الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ويَأْمُرُونَ الناسَ بِالبُخْلِ ومَن يَتَوَلَّ فَإنَّ اللهَ هو الغَنِيُّ الحَمِيدُ﴾ ﴿لَقَدْ أرْسَلْنا رُسُلَنا بِالبَيِّناتِ وأنْزَلْنا مَعَهُمُ الكِتابَ والمِيزانَ لِيَقُومَ الناسُ بِالقِسْطِ وأنْزَلْنا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ومَنافِعُ لِلنّاسِ ولِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنْصُرُهُ ورُسُلَهُ بِالغَيْبِ إنَّ اللهُ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ ﴿وَلَقَدْ أرْسَلْنا نُوحًا وإبْراهِيمَ وجَعَلْنا في ذُرِّيَّتِهِما النُبُوَّةَ والكِتابَ فَمِنهم مُهْتَدٍ وكَثِيرٌ مِنهم فاسِقُونَ﴾
اخْتَلَفَ النُحاةُ في إعْرابِ "الَّذِينَ"، فَقالَ بَعْضُهُمْ: هم في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى الِابْتِداءِ، والخَبَرُ عنهم مَحْذُوفٌ مَعْناهُ الوَعِيدُ والذَمُّ، وحَذْفُهُ عَلى جِهَةِ الإبْهامِ كَنَحْوِ حَذْفِ الجَوابِ (p-٢٣٨)فِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَوْ أنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الجِبالُ﴾ [الرعد: ٣١] الآيَةُ، وقالَ بَعْضُهُمْ: هم رُفِعَ عَلى خَبَرِ الِابْتِداءِ، تَقْدِيرُهُ: هُمُ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ، وقالَ بَعْضُهُمْ: هو في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإضْمارِ "أعْنِي" أو نَحْوِهِ، وقالَ بَعْضُهُمْ: هو في مَوْضِعِ صِفَةٍ لِـ "كُلِّ" لِأنَّ "كُلَّ" وإنْ كانَ نَكِرَةً فَهو تَخْصِيصٌ لَنَوْعِ ما، يَسُوغُ لِذَلِكَ وصْفُهُ بِالمَعْرِفَةِ، وهَذا مَذْهَبُ الأخْفَشِ.
و"يَبْخَلُونَ" مَعْناهُ:
بِأمْوالِهِمْ وأفْعالِهِمُ الحَسَنِةِ مِن إيمانِهِمْ وغَيْرِ ذَلِكَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَأْمُرُونَ الناسَ بِالبُخْلِ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَصِفَهم بِحَقِيقَةِ الأمْرِ بِألْسِنَتِهِمْ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ أنَّهم يُقْتَدى بِهِمْ في البُخْلِ فَهم لِذَلِكَ كَأنَّهم يَأْمُرُونَ،
وقَرَأ الحَسَنُ: "بِالبُخْلِ" بِفَتْحِ الخاءِ والباءِ. وقَرَأ جُمْهُورُ القُرّاءِ وأهْلُ العِراقِ: ﴿فَإنَّ اللهَ هو الغَنِيُّ الحَمِيدُ﴾ بِإثْباتِ "هُوَ"، وكَذَلِكَ فِي"إمامِهِمْ"، وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ: "فَإنَّ اللهَ الغَنِيَّ الحَمِيدَ" بِتَرْكِ "هُوَ"، وهي قِراءَةُ أهْلِ المَدِينَةِ، وكَذَلِكَ في إمامِهِمْ وهَذا لَمْ يَثْبُتْ قِراءَةَ إلّا وقَدْ قُرِئَ عَلى النَبِيِّ ﷺ، قالَ أبُو عَلِيٍّ: فَهو في القِراءَةِ الَّتِي ثَبَتَ فِيها يَحْسُنُ أنْ يَكُونَ فَصْلًا ويَحْسُنُ أنْ يَكُونَ ابْتِداءً؛ لِأنَّ حَذْفَ الِابْتِداءِ غَيْرُ سائِغٍ.
و"الكِتابُ" اسْمُ جِنْسٍ لِجَمِيعِ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ، و"المِيزانَ": العَدْلُ في تَأْوِيلِ أكْثَرِ المُتَأوِّلِينَ، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ وغَيْرُهُ مِنَ المُتَأوِّلِينَ: أرادَ المَوازِينَ المُصَرَّفَةَ بَيْنَ الناسِ، وهَذا خَيْرٌ مِنَ القَوْلِ الأوَّلِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيَقُومَ الناسُ بِالقِسْطِ﴾ يُقَوِّي القَوْلَ الأوَّلَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "وَأنْزَلْنا الحَدِيدَ"، عَبَّرَ تَعالى عن خَلْقِهِ واتِّخاذِهِ بِالإنْزالِ، كَما قالَ في الثَمانِيَةِ الأزْواجِ مِنَ الأنْعامِ وأيْضًا فَإنَّ الأمْرَ بِكَوْنِ الأشْياءِ لَمّا كانَ يَلْقى مِنَ السَماءِ، جَعَلَ الكُلَّ نُزُولًا مِنها، وقالَ جُمْهُورُ كَثِيرٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ: الحَدِيدَ هُنا أرادَ بِهِ جِنْسَهُ مِنَ المَعادِنِ وغَيْرِها، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: نَزَلَ آدَمُ عَلَيْهِ السَلامُ مِنَ الجَنَّةِ ومَعَهُ السِنْدانِ والكَلْبَتانِ والمِيقَعَةُ. قالَ حُذّاقٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ: أرادَ بِهِ السِلاحَ، ويَتَرَتَّبُ مَعْنى الآيَةِ: فَإنَّ اللهَ تَعالى أخْبَرَ أنَّهُ أرْسَلَ رُسُلًا، وأنْزَلَ كُتُبًا وعَدْلًا (p-٢٣٩)مَشْرُوعًا، وسِلاحًا، يُحارَبُ بِها مَن عانَدَ ولَمْ يَهْتَدِ بِهَدْيِ اللهِ، فَلَمْ يَبْقَ عُذْرٌ، وفي الآيَةِ -عَلى هَذا التَأْوِيلِ- حَضٌّ عَلى القِتالِ وتَرْغِيبٌ فِيهِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنْصُرُهُ﴾ يُقَوِّي هَذا التَأْوِيلَ، ومَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: "وَلِيَعْلَمَ اللهُ" أيْ: لِيَعْلَمَهُ مَوْجُودًا، فالتَغَيُّرُ لَيْسَ في عِلْمِ اللهِ، بَلْ في هَذا الحَدَثِ الَّذِي خَرَجَ مِنَ العَدَمِ إلى الوُجُودِ، وقَوْلُهُ تَعالى: "بِالغَيْبِ" مَعْناهُ: بِما سَمِعَ مِنَ الأوصافِ الغائِبَةِ فَآمَنَ بِها لِقِيامِ الأدِلَّةِ عَلَيْها، ثُمَّ وصَفَ تَبارَكَ وتَعالى نَفْسَهُ بِالقُوَّةِ والعِزَّةِ لِيُبَيِّنَ أنَّهُ لا حاجَةَ بِهِ إلى النُصْرَةِ لَكِنَّها نافِعَةٌ مِن عَظَّمَ بِها نَفْسَهُ مِنَ الناسِ.
ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى رِسالَةَ نُوحٍ وإبْراهِيمَ عَلَيْهِما الصَلاةُ والسَلامُ تَشْرِيفًا لَهُما بِالذِكْرِ، ولِأنَّهُما مِن أوَّلِ الرُسُلِ عَلَيْهِمُ السَلامُ، ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى نِعَمَهُ عَلى ذُرِّيَّتِهِما، وقَوْلُهُ تَعالى: "والكِتابَ" يَعْنِي الكُتُبَ الأرْبَعَةَ أنَّهم مَعَ ذَلِكَ مِنهم مَن فَسَقَ وعَنَدَ، فَكَذَلِكَ -بَلْ أحْرى- جَمِيعُ الناسِ ولِذَلِكَ يُشْرَعُ السِلاحُ لِلْقِتالِ.
{"ayahs_start":24,"ayahs":["ٱلَّذِینَ یَبۡخَلُونَ وَیَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِۗ وَمَن یَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِیُّ ٱلۡحَمِیدُ","لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمِیزَانَ لِیَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِیدَ فِیهِ بَأۡسࣱ شَدِیدࣱ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَیۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیزࣱ","وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحࣰا وَإِبۡرَ ٰهِیمَ وَجَعَلۡنَا فِی ذُرِّیَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلۡكِتَـٰبَۖ فَمِنۡهُم مُّهۡتَدࣲۖ وَكَثِیرࣱ مِّنۡهُمۡ فَـٰسِقُونَ"],"ayah":"ٱلَّذِینَ یَبۡخَلُونَ وَیَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِۗ وَمَن یَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِیُّ ٱلۡحَمِیدُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق