الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿سابِقُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكم وجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَماءِ والأرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ ورُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مِن يَشاءُ واللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ﴾ ﴿ما أصابَ مِن مُصِيبَةٍ في الأرْضِ ولا في أنْفُسِكم إلا في كِتابٍ مِن قَبْلِ أنْ نَبْرَأها إنَّ ذَلِكَ عَلى اللهِ يَسِيرٌ﴾ ﴿لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكم ولا تَفْرَحُوا بِما آتاكم واللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ﴾
لَمّا ذَكَرَ تَعالى المَغْفِرَةَ الَّتِي في الآخِرَةِ نُدِبَ في هَذِهِ الآيَةِ إلى المُسارَعَةِ إلَيْها والمُسابَقَةِ، وهَذِهِ الآيَةُ حُجَّةٌ عِنْدَ جَمِيعِ العُلَماءِ في النَدْبِ إلى الطاعاتِ، وقَدِ اسْتَدَلَّ بِها بَعْضُهم عَلى أنَّ أوَّلَ أوقاتِ الصَلَواتِ أفْضَلُ لِأنَّها تَقْتَضِي المُسارَعَةَ والمُسابَقَةَ، وقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهم في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ أشْياءَ هي عَلى جِهَةِ المِثالِ، فَقالَ قَوْمٌ مِنَ العُلَماءِ، مِنهُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "سابِقُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ" مَعْناهُ: كُونُوا في أوَّلِ صَفٍّ في القِتالِ، وقالَ آخَرُونَ، مِنهم أنَسُ بْنُ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ-: اشْهَدُوا تَكْبِيرَةَ الإحْرامِ مَعَ الإمامِ، وقالَ آخَرُونَ -مِنهم عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ- كُنْ أوَّلَ داخِلٍ في المَسْجِدِ وآخِرَ خارِجٍ مِنهُ، وهَذا كُلُّهُ عَلى جِهَةِ المِثالِ.
وذَكَرَ تَعالى العَرْضَ مِنَ الجَنَّةِ إذِ المَعْهُودُ أنَّهُ أقَلُّ مِنَ الطُولِ، وقالَ قَوْمٌ مِن أهْلِ المَعانِي: عَبَّرَ عَنِ المِساحَةِ بِالعَرْضِ، ولَمْ يَقْصِدْ أنَّ طُولَها أكْثَرُ ولا أقَلُّ، وقَدْ ورَدَ في الحَدِيثِ «أنَّ سَقْفَ الجَنَّةِ العَرْشُ،» ووَرَدَ في الحَدِيثِ: «أنَّ السَماواتِ السَبْعَ في الكُرْسِيِّ كالدِرْهَمِ في الفَلاةِ، وإنَّ الكُرْسِيَّ في العَرْشِ كالدِرْهَمِ في الفَلاةِ.»
وقَوْلُهُ تَعالى: "أُعِدَّتْ" ظاهِرُهُ أنَّها مَخْلُوقَةٌ الآنَ مُعَدَّةٌ، ونَصَّ عَلَيْهِ الحَسَنُ في كِتابِ النَقّاشِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما أصابَ مِن مُصِيبَةٍ﴾، قالَ ابْنُ زَيْدٍ: المَعْنى: ما حَدَثَ مِن حادِثِ خَيْرٍ أوَشَرٍّ، فَهَذا عَلى مَعْنى لَفْظِ "أصابَ" لا عَلى عُرْفِ المُصِيبَةِ فَإنْ عَرَفَها في الشَرِّ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما ما مَعْناهُ: أنَّهُ أرادَ عُرْفَ المُصِيبَةِ، وخَصَّها (p-٢٣٧)بِالذِكْرِ لِأنَّها أهَمُّ عَلى البَشَرِ، وهي بَعْضٌ مِنَ الحَوادِثِ، فَدَلَّ عَلى أنَّ جَمِيعَ الحَوادِثِ خَيْرِها وشَرِّها كَذَلِكَ، وقَوْلُهُ تَعالى: "فِي الأرْضِ" يَعْنِي بِالقُحُوطِ والزَلازِلِ وغَيْرِ ذَلِكَ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا في أنْفُسِكُمْ﴾ يُرِيدُ: بِالمَوْتِ والأمْراضِ وغَيْرِ ذَلِكَ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلا في كِتابٍ﴾ مَعْناهُ: إلّا والمُصِيبَةُ في كِتابٍ، و"نَبْرَأها" نَخْلُقُها، يُقالُ: بَرَّأ اللهُ الخَلْقَ، أيْ: خَلَقَهُمْ، والضَمِيرُ عائِدٌ عَلى المُصِيبَةِ، وقِيلَ: عَلى الأرْضِ، وقِيلَ: عَلى الأنْفُسِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ، وجَماعَةٌ، وذَكَرَ المَهْدَوِيُّ جَوازَ عَوْدِ الضَمِيرِ عَلى جَمِيعِ ما ذَكَرَ، وهي كُلُّها مَعانٍ صِحاحٌ لِأنَّ الكِتابَ السابِقَ أزَلِيٌّ قَبْلَ هَذِهِ كُلِّها، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ ذَلِكَ عَلى اللهِ يَسِيرٌ﴾ يُرِيدُ تَحْصِيلَ الأشْياءِ كُلِّها في الكِتابِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ﴾ مَعْناهُ: فَعَلَ اللهُ تَعالى هَذا كُلَّهُ وأعْلَمَكم بِهِ لِيَكُونَ سَبَبُ تَسْلِيمِكم وقِلَّةُ اكْتِراثِكم بِأمْرِ الدُنْيا، فَلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ، ولا تَفْرَحُوا الفَرَحَ المُبْطِرَ بِما آتاكم فِيها، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: لَيْسَ أحَدٌ لا يَحْزُنُ ويَفْرَحُ ولَكِنَّ مَن أصابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَجَعَلَها صَبْرًا ومَن أصابَ خَيْرًا يَجْعَلُهُ شُكْرًا، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو وحْدَهُ: "أتاكُمْ" عَلى وزْنِ فِعْلٍ ماضٍ، وهَذا مُلائِمٌ لِقَوْلِهِ تَعالى: "فاتَكُمْ" وقَرَأ الباقُونَ مِنَ السَبْعَةِ: "آتاكُمْ" عَلى وزْنِ "أعْطاكُمْ" بِمَعْنى: آتاكُمُ اللهُ تَعالى: وهي قِراءَةُ الحَسَنِ، والأعْرَجِ وأهْلِ مَكَّةَ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "أُوتِيتُمْ"، وهي تُؤَيِّدُ قِراءَةَ الجُمْهُورِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ الفَرَحَ المَنهِيَّ عنهُ إنَّما هو ما أدّى إلى الِاخْتِيالِ والفَخْرِ، وأمّا الفَرَحُ بِنِعَمِ اللهِ تَعالى المُقْتَرِنِ بِالشُكْرِ والتَواضُعِ فَأمْرٌ لا يَسْتَطِيعُ أحَدٌ دَفَعَهُ عن نَفْسِهِ، ولا حَرَجَ فِيهِ.
{"ayahs_start":21,"ayahs":["سَابِقُوۤا۟ إِلَىٰ مَغۡفِرَةࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَ ٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ","مَاۤ أَصَابَ مِن مُّصِیبَةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَاۤۚ إِنَّ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣱ","لِّكَیۡلَا تَأۡسَوۡا۟ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُوا۟ بِمَاۤ ءَاتَىٰكُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالࣲ فَخُورٍ"],"ayah":"مَاۤ أَصَابَ مِن مُّصِیبَةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَاۤۚ إِنَّ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق