الباحث القرآني
(p-٤٣١)قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الجِنَّ وخَلَقَهم وخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وتَعالى عَمّا يَصِفُونَ﴾ ﴿بَدِيعُ السَماواتِ والأرْضِ أنّى يَكُونُ لَهُ ولَدٌ ولَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهو بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ﴿ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكم لا إلَهَ إلا هو خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فاعْبُدُوهُ وهو عَلى كُلِّ شَيْءٍ وكِيلٌ﴾
"جَعَلُوا"؛ بِمَعْنى: "صَيَّرُوا"؛ و"اَلْجِنَّ"؛ مَفْعُولٌ؛ و"شُرَكاءَ"؛ مَفْعُولٌ ثانٍ مُقَدَّمٌ؛ ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعالى "شُرَكاءَ"؛ مَفْعُولًا أوَّلَ؛ و"لِلَّهِ"؛ في مَوْضِعِ المَفْعُولِ الثانِي؛ و"اَلْجِنَّ"؛ بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ "شُرَكاءَ"؛﴾ وهَذِهِ الآيَةُ مُشِيرَةٌ إلى العادِلِينَ بِاللهِ - عَزَّ وجَلَّ -؛ والقائِلِينَ: إنَّ الجِنَّ تَعْلَمُ الغَيْبَ؛ العابِدِينَ لِلْجِنِّ؛ وكانَتْ طَوائِفُ مِنَ العَرَبِ تَفْعَلُ ذَلِكَ؛ وتَسْتَجِيرُ بِجِنِّ الأودِيَةِ في أسْفارِها؛ ونَحْوِ هَذا.
أمّا الَّذِينَ خَرَقُوا البَنِينَ فاليَهُودُ؛ في ذِكْرِ عُزَيْرٍ؛ والنَصارى؛ في ذِكْرِ المَسِيحِ - عَلَيْهِ السَلامُ -؛ وأمّا ذاكِرُو البَناتِ فالعَرَبُ الَّذِينَ قالُوا لِلْمَلائِكَةِ: بَناتُ اللهِ تَعالى ؛ فَكَأنَّ الضَمِيرَ في "جَعَلُوا"؛ و"خَرَقُوا"؛ لِجَمِيعِ الكُفّارِ؛ إذْ فَعَلَ بَعْضُهم هَذا؛ وبَعْضُهم هَذا؛ وبِنَحْوِ هَذا فَسَّرَ السُدِّيُّ وابْنُ زَيْدٍ ؛ وقَرَأ شُعَيْبُ بْنُ أبِي حَمْزَةَ: "شُرَكاءَ الجِنِّ"؛ بِخَفْضِ النُونِ؛ وقَرَأ يَزِيدُ بْنُ قُطَيْبٍ؛ وأبُو حَيْوَةَ "اَلْجِنِّ"؛ و"اَلْجِنُّ"؛ بِالخَفْضِ؛ والرَفْعِ؛ عَلى تَقْدِيرِ: "هُمُ الجِنُّ".
وقَرَأ الجُمْهُورُ: "وَخَلَقَهُمْ"؛ بِفَتْحِ اللامِ؛ عَلى مَعْنى: "وَهُوَ خَلَقَهُمْ"؛ وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُ -: "وَهُوَ خَلَقَهُمْ"؛ والضَمِيرُ في "وَخَلَقَهُمْ"؛ يَحْتَمِلُ العَوْدَةَ عَلى الجاعِلِينَ؛ ويَحْتَمِلُها عَلى المَجْعُولِينَ؛ وقَرَأ يَحْيى بْنُ يَعْمُرَ: "وَخَلْقَهُمْ"؛ بِسُكُونِ اللامِ؛ عَطْفًا عَلى "اَلْجِنَّ"؛ أيْ: "جَعَلُوا خَلْقَهُمُ الَّذِي يَنْحِتُونَهُ أصْنامًا شُرَكاءَ لِلَّهِ تَعالى.
وقَرَأ السَبْعَةُ - سِوى نافِعٍ -: ﴿ "وَخَرَقُوا"؛﴾ بِتَخْفِيفِ الراءِ؛ وهو بِمَعْنى: "اِخْتَلَقُوا وافْتَرَوْا"؛ وقَرَأ نافِعٌ: "وَخَرَّقُوا"؛ بِتَشْدِيدِ الراءِ؛ عَلى المُبالَغَةِ؛ وقَرَأ ابْنُ عُمَرَ ؛ وابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -: "وَحَرَّفُوا"؛ مِن "اَلتَّحْرِيفُ"؛ كَذا قالَ أبُو الفَتْحِ؛ قالَ أبُو عَمْرٍو الدانِيُّ: قَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ: "حَرَفُوا"؛ خَفِيفَةَ الراءِ؛ وابْنُ عُمَرَ "حَرَّفُوا"؛ مُشَدَّدَةَ الراءِ.
(p-٤٣٢)وَقَوْلُهُ تَعالى "بِغَيْرِ عِلْمٍ"؛ نَصٌّ عَلى قُبْحِ تَقَحُّمِهِمُ المَجْهَلَةَ؛ وافْتِرائِهِمُ الباطِلَ عَلى عَمًى؛ "سُبْحانَهُ"؛ أيْ: "تَنَزَّهَ عن وصْفِهِمُ الفاسِدِ المُسْتَحِيلِ عَلَيْهِ - تَبارَكَ وتَعالى -؛ و"بَدِيعُ"؛ بِمَعْنى: "مُبْدِعٌ؛ ومُخْتَرِعٌ؛ وخالِقٌ"؛ فَهو بِناءُ اسْمِ فاعِلٍ؛ كَما جاءَ "سَمِيعٌ"؛ بِمَعْنى "مُسْمِعٌ"؛ و"أنّى"؛ بِمَعْنى: "كَيْفَ؟"؛ و"مِن أيْنَ؟"؛ فَهي اسْتِفْهامٌ في مَعْنى التَوْقِيفِ والتَقْرِيرِ.
وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "وَلَمْ تَكُنْ"؛ بِالتاءِ؛ عَلى تَأْنِيثِ عَلامَةِ الفِعْلِ؛ وقَرَأ إبْراهِيمُ النَخَعِيُّ بِالياءِ؛ عَلى تَذْكِيرِها؛ وتَذْكِيرُ "كانَ"؛ وأخَواتِها؛ مَعَ تَأْنِيثِ اسْمِها؛ أسْهَلُ مِن ذَلِكَ في سائِرِ الأفْعالِ؛ فَقَوْلُكَ: "كانَ في الدارِ هِنْدٌ"؛ أسْوَغُ مِن: "قامَ في الدارِ هِنْدٌ"؛ وحَسَّنَ القِراءَةَ الفَصْلُ بِالظَرْفِ؛ الَّذِي هو الخَبَرُ؛ ويُتَّجَهُ في القِراءَةِ المَذْكُورَةِ أنْ يَكُونَ في "يَكُنْ"؛ ضَمِيرُ اسْمِ اللهِ - تَبارَكَ وتَعالى -؛ وتَكُونَ الجُمْلَةُ - الَّتِي هي "لَهُ صاحِبَةٌ" - خَبَرَ "كانَ"؛ ويُتَّجَهُ أنْ يَكُونَ في "يَكُنْ"؛ ضَمِيرُ أمْرٍ وشَأْنٍ؛ وتَكُونَ الجُمْلَةُ بَعْدُ تَفْسِيرًا لَهُ؛ وخَبَرًا؛ وهَذِهِ الآيَةُ رَدٌّ عَلى الكُفّارِ؛ بِقِياسِ الغائِبِ عَلى الشاهِدِ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ ؛ لَفْظٌ عامٌّ لِكُلِّ ما يَجُوزُ أنْ يَدْخُلَ تَحْتَهُ؛ ولا يَجُوزَ أنْ يَدْخُلَ تَحْتَهُ صِفاتُ اللهِ تَعالى وكَلامُهُ؛ فَلَيْسَ هو عُمُومًا مُخَصَّصًا؛ عَلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ قَوْمٌ؛ لِأنَّ العُمُومَ المُخَصَّصَ هو أنْ يَتَناوَلَ العُمُومُ شَيْئًا؛ ثُمَّ يُخْرِجُهُ التَخْصِيصُ؛ وهَذا لَمْ يَتَناوَلْ قَطُّ هَذِهِ الَّتِي ذَكَرْناها؛ وإنَّما هَذا بِمَنزِلَةِ قَوْلِ الإنْسانِ: "قَتَلْتُ كُلَّ فارِسٍ؛ وأفْحَمْتُ كُلَّ خَصْمٍ"؛ فَلَمْ يُدْخِلِ القائِلُ قَطُّ في هَذا العُمُومِ الظاهِرَ مِن لَفْظِهِ؛ وأمّا قَوْلُهُ - سُبْحانَهُ -: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ؛ فَهَذا عُمُومٌ عَلى الإطْلاقِ؛ ولِأنَّ اللهَ - عَزَّ وجَلَّ - يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ؛ لا رَبَّ غَيْرُهُ؛ ولا مَعْبُودَ سِواهُ.
ولَمّا تَقَرَّرَتِ الحُجَجُ وبانَتِ الوَحْدانِيَّةُ؛ جاءَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ يَتَضَمَّنُ تَقْرِيرًا؛ وحُكْمًا؛ إخْلاصًا؛ وأمْرًا بِالعِبادَةِ؛ وإعْلامًا بِأنَّهُ حَفِيظٌ رَقِيبٌ عَلى كُلِّ فِعْلٍ وقَوْلٍ؛ وفي هَذا الإعْلامِ تَخْوِيفٌ؛ وتَحْذِيرٌ.
{"ayahs_start":100,"ayahs":["وَجَعَلُوا۟ لِلَّهِ شُرَكَاۤءَ ٱلۡجِنَّ وَخَلَقَهُمۡۖ وَخَرَقُوا۟ لَهُۥ بَنِینَ وَبَنَـٰتِۭ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲۚ سُبۡحَـٰنَهُۥ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا یَصِفُونَ","بَدِیعُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَنَّىٰ یَكُونُ لَهُۥ وَلَدࣱ وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ صَـٰحِبَةࣱۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَیۡءࣲۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ","ذَ ٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ خَـٰلِقُ كُلِّ شَیۡءࣲ فَٱعۡبُدُوهُۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ وَكِیلࣱ"],"ayah":"بَدِیعُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَنَّىٰ یَكُونُ لَهُۥ وَلَدࣱ وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ صَـٰحِبَةࣱۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَیۡءࣲۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق