الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَلَوْلا أنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الجَلاءَ لَعَذَّبَهم في الدُنْيا ولَهم في الآخِرَةِ عَذابُ النارِ﴾ ﴿ذَلِكَ بِأنَّهم شاقُّوا اللهَ ورَسُولَهُ ومَن يُشاقِّ اللهَ فَإنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقابِ﴾ ﴿ما قَطَعْتُمْ مِن لِينَةٍ أو تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإذْنِ اللهِ ولِيُخْزِيَ الفاسِقِينَ﴾ ﴿وَما أفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهم فَما أوجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِن خَيْلٍ ولا رِكابٍ ولَكِنَّ اللهُ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مِن يَشاءُ واللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
أخْبَرَ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ كَتَبَ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ جَلاءً، وكانَتْ بَنُو النَضِيرِ مِمَّنْ حَلَّ بِالحِجازِ عِنْدَ مَوْتِ مُوسى عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ بِيَسِيرٍ؛ لِأنَّهم كانُوا مِنَ الجَيْشِ الَّذِي (p-٢٦٢)رَجَعَ وقَدْ عَصَوْا في أنْ لَمْ يَقْتُلُوا الغُلامَ ابْنَ مَلَكِ العَمالِيقِ لِجِمالِهِ وعَقْلِهِ، وقَدْ كانَ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ قالَ لَهُمْ: لا تَسْتَحْيُوا أحَدًا، فَلَمّا رَجَعَ ذَلِكَ الجَيْشُ إلى بَنِي إسْرائِيلَ بِالشامِ وجَدُوا مُوسى مَيِّتًا، وقالَ لَهم بَنُو إسْرائِيلَ أنْتُمْ عُصاةٌ واللهِ لا دَخَلْتُمْ عَلَيْنا بِلادَنا، فَقالَ أهْلُ ذَلِكَ الجَيْشِ إلى بَنُو إسْرائِيلَ: لَيْسَ لَنا أحَبُّ مِنَ البِلادِ الَّتِي غَلَبْنا أهْلَها، فانْصَرَفُوا إلى الحِجازِ فَكانُوا فِيهِ، فَلَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمُ الجَلاءُ الَّذِي أجْراهُ بُخْتِنَصَّرُ عَلى أهْلِ الشامِ، وقَدْ كانَ اللهُ تَعالى كَتَبَ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ جَلاءً فَنالَهم هَذا الجَلاءَ عَلى يَدِي مُحَمَّدٍ ﷺ، ولَوْلا ذَلِكَ لَعَذَّبَهُمُ اللهُ في الدُنْيا بِالسَيْفِ والقَتْلِ كَأهْلِ بَدْرٍ وغَيْرِهِمْ، ويُقالُ: جَلا الرَجُلُ، وأجْلاهُ غَيْرُهُ، وقَدْ يُقالُ: أجْلى الرَجُلُ نَفْسَهُ، بِمَعْنى: جَلا.
و"المُشاقَّةُ": كَوْنُ الإنْسانِ في شِقٍّ ومُخالِفِهِ في شَقٍّ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما قَطَعْتُمْ مِن لِينَةٍ﴾ سَبَبُها أنَّ بَعْضَ أصْحابِ النَبِيِّ ﷺ وضَعُوا أيْدِيَهم في نَخْلِ بَنِي النَضِيرِ يَقْطَعُونَ ويَحْرِقُونَ، فَقالَ بَنُو النَضِيرِ: ما هَذا الإفْسادُ يا مُحَمَّدُ وأنْتَ تَنْهى عَنِ الفَسادِ؟ فَكَفَّ عن ذَلِكَ بَعْضُ الصَحابَةِ، وذَلِكَ في صَدْرِ الحَرْبِ مَعَهُمْ، فَنَزَلَتِ الآيَةُ مُعْلِمَةً أنَّ جَمِيعَ ما جَرى مِن قَطْعٍ أو إمْساكٍ فَبِإذْنِ اللهِ تَعالى، ورَدَّتِ الآيَةُ عَلى قَوْلِ بَنِي النَضِيرِ إنَّْ مُحَمَّدًا يَنْهى عَنِ الفَسادِ وها هو ذا يُفْسِدُ، فَأعْلَمَ اللهُ تَعالى أنَّ ذَلِكَ بِإذْنِهِ ولِيُجْزِيَ بِهِ الفاسِقِينَ مِن بَنِي النَضِيرِ.
واخْتَلَفَ الناسُ في "اللِينَةُ" فَقالَ الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، وابْنُ زَيْدٍ، وعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: اللِينَةُ: النَخْلَةُ، اسْمانِ بِمَعْنًى واحِدٍ، وجَمْعُها لِينٌ ولِيانٌ، وقالَ الشاعِرُ:
؎ وسالِفَةٌ كَسُحُوقِ اللِيانِ أضْرَمَ فِيها الغَوِيُّ السُعُرْ
(p-٢٦٣)وَقالَ الآخَرُ:
؎ طِراقُ الخَوافِي واقِعٌ فَوْقَ لِينَةٍ ∗∗∗ نَدى لَيْلِهِ في رِيشِهِ يَتَرَقْرَقُ
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما وجَماعَةٌ مِنَ اللُغَوِيِّينَ: اللِينَةُ مِنَ النَخْلِ ما لَمْ تَكُنْ عَجْوَةً، وقالَ سُفْيانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَوْرِيُّ: اللِينَةُ: الكَرِيمَةُ مِنَ النَخْلِ، وقالَ أبُو -عُبَيْدَةَ فِيما رُوِيَ عنهُ- وسُفْيانُ: اللِينَةُ: ما تَمْرُها لَوِنٌ، وهو نَوْعٌ مِنَ التَمْرِ يُقالُ لَهُ: اللَوْنُ، قالَ سُفْيانُ: هو شَدِيدُ الصُفْرَةِ يَشِفُّ عن نَواةٍ فَيُرى مِن خارِجٍ، وأصْلُها "لِوْنَةٌ" فَأُبْدِلَتْ لِمُوافَقَةِ الكَسْرَةِ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ أيْضًا اللِينُ: ألْوانُ النَخْلِ المُخْتَلِطَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيها عَجْوَةٌ ولا نَوًى. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ والأعْمَشُ: "أو تَرَكْتُمُوها قُوَّمًا عَلى أُصُولِها"، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما أفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهُمْ﴾ الآيَةُ...إعْلامٌ أنَّ ما أُخِذَ مِن بَنِي النَضِيرِ ومِن فَدَكٍ فَهو خاصٌّ لِلنَّبِيِّ ﷺ ولَيْسَ عَلى حُكْمِ الغَنِيمَةِ الَّتِي يُوجِفُ عَلَيْها ويُقاتِلُ فِيها، بَلْ عَلى حُكْمِ خُمْسِ الغَنائِمِ، وذَلِكَ أنْ بَنِي النَضِيرِ لَمْ يُوجِفْ عَلَيْها ولا قُوتِلَتْ كَبِيرَ قِتالٍ، فَأخَذَ مِنها رَسُولُ اللهِ ﷺ لِنَفْسِهِ قُوتَ عِيالِهِ، وقَسَّمَ سائِرَها في المُهاجِرِينَ ولَمْ يُعْطَ الأنْصارُ شَيْئًا غَيْرَ أنَّ أبا دُجانَةَ سَمّاكَ بْنَ خَرَشَةَ وسَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ شَكَيا فاقَةً عَظِيمَةً فَأعْطاهُما، هَذا قَوْلُ جَماعَةٍ مِنَ العُلَماءِ، وفي ذَلِكَ قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: «كانَتْ أمْوالُ بَنِي النَضِيرِ مِمّا أفاءَ اللهُ تَعالى عَلى (p-٢٦٤)رَسُولِ اللهِ ﷺ مِمّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ ولا رِكابٍ، فَكانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُنْفِقُ مِنها عَلى أهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ، وما بَقِيَ مِنها جَعَلَهُ في السِلاحِ والكُراعِ عِدَّةً في سَبِيلِ اللهِ تَعالى،» قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: وكَذَلِكَ كَلُّ ما فَتَحَ عَلى الأئِمَّةِ مِمّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ فَهو لَهم خاصَّةً، والوَجِيفُ دُونَ التَضْرِيبِ، يُقالُ وجَفَ الفُرْسُ وأوجَفَهُ الراكِبُ، والإيجافُ: سُرْعَةُ السَيْرِ والِاجْتِهادِ فِيهِ.
{"ayahs_start":3,"ayahs":["وَلَوۡلَاۤ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمُ ٱلۡجَلَاۤءَ لَعَذَّبَهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ","ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَاۤقُّوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۖ وَمَن یُشَاۤقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ","مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّینَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَاۤىِٕمَةً عَلَىٰۤ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِیُخۡزِیَ ٱلۡفَـٰسِقِینَ","وَمَاۤ أَفَاۤءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَاۤ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ خَیۡلࣲ وَلَا رِكَابࣲ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"],"ayah":"وَمَاۤ أَفَاۤءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَاۤ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ خَیۡلࣲ وَلَا رِكَابࣲ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق