الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿لَهُ مُلْكُ السَماواتِ والأرْضِ وإلى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ﴾ ﴿يُولِجُ اللَيْلَ في النَهارِ ويُولِجُ النَهارِ في اللَيْلَ وهو عَلِيمٌ بِذاتِ الصُدُورِ﴾ ﴿آمِنُوا بِاللهِ ورَسُولِهِ وأنْفِقُوا مِمّا جَعَلَكم مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فالَّذِينَ آمِنُوا مِنكم وأنْفِقُوا لَهم أجْرٌ كَبِيرٌ﴾ ﴿وَما لَكم لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ والرَسُولُ يَدْعُوكم لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكم وقَدْ أخَذَ مِيثاقَكم إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكم مِنَ الظُلُماتِ إلى النُورِ وإنَّ اللهَ بِكم لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإلى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ﴾ خَبَرٌ يَعُمُّ جَمِيعَ المَوْجُوداتِ، و"الأُمُورُ" هُنا لَيْسَتْ جَمْعَ المَصْدَرِ، بَلْ هي جَمِيعُ المَوْجُوداتِ لِأنَّ الأمْرَ والشَيْءَ والوُجُودَ أسْماءٌ شائِعَةٌ في جَمِيعِ المَوْجُوداتِ أعْراضِها وجَواهِرِها، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "تُرْجَعُ" بِضَمِّ التاءِ، وقَرَأ الأعْرَجُ، وابْنُ أبِي إسْحاقَ: "تَرْجِعُ" بِفَتْحِ التاءِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُولِجُ اللَيْلَ في النَهارِ﴾ الآيَةُ تَنْبِيهٌ عَلى العِبْرَةِ فِيما يَتَجاذَبُهُ اللَيْلُ والنَهارُ مِنَ الطُولِ والقِصَرِ، وذَلِكَ مُتَشَعِّبٌ مُخْتَلِفٌ حَسَبَ اخْتِلافِ الأقْطارِ والأزْمانِ الأرْبَعَةِ، وذَلِكَ بَحْرٌ مِن بِحارِ الفِكْرَةِ لِمَن تَأمَّلَهُ، و"يُولِجُ" مَعْناهُ: يَدْخُلُ، و"ذاتُ الصُدُورِ": ما فِيها مِنَ الأسْرارِ والمُعْتَقَداتِ وذَلِكَ أغْمَضُ ما يَكُونُ، وهَذا كَما قالُوا: (p-٢٢٠)"الذِئْبُ مَغْبُوطٌ بِذِي بَطْنِهِ"، وكَما قالَ أبُو بَكْرٍ الصَدِيقُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "إنَّما هو ذُو بَطْنِ بِنْتِ خارِجَةٍ ".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿آمِنُوا بِاللهِ ورَسُولِهِ﴾ الآيَةُ. أمْرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالثُبُوتِ عَلى الإيمانِ والنَفَقَةِ في سَبِيلِ اللهِ، ويُرْوى أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في غَزْوَةِ العُسْرَةِ، وهي غَزْوَةُ تَبُوكٍ، قالَهُ الضَحّاكُ، وقالَ: الإشارَةُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فالَّذِينَ آمَنُوا مِنكم وأنْفَقُوا﴾ إلى عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وحُكْمُها باقٍ يَنْدُبُ إلى هَذِهِ الأفْعالِ بَقِيَّةَ الدَهْرِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِمّا جَعَلَكم مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ تَزْهِيدٌ وتَنْبِيهٌ عَلى أنَّ الأمْوالَ إنَّما تَصِيرُ إلى الإنْسانِ مِن غَيْرِهِ ويَتْرُكُها لِغَيْرِهِ، ولَيْسَ لَهُ مِن ذَلِكَ إلّا ما تَضَمَّنَهُ قَوْلُ الرَسُولِ ﷺ: « "يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مالِي مالِي، وهَلْ لَكَ مِن مالِكٍ إلّا ما أكَلْتَ فَأفْنَيْتَ، أو لَبِسْتَ فَأبْلَيْتَ، أو تَصَدَّقْتَ فَأمْضَيْتَ"،» ويُرْوى أنَّ رَجُلًا مَرَّ بِأعْرابِيٍّ لَهُ إبِلٌ فَقالَ لَهُ: يا أعْرابِيُّ، لِمَن هَذِهِ الإبِلُ؟ فَقالَ: هي لِلَّهِ عِنْدِي، فَهَذا مُوافِقٌ مُصِيبٌ إنْ كانَ مِمَّنْ صَحِبَ قَوْلُهُ عَمَلَهُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما لَكم لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾ الآيَةُ تَوْطِئَةٌ لِدُعائِهِمْ وإيجابٌ لِأنَّهم أهْلُ هَذِهِ الرُتَبِ الرَفِيعَةِ، فَإذا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلا مانِعَ مِنَ الإيمانِ، وهَذا كَما تُرِيدُ أنْ تَنْدُبَ رَجُلًا إلى عَطاءٍ فَتَقُولُ لَهُ: أنْتَ يا فُلانُ مِن قَوْمٍ أجَوادٍ فَيَنْبَغِي أنْ تُكْرَمَ، وهَذا مُطَّرِدٌ في جَمِيعِ الأُمُورِ، إذا أرَدْتَ مِن أحَدٍ فِعٍلًا خَلَّقْتَهُ بِخُلُقِ أهْلِ ذَلِكَ الفِعْلِ وجَعَلْتَ لَهُ رُتْبَتَهُمْ، فَإذا تَقَرَّرَ في هَؤُلاءِ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَدْعُوهُمْ، وأنَّهم مِمَّنْ أخَذَ اللهُ مِيثاقَهُمْ، فَكَيْفَ (p-٢٢١)يَمْتَنِعُونَ مِنَ الإيمانِ؟ وقَرَأ جُمْهُورُ القُرّاءِ: "وَقَدْ أخَذَ مِيثاقَكُمْ" عَلى بِناءِ الفِعْلِ الفاعِلِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو: "وَقَدْ أخَذَ" عَلى بِناءِ الفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ، والآخِذُ عَلى كُلِّ قَوْلٍ هو اللهُ تَعالى، وهَذا الأخْذُ كانَ حِينَ الإخْراجِ مِن ظَهْرِ آدَمَ عَلَيْهِ السَلامُ عَلى ما مَضى في غَيْرِ هَذِهِ السُورَةِ، والمُخاطَبَةُ بِبِناءِ الفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ أشُدُّ غِلْظًا عَلى المُخاطَبِ، ونَحْوُهُ قَوْلُ اللهِ تَعالى: ﴿فاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ﴾ [هود: ١١٢]، وكَما تَقُولُ لِامْرِئٍ: افْعَلْ كَما قِيلَ لَكَ، فَهو أبْلَغُ مِن قَوْلِكَ: افْعَلْ ما قُلْتُ لَكَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ قالَ الطَبَرِيُّ: المَعْنى: إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ في حالٍ مِنَ الأحْوالِ فالآنَ، وهَذا مَعْنًى لَيْسَ في لَفْظِ الآيَةِ وفِيهِ إضْمارٌ كَثِيرٌ، وإنَّما المَعْنى عِنْدِي أنَّ قَوْلَ اللهِ تَعالى: ﴿والرَسُولُ يَدْعُوكم لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكم وقَدْ أخَذَ مِيثاقَكم إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ يَقْتَضِي أنْ يُقَدَّرَ بِأثَرِهِ: فَأنْتُمْ في رُتَبٍ شَرِيفَةٍ وأقْدارٍ رَفِيعَةٍ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، أيْ: إنْ دُمْتُمْ عَلى ما بَدَأْتُمْ بِهِ.
وقَرَأ بَعْضُ السَبْعَةِ: "يُنَزِّلُ" مُثْقَلَةً، وقَرَأ بَعْضُهُمْ: "يَنْزِلُ" مُخَفَّفَةً، وقَرَأها الحَسَنُ وعِيسى بِالوَجْهَيْنِ، وقَرَأ الأعْمَشُ: "أنْزِلُ"، والعَبْدُ في قَوْلِهِ تَعالى: "عَلى عَبْدِهِ" مُحَمَّدٍ ﷺ و"الآياتُ" آياتُ القُرْآنِ، و"الظُلُماتِ": الكُفْرُ، و"النُورُ": الإيمانُ، وما في الآيَةِ وعْدٌ وتَأْنِيسٌ مُؤَكَّدٌ.
{"ayahs_start":5,"ayahs":["لَّهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ","یُولِجُ ٱلَّیۡلَ فِی ٱلنَّهَارِ وَیُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِی ٱلَّیۡلِۚ وَهُوَ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ","ءَامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُوا۟ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِینَ فِیهِۖ فَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَأَنفَقُوا۟ لَهُمۡ أَجۡرࣱ كَبِیرࣱ","وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ یَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُوا۟ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِیثَـٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ","هُوَ ٱلَّذِی یُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦۤ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲ لِّیُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمۡ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ"],"ayah":"ءَامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُوا۟ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِینَ فِیهِۖ فَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَأَنفَقُوا۟ لَهُمۡ أَجۡرࣱ كَبِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق