهَرُ أنْ تُحْمَلَ قِراءَةُ الحَسَنِ - بِسُكُونِ اللاماتِ الثَلاثَةِ - عَلى أنَّها لامُ الأمْرِ المُضَمَّنِ الوَعِيدَ والتَهْدِيدَ؛ والخَطُّ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ: "وَلْتَصْغَ"؛ ذَكَرَ أبُو عَمْرٍو الدانِيُّ أنَّ تَسْكِينَهُ في اللاماتِ الثَلاثَةِ؛ وكَذَلِكَ قالَ أبُو الفَتْحِ؛ وذَكَرَ أنَّ الحَسَنَ إنَّما يُسَكِّنُ اللامَيْنِ الثانِيَةَ والثالِثَةَ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وذَلِكَ يُخالِفُهُ خَطُّ المُصْحَفِ فِي: "وَلِتَصْغى". قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ويُتَحَصَّلُ أنْ تُسَكَّنَ اللامُ في "وَلِتَصْغى"؛ عَلى ما ذَكَرْناهُ في قِراءَةِ الجَماعَةِ؛ قالَ أبُو (p-٤٤٦)عَمْرٍو: وقِراءَةُ الحَسَنِ إنَّما هِيَ: "لِتَصْغِيَ"؛ بِكَسْرِ الغَيْنِ؛ وقِراءَةُ إبْراهِيمَ النَخَعِيُّ "لِتُصْغِيَ"؛ بِضَمِّ التاءِ؛ وكَسْرِ الغَيْنِ؛ مِن: "أصْغى؛ يُصْغِي"؛ وكَذَلِكَ قَرَأ الجَرّاحُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. وقَوْلُهُ تَعالى "أفَغَيْرَ"؛ نُصِبَ بِـ "أبْتَغِي"؛ و"حَكَمًا"؛ نُصِبَ عَلى البَيانِ؛ والتَمْيِيزِ؛ و"مُفَصَّلًا"؛ مَعْناهُ: مُزالَ الإشْكالِ؛ قَدْ فُصِّلَتْ آياتُهُ؛ وهَذِهِ الآيَةُ - وإنْ كانَ مَعْناها يَعُمُّ في أنَّ اللهَ تَعالى لا يُبْتَغى سِواهُ حَكَمًا في كُلِّ شَيْءٍ؛ وفي كُلِّ قَضِيَّةٍ - فَإنّا نَحْتاجُ في وصْفِ الكَلامِ؛ واتِّساقِ المَعانِي؛ أنْ نَنْظُرَ إلى قَضِيَّةٍ فِيما تَقَدَّمَ تَكُونُ سَبَبًا إلى قَوْلِهِ تَعالى ﴿أفَغَيْرَ اللهِ أبْتَغِي حَكَمًا﴾ ؛ فَهي - واللهُ أعْلَمُ - حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ بِأنَّهم لا يُؤْمِنُونَ؛ ولَوْ بَعَثَ إلَيْهِمْ كُلَّ الآياتِ؛ وحُكْمُهُ بِأنْ جَعَلَ لِلْأنْبِياءِ أعْداءَ مِنَ الجِنِّ؛ والإنْسِ؛ و"حَكَمًا"؛ أبْلَغُ مِن "حاكِمًا"؛ إذْ هي صِيغَةٌ لِلْعَدْلِ مِنَ الحُكّامِ؛ و" اَلْحاكِمُ "؛ جارٍ عَلى الفِعْلِ؛ فَقَدْ يُقالُ لِلْجائِرِ؛ و"حَكَمًا"؛ نُصِبَ عَلى البَيانِ؛ أوِ الحالِ. وبِهَذِهِ الآيَةِ خاصَمَتِ الخَوارِجُ عَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عنهُ - في تَكْفِيرِهِ بِالتَحْكِيمِ؛ ولا حُجَّةَ لَها؛ لِأنَّ اللهَ تَعالى حَكَمَ في الصَيْدِ؛ وبَيْنَ الزَوْجَيْنِ؛ فَتَحْكِيمُ المُؤْمِنِينَ مِن حُكْمِهِ تَعالى. وقَوْلُهُ تَعالى ﴿والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْلَمُونَ أنَّهُ مُنَزَّلٌ مِن رَبِّكَ بِالحَقِّ﴾ ؛ يَتَضَمَّنُ الِاسْتِشْهادَ بِمُؤْمِنِيهِمْ؛ والطَعْنَ والتَنْبِيهَ عَلى مُشْرِكِيهِمْ؛ وحَسَدَتِهِمْ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ ؛ وحَفْصٌ ؛ عن عاصِمٍ: "مُنَزَّلٌ"؛ بِالتَشْدِيدِ؛ والباقُونَ بِالتَخْفِيفِ؛ و"اَلْكِتابَ"؛ أوَّلًا هو القُرْآنُ؛ وثانِيًا اسْمُ جِنْسٍ: اَلتَّوْراةُ؛ والإنْجِيلُ؛ والزَبُورُ؛ والصُحُفُ؛ ووَصْفُهُ أهْلَ الكِتابِ بِالعِلْمِ عُمُومٌ بِمَعْنى الخُصُوصِ؛ وإنَّما يُرِيدُ عُلَماءَهُمْ؛ وأحْبارَهم. وقَوْلُهُ تَعالى ﴿فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ﴾ ؛ تَثْبِيتٌ؛ ومُبالَغَةٌ؛ وطَعْنٌ عَلى المُمْتَرِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب