الباحث القرآني

قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ لا إلَهَ إلا هو وأعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ﴾ ﴿وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أشْرَكُوا وما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهِ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهم ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهم فَيُنَبِّئُهم بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ هَذانِ أمْرانِ لِلنَّبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - مُضَمَّنُهُما الِاقْتِصارُ عَلى اتِّباعِ الوَحْيِ؛ ومُوادَعَةِ الكُفّارِ؛ وذَلِكَ كانَ في أوَّلِ الإسْلامِ؛ ثُمَّ نُسِخَ الإعْراضُ عنهم بِالقِتالِ؛ والسَوْقِ إلى الدِينِ طَوْعًا؛ أو كَرْهًا. (p-٤٣٧)وَقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أشْرَكُوا﴾ ؛ في ظاهِرِها رَدٌّ عَلى المُعْتَزِلَةِ القائِلِينَ: إنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ اللهِ تَعالى لُطْفٌ يُؤْمِنُ بِهِ الكافِرُ؛ وإنَّ الكافِرَ؛ والإنْسانَ؛ في الجُمْلَةِ؛ يَخْلُقُ أفْعالَهُ؛ وهي مُتَضَمِّنَةٌ أنَّ إشْراكَهم وغَيْرَهُ وقْفٌ عَلى مَشِيئَةِ اللهِ - عَزَّ وجَلَّ. وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ ؛ كانَ في أوَّلِ الإسْلامِ؛ وكَذَلِكَ: ﴿وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾. وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ مُخاطَبَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ؛ ولِلنَّبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: "وَسَبَبُها أنَّ كُفّارَ قُرَيْشٍ قالُوا لِأبِي طالِبٍ: إمّا أنْ يَنْتَهِيَ مُحَمَّدٌ وأصْحابُهُ عن سَبِّ آلِهَتِنا؛ والغَضِّ مِنها؛ وإمّا أنْ نَسُبَّ إلَهَهُ؛ ونَهْجُوَهُ؛ فَنَزَلَتِ الآيَةُ"؛ وحُكْمُها عَلى كُلِّ حالٍ باقٍ في الأُمَّةِ؛ فَمَتى كانَ الكافِرُ في مَنَعَةٍ؛ وخِيفَ أنْ يَسُبَّ الإسْلامَ؛ أوِ النَبِيَّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ أوِ اللهَ - عَزَّ وجَلَّ -؛ فَلا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أنْ يَسُبَّ دِينَهُمْ؛ ولا صُلْبانَهُمْ؛ ولا يَتَعَرَّضَ إلى ما يُؤَدِّي إلى ذَلِكَ؛ أو نَحْوِهِ؛ وعَبَّرَ عَنِ الأصْنامِ - وهي لا تَعْقِلُ - بِـ "اَلَّذِينَ"؛ وذَلِكَ عَلى مُعْتَقَدِ الكَفَرَةِ فِيها؛ وفي هَذِهِ الآيَةِ ضَرْبٌ مِنَ المُوادَعَةِ. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "عَدْوًا"؛ بِفَتْحِ العَيْنِ؛ وسُكُونِ الدالِ؛ نُصِبَ عَلى المَصْدَرِ؛ وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ؛ وأبُو رَجاءٍ ؛ وقَتادَةُ ؛ ويَعْقُوبُ؛ وسَلامٌ؛ وعَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ: "عُدُوًّا"؛ بِضَمِّ العَيْنِ؛ والدالِ؛ وتَشْدِيدِ الواوِ؛ وهَذا أيْضًا نُصِبَ عَلى المَصْدَرِ؛ وهو مِن "اَلِاعْتِداءُ"؛ وقَرَأ بَعْضُ الكُوفِيِّينَ: "عَدُوًّا"؛ بِفَتْحِ العَيْنِ؛ وضَمِّ الدالِ؛ نُصِبَ عَلى الحالِ؛ أيْ في حالِ عَداوَةٍ لِلَّهِ تَعالى ؛ وهو لَفْظٌ مُفْرَدٌ؛ يَدُلُّ عَلى الجَمْعِ. وقَوْلُهُ تَعالى ﴿ "بِغَيْرِ عِلْمٍ"؛﴾ بَيانٌ لِمَعْنى الِاعْتِداءِ المُتَقَدِّمِ. وقَوْلُهُ تَعالى ﴿كَذَلِكَ زَيَّنّا لِكُلِّ أُمَّةٍ﴾ ؛ إشارَةٌ إلى ما زَيَّنَ اللهُ تَعالى لِهَؤُلاءِ؛ عَبَدَةِ الأصْنامِ؛ مِنَ التَمَسُّكِ بِها؛ والذَبِّ عنها؛ وتَزْيِينُ اللهِ تَعالى عَمَلَ الأُمَمِ هو ما يَخْلُقُهُ؛ ويَخْتَرِعُهُ في النُفُوسِ مِنَ المَحَبَّةِ لِلْخَيْرِ؛ أوِ الشَرِّ؛ والِاتِّباعُ لِطُرُقِهِ؛ وتَزْيِينُ الشَيْطانِ هو بِما يَقْذِفُهُ في النُفُوسِ مِنَ الوَسْوَسَةِ؛ وخَطَراتِ السُوءِ. وقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهم فَيُنَبِّئُهُمْ﴾ ؛ يَتَضَمَّنُ وعَدًا جَمِيلًا لِلْمُحْسِنِينَ؛ ووَعِيدًا ثَقِيلًا لِلْمُسِيئِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب